lundi 4 mars 2013

المربي الصالح


المربي الصالح
Thursday 15 March 2012

عمر السبع
هل رأيت ـ أيها المربي الفاضل ـ بيتًا بدون أساس أو غرفة بدون أركان؟
بالطبع ستجيب: لا.
وكذلك المربي الناجح لابد أن يقوم على أساسات واضحة وقواعد ثابته.
فإن لهذا المربي الناجح أساسات كما أن للبيت أساسًا وكما أن للغرفة أركانًا، وحجم الأساس دائمًا يتوقف على حجم البناء وارتفاعه، فإذا أردت أن ترفع صرحًا شامخًا تطلب ذلك زيادة في هذا الأساس، ومتانة في تلك الأركان، على عكس البناء الصغير.
والمربي الناجح في الحقيقة صرح شامخ، فهو ليس مجرد بيت صغير ذي أركان، إنه القادر بإذن الله على تغيير الواقع، وصناعة النموذج، وبناء الطفل بناءً صحيحًا، وتربيته تربية واعدة.
إنه القادر على بث روح الإيمان بين جنبات قلبه وصياغته وفق أخلاق الإسلام، إنه القادر بإذن الله تعالى أن يُقدِّم نموذج الطفل الناجح في حياته، والمتفوق في دراسته، والنافع لأمته، إنه بالفعل صرح شامخ؛ ولذا كان لابد له من أساس متين وأركان صلبة، ترفع هذا الصرح وتُعلِي ذراه.
وكان أبوهما صالحًا:
روى الجاحظ أن عقبة بن أبي سفيان لما دفع ولده إلى المؤدب قال له: (ليكن أول ما تبدأ به من اصلاح بنيَّ إصلاح نفسك؛ فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، وعلِّمهم سير الحكماء وأخلاق الأدباء) [تربية الأولاد في الإسلام، د.عبد الله ناصح علوان، (1/115)].
يظن المربي أن واجبه فقط هو السعي لكسب الرزق، والانكفاف على العمل ساعات طويلة، ويحسب أنه بذلك سينجح في العملية التربوية.
ويظن الآخر أنه بمجرد أنه رجل طيب كما يقولون، ولا يفعل الخطأ، وصاحب أخلاق فاضلة ونية طاهرة، أنه سيكون بذلك ناجحًا في العملية التربوية.
ويظن آخر أنه بكثرة قراءته لكتب التربية، واطلاعه على آراء الخبراء؛ سيكون ناجحًا في العملية التربوية.
وكل هذا مهم بلاشك أيها الأب الفاضل، ولكن كل هذا لن يساوي شيئًا ولن ينفع شيئًا إن لم يكن المربي صالحًا في ذاته، محافظًا على صلاته، ساعيًا لجنة الله ومرضاته.
لن تنجح في تربية ولدك إن لم تصلح حالك مع الله سبحانه وتعالى، لن تنجح إن لم تُطبِّق هذا الأمر الإلهي ولم تخالف هذه السنة التي لا تتبدل ولا تتغير أبدًا، وهي أن الله تعالى يرعى من كان أبوه صالحًا.
عزيزي المربي تذكر: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82].
تُرى ما قصة هذه الآية؟ وما سر هذا الصلاح؟
الصلاح الذي يكون سببًا في حفظ الولد ورعايته، وحماية إرثه وممتلكاته، وضمان مستقبله وحقه والاطمئنان عليه.
بل ويكون هذا الصلاح سرًّا يخفى على موسى عليه السلام، ويطلعه الله على عبده الصالح الخضر عليه السلام.
ويكون في ذلك كله آية عظيمة يقرؤها كل مسلم ويرددها إلى يوم القيامة.
قال تعالى:   {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: ٨٢].
فيما ذكر عنابن عباس كما في التفاسير [تفسير القرطبي، (11/38)] أن الغلامين اليتيمين‏:‏ هما أصرم وصريم ابنا كاشح، والأب الصالح الذي حفظ كنزهما منأجله كان بينهما وبينه سبعة آباء، وقيل عشرة، ولم يكونا ابنيه من صلبه.
فتأمل كيف حفظ الله تعالى الغلامين بصلاح الجد السابع أو العاشر لهما، لا أقول بصلاح والدهما، فكيف إذًا إذا كان والدهما مباشرة؟!
ولا نقول إن هذا أمر حتمي أو أن من كان صالحًا فلابد أن يكون أبناؤه صالحين، فلقد رأينا أن من أبناء الأنبياء من لم يكن صالحًا، كمن قال الله تعالى فيه: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: ٤6].
ولكنك ـ أيها المربي ـ بهذا الصلاح تكون قد قدَّمت العذر أمام الله سبحانه وتعالى أنك لم تكن سببًا في عدم صلاح أبنائك، أما الهداية في النهاية فهي بيد الله سبحانه وتعالى مُقلِّب القلوب، يقلبها كيف يشاء.
عمر بن عبد العزيز كان صالحًا:
نعم عزيزي المربي، وهل هناك أدل على ذلك من أنه كان ينتفض في سره كالعصفور المبلول خوفًا من الله تعالى.
وكان يقول رضي الله عنه: (تاقت نفسي للإمارة، فلما بلغتها تاقت نفسي للخلافة، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الجنة) [تاريخ الخلفاء، السيوطي، (1/96)].
وكان له أربعة عشر ذكرًا وبنات ثلاث، وحينما توفي عمر بن عبد العزيز لم يترك لأولاده مالًا إلا الشيء اليسير، وقد أصاب الذكر من أولاده من التركة تسعة عشر درهمًا فقط، بينما أصاب الذكر من أولاد هشام بن عبد الملك ألف ألف (مليون).
وما هي إلا سنوات قليلة حتى كان أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يحمل على مائة فرس في سبيل الله في يوم واحد، وقد رأى بعض الناس رجلًا من أولاد هشام يُتصدق عليه [سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، العصامي، (2/185).! وسبحان الله!
عزيزي المربي ...
إن المربي الصالح يضمن لأولاده المستقبل الدنيوي ـ بإذن الله ـ لأن الله عز وجل يجازيه على هذا الصلاح ويحفظ له أولاده وأهله.
والمربي الصالح أيضًا يضمن لنفسه ولأولاده المستقبل الأخروي ـ بإذن الله ـ إن هو علَّم أبناءه الصلاح وكان صالحًا في ذاته.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21].
لا تعارض بين الصلاح والعمل:
عزيزي المربي، إن هذه ليست دعوة إلى ترك العمل، أو ترك الأخذ بالأسباب في طلب الرزق، والاتكال على الصلاح، ذلك لأن هذا الفعل مضاد للصلاح ذاته، ولقد رأينا أن كل الأنبياء والصالحين كانوا يعملون ويكدون ويتعبون، وهم مع ذلك كله أهل تقوى وصلاح.
فالاثنان معًا وبالتوازي:
فها هو داود عليه السلام يعمل ويكد، وهو الذي يعمل السابغات وألان الله له الحديد، وهو أيضًا الذي تُسبِّح الجبال والطير بتسبيحه، وهكذا تستقيم المعادلة (عمل وأخذ بالأسباب وطاعة لرب الأرباب).
وهكذا تكون مربيًا ناجحًا؛ لأن النجاح ليس هنا فقط في حياتنا الدنيا، ولكن الناجح حقيقة الذي ينجح هنا وهناك، في الحياة الدنيا وفي الدار الآخرة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
أهم مقومات الصلاح:
إنك لن تستطيع أن تنصح طفلًا بالمحافظة على الصلاة وأنت لا تحافظ عليها، أو بإقامتها في الجماعة وأنت لا تقيمها، كما أنك لن تستطيع أن تُقدِّم طفلًا محافظًا على صلاة الفجر وأنت لا تحافظ عليها.
إنك لن تستطيع أن تصنع طفلًا يقدس الشعائر وأنت نفسك لا تقدسها، فالإناء بما فيه ينضح، والطفل على شاكلتك ينسخ.
وينشأ ناشـئ الفتيان منا                  على ما كـان وده أبـوه
ومــا دان الفتى بحجى ولكن             يعوده التدين أقربــون
وفي الحقيقة هذا المقوِّم من أهم مقومات الصلاح التي لابد أن تتوافر في المربي، وإننا إذا تأملنا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يربي أهله وأولاده؛ لوجدناه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم الصرح الشامخ والمربي الناجح، الذي يربي بأفعاله قبل أقواله، فعنه تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (فإذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه) [فتوح الشام، الواقدي، (1/281)].
كفى بهذا الفعل تربية لأولاده، إن هذا الفعل من تقديس للشعائر يصنع في الطفل ألف فعل، ويؤثر فيه أيما تأثير.
إن الأب الذي يذهب متأخرًا عن صلاة الجمعة يُعلِّم أبناءه بتلقائية وبلا شعور هذا التقصير في حق الله سبحانه وتعالى الذي قال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: ٩]، والأم التي تسمع الأذان ولا تقوم مباشرة للوضوء والصلاة تُعلِّم طفلتها باللاشعور هذا السلوك.
فإذا كان الأب معظمًا للشعائر كان الطفل مثل أبيه وعلى شاكلته، وإذا كان الضد كان الضد بالضد.
لا أقول إنك ستجعل من نفسك ملاكًا لا يخطئ، فكلنا ذوو خطأ، ولكن على الأقل ليس الأصل الخطأ، وإنما الخطأ أمر عارض غير متعمد، متبوع بالتوبة الفورية وكثرة الاستغفار.
(إن الطفل الذي ينشأ في بيت من بيوت المسلمين، فتتفتح أذناه وعيناه من صغره على أبوين يُعظِّمان أمر دينهم؛ فيحافظان على الصلوات في أوقاتها، ويستعدان للصلاة بالوضوء لها، وفي البيت يُعظِّم كتاب الله ويسمع ويقرأ كل يوم، وفي كل الأعمال التي تؤدى في البيت تحترم فيها آداب الإسلام وتعاليمه، ويحافظ فيها على سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ يسمع الطفل ويرى ويتعلم ويحاكي حتى يعظم عنده أمر دين الله، ويصبح قلبه وقد أُشرب حب الله والجنة، وحب الخير والمؤمنين والعمل الصالح)[العشرة الطيبة مع الأولاد، محمد حسين، ص(325)].
وأول جانب من جوانب اصلاح الداخلي هو جانب تقديس الشعائر وتعظيم الفرائض، التي هي أحب ما يتقرب العبد به إلى ربه تعالى، كما جاء في الحديث القدسي: (وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه) [رواه البخاري] ، فلا أحب من الفرض ولا أرضى منه للرب، فقبل أن نتكلم عن النوافل لابد أن نتقن الفرائض، وقبل أن نتورع عن المكروهات لابد أن نعظم الحرمات، وهذا هو المقوم الثاني من مقومات الصلاح الداخلي لدى المربي الناجح.
المصادر:
·       العشرة الطيبة مع الأولاد، محمد حسين.
·       فتوح الشام، الواقدي.
·       تربية الأولاد في الإسلام، د.عبد الله ناصح علوان.
·       تفسير القرطبي.
·       سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، العصامي.
·       تاريخ الخلفاء، السيوطي.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire