jeudi 7 mars 2013

تدريس الثقافة الجنسية: ضرورة أم قلة أدب؟

المقال كما نشرته الوطن ، المقال على العربية نت


 وقبل أن نطرح أي وجهات نظر، يجب أن نتذكر أن المقررات المدرسية السعودية تحوي فعلاً فقرات محض جنسية.. وتعلم النشء أموراً صريحة بشأنه. أنت إذا طالعت دروس الطهارة في مقررات الفقه مثلاً فستقرأ عن أحكام الجنابة والغُسل. كما وأن مقررات البنات تستفيض في أحكام الحيض والنفاس بطبيعة الحال. وأنت إذا طالعت نص التعريف الاصطلاحي لـ “الزنا” أو “اللواط” كما يدرسه طلاب المرحلة الثانوية، فستطالعك تفاصل وألفاظ لا يسعنا أن نوردها على صفحات هذه الجريدة. ناهيك طبعاً عن مقررات العلوم والأحياء التي تتحدث عن التناسل لدى الثدييات والنباتات والجوفمعويات تشريحياً وفسيولوجياً بما هو في صميم تخصصها.
الثقافة الجنسية هي إذاً في صلب التركيبة المنهجية لما يدرسه الطالب السعودي من عشرات السنين. والسؤال، والحال كذلك، ستتغير صياغته من “هل ندرّسها؟” إلى “كيف ندرّسها؟” إننا نبحث في الإطار والآلية. لأن هناك شبه اتفاق على أن المتفرق في مقررات الفقه والأحياء مبهم وغير واضح ومتروك استيعابه لجرأة المعلم و لـ “ذكاء” التلميذ. كما وأن هناك شبه إجماع على أن هناك ضبابية شنيعة وغموضاً في فهم هذا “الشيء” المحوري في الحياة لدى بناتنا وأولادنا.
لابد من الإشارة إلى أن نتائج الاستقصاء الذي أجراه مؤخراً طلبة جامعة الملك سعود على عينة من أولياء الأمور بالرياض والشرقية.. وأفضى إلى أن 80٪ منهم يؤيدون تدريس الثقافة الجنسية بالمدارس.. لابد من الإشارة إلى أنها نتيجة مفاجئة على أكثر من صعيد. فهي على الأقل أثبتت أن العقدة ليست في منشار المجتمع ولا ولي الأمر. وأن هناك توجهاً طليعياً لدى الآباء والأمهات لتجاوز المحظور التقليدي والاجتماعي. هذا التجاوز ليس وليد فراغ ولا هو مؤامرة صاغتها (الموساد) طبعاً، لكنه بالتأكيد مؤشر هام على حجم التحدي الذي يواجهه أولياء الأمور في البيوت.. وعلى إقرارهم بأن الأولاد والبنات يجب أن “يعرفوا” ويتعلموا بطريقة نظامية آمنة واحترافية عبر المدرسة، وليس عبر الشارع ولا الإنترنت ولا الأفلام ولا أحاديث الأصدقاء. وجدير بالذكر أن الصديق الصدوق والفيلم الثقافي والإنترنت -مؤخراً- ظلت هي المصادر الأساسية لتعريف أجيال كاملة من المواطنين السعوديين بأساسيات غريزة حفظ النوع!
طبعاً فهذا موضوع حساس وسيثير أكثر من تساؤل. لكنها كلها تساؤلات نظرية وستتحطم عند أول اصطدام بجدار الواقع. الواقع الذي يقول أن شباب اليوم “مدردح” ويعرف ويشاهد ويستكشف بنفسه. الواقع الذي يقول أن ثورة الفضائيات قد أسقطت الحاجز بين البيوت والعوالم الخارجية. وحتى بدون فضائيات فإن ابنك وبنتك سيتكلمان مع أقرانهما في الفسحة، وفي ملعب الكرة وفي حلقة تحفيظ القرآن. إنك لن تستطيع أن تعزل ابنك بجدار ولن تستطيع أن تضمن من الذي ستلقيه الأقدار في طريقه. الحل في أن تعلمه وتوعيه.
هناك جدار واقعي آخر خاص بمؤسسة الزوجية ذاتها.. والتي صارت بفعل الجهل وبفعل الشائعة ووسائل التلقين الخائبة بمثابة سر غامض تكتنفه الخرافات والأساطير. هكذا صرت تسمع من أقسام طوارئ المستشفيات ومن محاكم الخلع والطلاق قصصاً مأساوية تجعلك تسقط على قفاك من الضحك بخصوص “ليالي العمر” الأليمة التي لم ينجح بها أحد!
نحن بلا شك بحاجة لمقررات ثقافة جنسية تناسب المراحل السنيّة وتناسب عقليات التلاميذ وتناسب واقع المجتمع أيضاً. وكما ذكرت فالمسألة هي بيد المؤسسة التعليمية الرسمية تماماً. والحديث عن تطوير مقرر الثقافة الجنسية يستتبع حديثاً عن تطوير الكادر التعليمي. من سيدرّس مادة الثقافة الجنسية؟ مدرس الفقه؟ لا ينفع طبعاً! ولا ينفع أن يكون مدرس الأحياء كذلك وحتماً ليس مدرس النحو والصرف! إننا بحاجة لاستحداث حصة بمدرسها المؤهل علمياً ونفسياً للتعاطي مع كينونات التلاميذ الهشة والمتعطشة للمعرفة. وهذه هي المسألة الأكبر التي تلخص كل هموم قضايانا التعليمية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire