jeudi 14 mars 2013

صفات البيت المسلم

معاشر المؤمنين: إن مما يعاني منه الكثير في هذه الأيام هو عقوق الأولاد، وعدم طاعتهم، وانحرافهم عن طريق الهدى والرشاد، فلم يفلحوا في دراسة، وتراهم في كل رذيلة يسقطون حتى ملّ المجتمع منهم، ودعا عليهم الصالحون، فهم في ليلهم يسهرون، وعلى المنكرات قابعون، فلا فائدة تعرف منهم، لأهلهم أو مجتمعاتهم؛

عباد الله: اتقوا الله تعالى وراقبوه، وتوبوا إلى ربكم واعبدوه، ولنعمل جميعًا في هذه الدنيا كأننا غرباء أو عابرو سبيل؛ فهي حقيقتها، وإياكم والغرور.

معاشر المسلمين: إن من حكمة الله تعالى قضاءه ببقاء البشرية حتى قيام الساعة، وهيأ هذه الأجيال لتكون مجتمعات تسكن الأرض، جيلاً يعقبه جيل، كما قال سبحانه: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة: 30]، أي أجيالاً يخلف بعضها بعضًا، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ) [الأنعام: 165].

وإن الناظر في هذه المجتمعات ليرى الاختلاف الكبير في سيرها، وما تعلّقت به من أخلاق وتفاوتها في مفاهيمها، ومدى طموحاتها.

عباد الله: إن هذه المجتمعات تتكون من مجتمعات صغيرة مترابطة ألا وهي الأسر، فلا يمكن لمجتمع أن يقوم بلا أسر مترابطة.

ولقد عُني الإسلام بالأسرة، فبيّن كيف ينبغي أن تنشأ، وما مدى أهميتها، وما هي أركانها وواجباتها.

معاشر المسلمين: إن من تدبّر في حياته أكسبه ذلك معرفة عظمة الله وحكمته، فالعبد ينشأ عضوًا في أسرة ثم ما يلبث حتى يكون مؤسسًا لأسرة، ثم تكون أسرته مصدرًا لأسر كثيرة، حتى يكون من الأسرة الواحدة مجتمعًا كاملاً.

إذا تبيّن ذلك عرف المسلم أهمية الفرد، وأن بصلاحه صلاحًا للمجتمع، والعكس بالعكس.

معاشر المؤمنين: من أراد أن يكوّن أسرة مسلمة فعليه باختيار الزوجة الصالحة، فهي الركن الثاني من أركان الأسرة، ولقد حث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على ذلك وبيّن أهميته لذلك.

أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"، فانظر -يا راعاك الله- كيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرض عن المال والحسب والجمال، وصور ذات الدين بالغنيمة التي يجب الظفر بها.

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو قال -صلى الله عليه وسلم-: "الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة".

وأخرج الطبراني في معجمه من حديث كعب بن عجرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بنساء أهل الجنة؟! الودود الولود العؤود، التي إذا ظُلمت قالت: هذه يدي في يدك، لا أذوق غمضًا حتى ترضى".

عباد الله: كم من مال وحسب وجمال أفسد العشرة بين الزوجين!!

أيها المسلمون: إذا بنى العبد لبنة أسرته الأولى على وصية المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فليكمل الهدي النبوي في ذلك، وليعاشرها بالمعروف، وليعلم أن لها حقوقًا يجب عليه أن يسديها إليها، كما أن له عليه حقوقًا تسديها إليه، فإذا أُدِّيت الحقوق، دامت العشرة على خير وسعادة.

ثم لتكن لك -أيها الزوج- همة عالية سريعة في انتقالك من زوج إلى كونك زوجًا وأبًا، فإنجاب الأولاد من أكبر دواعي الزواج، ولتكن لك نية صالحة في الإنجاب والنكاح، فإن العبد إذا جامع زوجته بنية إعفاف نفسه أو إعفاف زوجه أو إنجاب الولد الصالح، أو لتكثير المسلمين، فإنه بجماعه ذلك ينال أجرًا.

أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "وفي بضع أحدكم صدقة"، أي جماعه لزوجته، ولا تكن نيتك بالجماع نية بهيمية صرفة، فإذا رزقك الله الولد، فبادره بالتربية الإسلامية منذ نعومة أظفاره، لتحظى عند كبره، فالبذرة يزين ثمرها سقيها وتعاهدها عند أول بذرها.

فينبغي أن ينشأ الأطفال على حسن الخلق، وحسن المنطق، وأن يُبعدوا بقدر الاستطاعة عن الألفاظ السوقية الساقطة.

وهكذا تحصل التربية للمربي نفسه ثم لأمه، وكذلك لأخواته وإخوانه، ومن في محيطه.

ومن حسن التربية: تعليق الطفل منذ صغره على مراقبة الله، وأن الله يحب المحسنين، وأن الله يبغض البذيئين المفسدين، وهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم-.

أخرج البخاري ومسلم من حديث عمر بن أبي سلمة قال: كنت غلامًا في حجر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال: "يا غلام: سمّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك".

وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: أخذ الحسن أو الحسين تمرة من تمر الصدقة فوضعها في فيه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "كخ، كخ ارم بها، أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة"، فهكذا تكون التربية منذ الطفولة على فعل الواجبات، وترك المحرمات، ولو كانوا دون قلم التكليف.

عباد الله: كيف يكون الحال بمن يُنشئ أولاده على المحرمات في لباسهم وهيئاتهم وشعورهم، حتى البنات، تبلغ العاشرة بل تزيد، وهي لا زالت تلبس البنطال والقصير، كل ذلك بزعم أنهم ما زالوا صغارًا، وما علم المسكين أن من شب على شيء شاب عليه، وأن في فعله هذا هدمًا لمبادئ الإسلام في مهدها.

أيها الناس: يظن البعض أن التربية الصحيحة هي توفير جميع متطلبات السعادة لأبنائه، ولو كان ذلك محرمًا، كالسفر للخارج، والتسكع في الأسواق ولبس ما شاؤوا، وصحبة ما شاؤوا.

وإن هذا الخلل في التربية، ظهرت نتيجته علانية في واقع الحياة، فليحذر العبد، وليسلك الطريق النبوي في التربية علّه أن يكون من المفلحين.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها.


الخطبة الثانية:

معاشر المؤمنين: إن مما يعاني منه الكثير في هذه الأيام هو عقوق الأولاد، وعدم طاعتهم، وانحرافهم عن طريق الهدى والرشاد، فلم يفلحوا في دراسة، وتراهم في كل رذيلة يسقطون حتى ملّ المجتمع منهم، ودعا عليهم الصالحون، فهم في ليلهم يسهرون، وعلى المنكرات قابعون، فلا فائدة تعرف منهم، لأهلهم أو مجتمعاتهم؛ إلا السعي وراء شهواتهم، حتى -والعياذ بالله- أصبح من كان لديه ولد صالح يعد من المستغربات، وكم شكا إلينا الآباء من عدم استجابة أولادهم لنصحهم، وإنني أقول بكل مرارة: يداك أوكتا وفوك نفخ، ولا يجني الفلاّح من الشوك العنب، فلقد أهملتهم صغارًا فعقوك كبارًا.

عباد الله : لنبعد عن أولادنا من الآن جميع آلات الفساد، ولنحرص على تربيتهم على الأخلاق الإسلامية، فالأسرة مستهدفة من أعداء الدين، فلتكن -أيها الأب- الحصن الحصين بعد الله لحمايتهم، فلا تكن ممن يغيب عن المنزل الساعات الطوال خصوصًا في الليل، وإياك وفعل المنكرات أمام أولادك، كالتدخين، والسب والشتم وسماع الأغاني، وليكن أولادك دافعًا لك على إصلاح نفسك.

واحذر من جلب المنكرات إلى منزلك، وأحضر البديل من المباحات، وكن حذرًا، فبعض ما يُظَنُّ مباحًا إنما هو سم زعاف.

عباد الله: عودًا على بدء، فمن شكا من عقوق أولاده، فلا ييأس ولا يقنط من رحمة الله تعالى، وليسر على هذه النقاط بجد وعزيمة.

فالبداية هنا بسؤال الله العون والهداية، فمن اعتمد على نفسه وكله الله إليها، ومن وكله إلى نفسه وكله إلى ضدها، فادع الله تعالى لهم بالصلاح، وانطرح بين يديه خصوصًا في ثلث الليل الآخر، بقلب خاشع، وأبشر بالإجابة ولو بعد حين.

أتـهزأ بالدعاء وتـزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن *** لـها أمدٌ وللأمد انقضاء

أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أكره، فأتيت رسول الله وأنا أبكي فأخبرته الخبر، وقلت: ادع الله أن يهدي أمَّ أبي هريرة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اهدِ أمَّ أبي هريرة"، فخرجت مستبشرًا بدعوة نبي الله، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله: أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة.

(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 82]، وهذا الطفيل بن عمرو يدعو قومه، فلما أبوا عليه ذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: قدم الطفيل وأصحابه فقالوا: يا رسول الله: إن دوسًا قد كفرت وأبت، فادع الله عليهم، فقيل: هلك دوس، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اهد دوسًا وائت بهم"، فهداهم الله وجاؤوا جميعًا.

أمة الإسلام: لنحرص جميعًا على تكوين أُسرنا وفق حدود الشرع ليكون المجتمع بأسره مجتمعًا إسلاميًا، ولنحمي أسرنا من التشتت والضياع بارتكاب المعاصي، والبعد عن النهج القويم والصراط المستقيم.

اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا.
 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire