lundi 4 mars 2013

المختصر في فقه الحقوق الزوجية.




بسم الله
عنوان الكتاب:

المختصر في فقه الحقوق الزوجية.





المؤلف: فهد عبد الله.

يتحدث الكتاب عن واجبات الزوج تجاه زوجته والعكس ، وفيه مباحث مهمة لكلا الزوجين.







  المختصر في
فقه الحقوق الزوجية  


بقلم
فهـد عبـد الله
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
فإن العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة سنة إلهيه، وغريزة أودعها الله في الجنسين- الذكر والأنثى-اللذين يشكلان الركيزتين الأساسيتين لهذه العلاقة، ولهذا لم يترك الشارع الحكيم هذه العلاقة دون توجيه وبيان لما يجب على كل طرف نحو الآخر، وما تمليه ضرورة هذا الاقتران من حقوق بحيث تستمر هذه العلاقة وتقاوم الصعاب الدنيوية، ولا تتكسر أمام موجات الحياة الصغيرة.
كما أن الشارع أراد بذكر الحقوق والواجبات على كلا الطرفين تجاه صاحبه كيلا تنحرف الأسرة عن المسار الصحيح، والذي بانحرافها ينحرف المجتمع برمته، فالأسرة هي النواة للمجتمع، وهي التي تشكل سداه ولحمته وبصلاح الأسره يصلح المجتمع، وبفسادها يفسد.
وللمركز الهام الذي تحتله العلاقة الزوجية بيّن الشارع الحكيم في كتابه الكريم وسنة نبيه  جملة من الواجبات والحقوق التي يجب على الزوجين تطبيقها طاعة لله سبحانه أولاً، وحفاضاً على كيان الأسرة ثانياً، وعلى هدوء واستقرار وسلامة المجتمع ثالثاً.
إن هذه الحقوق التي بينها الشارع الحكيم- والتي سآتي على ذكرها في الفصول القادمة- تمثل سياجاً آمناً يحفظ للأسرة سلامتها وطمأنينتها، كيف لا؟! وهي آتية من اللطيف الخبيرأَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الملك:14).  لا يستطيع أحد أن ينكر أن العلاقة الزوجية نعمة أنعمها الله على الإنسان، وميزه بها عن غيره من المخلوقات ذات الزوجية الذكرية والأنثوية، خاصة فيما يتعلق بالحقوق والواجبات، فالمسألة ليست تسافداً كتسافد الكلاب، بل هي علاقة تنبني على التفاهم والوفاء، فلا يصح للإنسان أن يصرفها كيف يشاء بعيداً عن توجيه رازقها ومعطيها المولى سبحانه، إذ إن مقتضى الربوبية ينقض هذا من أساسه والواجب على المسلم أن يقول:  سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(البقرة: من الآية285)ومن هنا تكمن أهمية معرفة الحقوق والواجبات في العلاقات الزوجية.
ومما ذكر القرآن بياناً للحقوق والواجبات بين الزوجين  قوله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة: من الآية228) وهذه قاعدة عظيمة في بيان طبيعة الواجبات والحقوق بين الزوجين، ومنه قوله تعالى:الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (النساء: من الآية34).
كما بين القرآن النهي عن الإضرار بالنساء أو البغي عليهن كما في قوله تعالى:وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ(الطلاق: من الآية6) وقوله سبحانه:فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً (النساء: من الآية34) وغيرها من القضايا التي سأبينها في هذا البحث إن شاء الله.
يتبين مما سبق أن العلاقة بين الزوجين توجب أداء حقوق وواجبات كما تعني عدم الإساءة إلى كلٍ منهما على الآخر، وهذا ما سأفصله في صفحات هذا الكتاب، إن شاء الله.
إن مما دفعني للكتابة في هذا الموضوع أمور:-
الأول: جهل الكثيرين من الجنسين بهذه الحقوق، والتي تعتبر جزءاً من الدين يسأل عنه المرء في أخراه، ذلك أن البعض يركز على الجوانب الخارجة عن إطار الأسرة، وينسى واجباته داخل بيته وأسرته.
الثاني: جهل الكثيرين من الجنسين بهذه الحقوق، والتي إذا لم تراع فإنها تفرز غالباً نتائج مدمرة للأسرة برمتها، وإن الكثير من المشاكل الأسرية التي نراها في مجتمعاتنا يعود السبب الكبير والوحيد غالباً إلى عدم الانتباه لقضية الحق الواجب عليه تجاه الطرف الآخر.
الثالث: أن هناك مؤسسات دولية وحكومية عندما رأت كثرة المشاكل الأسرية حاولت أن توجد حلولاً، فعملت اتفاقيات وقوانين بعضها يتوافق مع الشرع وبعضها يعارضه، وهذا ليس غريباً على بلدان لا تدين بدين الإسلام، بيد أن الغريب هو أن نجد بلداناً إسلامية تتبنى بعض هذه المشاريع دون الرجوع إلى ما ذكره الشرع الشريف متبعة في ذلك نهج (الآخر) مؤيدة ببغاوات مستوردة أكبر همها هو الطعن في الدين قبل محاولة إصلاح الأسرة.
ومع هذا لم يصلح شيء وهذا بدهي لأن:-
1. هذه التشريعات مصادمة لدين الله عز وجل.
2. ليس لهذه التشريعات مستند ترجع إليه سوى الاتفاقيات والندوات والأسماء المستوردة كلها من خارج ديارنا وثقافتنا وديننا.
3. وبما أنها ليست شرعية لم تكتسب الثقة من الناس والأمة
4. ولبعدها عن الدين لم تستطع أن تعطي الحلول الناجعة، وأن تحدد الحقوق الصائبة بل زاد تخبطها وبدلاً من أن تحافظ على كيان الأسرة وعلى استقرار المرأة راحت تعلمها العصيان فزاد الطين بلة.
من هنا رأيت أن أذكر هذه الحقوق راجعاً للقرآن والسنة وكلام علماء الأمة راجياً من الله سبحانه أن يكتب هذا العمل في ميزان حسناتي، فهو حسبي ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين.
 المبحث الأول: الحقوق المشتركة بين الزوجين

في هذا المبحث سنذكر جملة من الحقوق المشتركة بين الزوجين والتي لا ينبغي جهلها .
أولاً: حق الاستمتاع:-
هذا الحق مشترك بين الزوجين، بمعنى أن للزوج الحق في الاستمتاع بزوجته وكذلك العكس، ذلك لأن الاستمتاع مقصد من مقاصد النكاح، ومن خصوصياته فـ"حل استمتاع الزوج بزوجته هو اختصاص له، فلا يشركه غيره فيه، فهو اختصاص حاجز، ولهذا لا يجوز للزوجة أن تتزوج بزوج آخر ما دامت الرابطة الزوجية قائمة بينهما"( ).
وكذلك الزوجة فاستمتاعها بزوجها "هو استمتاع وحيد، لا يجوز لها فعله مع غيره عن طريق الزواج ما دامت الرابطة الزوجية قائمة( ).
ذهب بعض الفقهاء إلى أن الجماع حق للزوج فقط، وأن الزوجة لا حق لها فيه وأنها إن لم تصل إليه فلا حق لها في طلب الانفصال.
والحقيقة أن هذا الرأي خلاف قول الجماهير من أهل العلم، الذين جعلوا للمراة الحق في ذلك، وقالوا بأحقية الزوجة في مقاضاة الزوج وطلب الانفصال إن أرادت.
بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن على الزوج أن ينام مع زوجته ليلة من أربع ليال، وقال آخرون ليلة في كل طهر، وذهب مالك ومن وافقه إلى أن الزوج المبتعد عن زوجته أربعة أشهر مولي، وإلزام الزوج في الإيلاء بالفيء أو الطلاق دليل على حق الزوجة في الجماع.
كما أن القائلين بعدم الوجوب قالوا بأنهم أوكلوه إلى الغريزة، وما كان له دافع طبعي فلا حاجة لأيجابه ديناً، والحقيقة أن إرادة الإضرار من الزوج قد تجعله يفعل ذلك، بله إذا كان مستغنياً عنها بغيرها، فكيف تدفع الزوجة الضرر عنها إن لم يكن لها الحق بالمطالبة، وتحميل الزوج وزر هجره إياها.
أضف إلى ذلك أن المرأة كالرجل لها غريزة تريد إشباعها، وهي قد جبلت على ذلك.
كما أن التعبير القرآني للمتزوجات بالمحصنات يومئ ويشير إلى دلالات المعنى اللغوي التي تفيد معنى المنع والحيلولة، وهو هنا تحصن المرأة بالزواج من دواعي الشر والرذيلة.
أضف إلى ذلك انتشار المغريات المادية والمعنوية، والمثيرات الجنسية المتنوعة، وانتشار ما يسمى بالثقافة الجنسية، التي أخذت بالانتشار، كل هذا له دور كبير في التأثير على النفوس الضعيفة، ومنها قلوب وفرة من النساء.
   كما أن الاختلاط أصبح هو السمة السائدة في معظم التجمعات المختلفة، وانكسر عند كثير من الجنسين وخاصة المرأة حاجز الحياء من الطرف الآخر، مما سهل وقوع الفاحشة، وهذا ما يشهد به الواقع الذي هو حجة دامغة في وجه من يرمون غيرهم بالنظرة الشهوانية .
ولهذا كان لزاماً على الزوج أن يشبع غريزة زوجته الجنسية في حدود المعقول، وفي هذا الصدد يقول البهوتي في كشاف القناع: "ولأن النكاح شرع لمصلحة الزوجين، ودفع الضرر عنهما وهو-أي الوطء- مفض إلى دفع ضرر الشهوة عن المرأة كإفضائه إلى دفعه عن الرجل، فيكون الوطء حقاً لهما جميعاً"( ).
وعلى الزوج أن  يتوخى حاجتها إلى إليه "فيعفها ويغنيها عن التطلع إلى غيره، وإن رأى الرجل من نفسه عجزاً عن إقامة حقها في مضجعها أخذ من الأدوية التى تزيد في باهه، وتقوي شهوته حتى يعفها"( ).
ويدخل في الاستمتاع كل ما يشبع الغريزة من النظرة إلى الإنزال، فيحق للزوجين الاستمتاع بالنظر كل إلى صاحبه، ولمسه لأي جزء من أجزائه ذلك أن "الجماع فوق النظر واللمس، فكان في إحلال الجماع إحلال للنظر واللمس من باب أولى"( ).
ومما يستدل به على ذلك من السنة أن عائشة زوج النبي  كانت تغتسل مع رسول الله  من إناء واحد( ) .
وفي أبي داود وغيره من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال:
قلت: يارسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟
قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك"( ).
يظهر من هذا أن للزوج النظر إلى كل بدن زوجته، وكذلك العكس، بما في ذلك النظر إلى الفرج ظاهراً وباطناً، ذلك لأنه محل تمتعه( ).
فالقول بكراهة النظر إلى الفرج الظاهر، وشدة الكراهة في النظر إلى باطنه فيه بعد، والأبعد منه القول بالحرمة.
استدل أصحاب هذين القولين –الحرمة والكراهة- بحديث عائشة أنها قالت: "ما رأيت عورة رسول الله  قط" .
وهذا الحديث في سنده شخص يدعى ابن سابور، وهمه الخطيب في تاريخ بغداد( ) وابن عدي في الكامل( )، كما أن فيه بركة بن محمد أبو سعيد الحلبي شيخ ابن سابور، وقد ذكره ابن عدي في الضعفاء وقال:"هذا الحديث لم يروه موصولاً بهذا الإسناد غير بركة هذا، وقد روي مرسلاً( ) فتبين ضعف هذا الحديث.
واستدلوا أيضاً بحديث "النظر إلى الفرج يورث الطمس" وقد "ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وخالفه ابن الصلاح فحسن إسناده، وقال: أخطأ من ذكره في الموضوعات"( )، ولكن تساهل ابن الصلاح في التصحيح والتحسين معلوم عند أهل هذا العلم .
وممن حكم بوضعه أبو حاتم، كما روى هذا عنه ابنه في كتاب العلل. والحديث رواه ابن حبان في الضعفاء من طرق بقية عن ابن جريج، وبقية هذا مدلس سيء التدليس، ولهذا قالوا فيه: أحاديث بقية ليست نقية، فكن من أحاديثه على تقية .
قال ابن حبان وهذا يمكن أن يكون بقية سمعه من بعض شيوخه الضعفاء عن ابن جريج فدلسه، ونظراً لهذا كله كان تحسين ابن الصلاح للحديث فيه نظر كما قال الحافظ في التلخيص( ).
وحمل الرافعي الحديث على الكراهة لا يستقيم مع ضعفه إلا على قاعدة الاحتياط التي يؤخذ فيها بالحديث الضعيف وفي هذه المسألة خلاف منتشر.
أما لمس الفرج فقال السبكي:"الخلاف الذي في النظر إلى الفرج لا يجري في مسه لانتفاء العلة... وقال سأل أبو يوسف أبا حنيفة عن مس الرجل فرج زوجته، فقال: لا بأس به، وأرجوا أن يعظم أجرهما"( ).
ويمكن تعليل عظم الأجر بأنه مدعاة للشهوة المؤدية إلى تحصين الزوجين، وتكثير النسل .
وبناءً على ما سبق فليس للزوج أو الزوجة أن يمنع الآخر من النظر إلى عورته، لأنه من جملة الاستمتاع المباح أو المندوب له، وقول الزركشي :"لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورة زوجها إذا منعها منه بخلاف العكس" ( )وعلل تفريقه هذا بأن الزوج يملك حق التمتع بها بخلاف العكس( ) مبني على أن التمتع حق للزوج دون الزوجة، ولهذا قال الخطيب: "وهذا ظاهر"( ) .
ولقصور نظرة هذا القول توقف فيه بعض متأخري الشافعية( ) بل ذهب بعضهم إلى أن لها ذلك ولو منعها زوجها، وهذا ما اعتمده ابن حجر الهيتمي( ) خلافاً للرملي والخطيب.
وقد ذكر الإمام الجويني "أن التلذذ بالدبر بلا إيلاج جائز"( ) والتلذذ هنا يشمل النظر واللمس "لأن جملة أجزائها محل استمتاعه إلا ما حرم الله تعالى عليه من الإيلاج( ) وقد خالف الدارمي فذهب إلى حرمة النظر إليه( ) ولكن خلافه هذا غير معول عليه في المذهب الشافعي، وضعفه الهيتمي في التحفة( ) .
ويدخل في حل الاستمتاع تجرد المرأة لزوجها، وكذلك العكس، لأن هذا مما يساهم في إشباع الشبق الجنسي، وإخماد نار الشهوة، وهذا من المقاصد الأساسية للنكاح، والتجرد من المكملات لهذا المقصد .
أما حديث: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردان تجرد العيرين"( ) قال البيهقي في الشعب عقب روايته هذا الحديث:" تفرد به مندل بن علي"( ) وهذا الكلام منه إعلال للحديث، فمندل هذا أورده الذهبي في الضعفاء، ونقل تضعيفه عن أحمد، والدارقطني .
وقال الهيثمي فيه ضعيف( )، وقال البزار: أخطأ مندل في رفعه، والصواب أنه مرسل( ) .
فتبين من هذا أن في الحديث علتين :-
الأولى: ضعف مندل .
والثانية: وهمه في رفعه، والصواب إرساله .
وممن ضعفه من المتأخرين الألباني في ضعيف ابن ماجة( )، وضعيف الجامع( ).
على أنه يمكن حمل الحديث على تسترهم جميعاً أثناء الجماع بغطاء واحد مع التجرد تحته، فيكون معنى الحديث: (إذا أراد أحدكم جماع حليلته فليتغط هو وإياها بثوب يسترهما) ويكون الخطاب هنا للرجل بالستر دونها؛ لأنه يعلوها، وإذا استتر الأعلى استتر الأسفل( ولا يتجردان -أي لا يتغطيان- فيصيران متجردين عما يسترهما) والأمر بالاستتار هنا على وجه الندب والاستحباب( ) .
ومما ذكره الفقهاء في هذا المقام، ونص عليه الهيتمي في التحفة أن الزوج لو أمر زوجته أثناء الجماع أن تتحرك وجب عليها ذلك .
وللزوج أن يتمتع بعضوه بكل جزء من أجزاء زوجته إلا أن هنا محظورين: أحدهما زماني: وهو إتيان الحائض، والآخر مكاني: وهو الإتيان في الدبر.
أولاً: إتيان الحائض:-
إتيان الحائض لا يجوز بإجماع أهل العلم لقوله تعالى: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ(البقرة:222).
وسبب نزول الآية ما رواه الطبري عن قتادة  حين سئل عن هذه الآية فقال:" كان أهل الجاهلية لا تساكنهم حائض في بيت ولا تؤاكلهم في إناء؛ فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك، فحرم فرجها ما دامت حائضاً، وأحل ما سوى ذلك أن تصبغ لك رأسك، وتؤاكلك من طعامك، وأن تضاجعك في فراشك إذا كان عليها إزار محتجزة به دونك"( ).
وفي صحيح مسلم" عن أنس  أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم  النبي  صلى الله عليه وسلم  فأنزل الله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض.
 فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : "اصنعوا كل شيء إلا النكاح، فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر، فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا فلا نجامعهن؟!
 فتغير وجه رسول الله  صلى الله عليه وسلم  حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي  صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما"( ).
 ومن هنا يظهر أن دين الله وسط بين أمرين فقد " كانت اليهود والمجوس تجتنب  الحائض، وكانت النصارى يجامعون الحيض؛ فأمر الله بالقصد بين هذين"( ).
هذا وقد اختلف العلماء فيما يجب اعتزاله من الحائض على أقوال:-
1. يعتزل فراش زوجته إذا حاضت، وهذا مروي عن  ابن عباس قال القرطبي:" وهذا قول شاذ خارج عن قول العلماء وإن كان عموم الآية يقتضيه فالسنة الثابتة بخلافه"( ).
2. يعتزل موضع الدم ، روي هذا عن عائشة والثوري ومحمد بن الحسن وداود واستدلوا بحديث "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"( ).
لكن حديث: «ما فوقَ الإزار» . يخص بمفهومه عموم «اصنَعُوا كلَّ شيء إلا النكاح» وعملاً بالأحوط( ).
3. له منها ما فوق الإزار، قال بهذا مالك والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف وجمهور العلماء( )، واستدلوا بما ثبت عن عائشة أنها قالت:"كانت إحدانا إذا كانت حائضاً أمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تأتزر ثم يباشرها"( )، أي يلصق بشرته ببشرتها فيما دون الإزار( ).
" وخرج بما بين السرة والركبة ما عداه من السرة والركبة"( ).
وقد اختلف العلماء في فهم المباشرة فوق الإزار فـ" قال بعضهم: المراد منه ما فوق السرة، فيحل الاستمتاع بما فوق سرتها، ولا يباح بما تحتها إلى الركبة.
 وقال بعضهم: المراد منه مع الإزار، فيحل الاستمتاع بما تحت سرتها سوى الفرج، لكن مع المئزر لا مكشوفاً .
ويمكن العمل بعموم قولهما بما فوق الإزار؛ لأنه يتناول ما فوق السرة وما تحتها سوى الفرج مع المئزر، إذ كل ذلك فوق الإزار، فيكون عملاً بعموم اللفظ"( )فالذي يظهر الحمل على المعنيين إذ لا تناقض بينهما( ).
"قال العلماء مباشرة المرأة وهى متزرة على الاحتياط والقطع للذريعة ولأنه لو أباح فخذيها كان ذلك منه ذريعة إلى موضع الدم المحرم بإجماع، فأمر بذلك احتياطاً، والمحرم نفسه موضع الدم، فتتفق بذلك معاني الآثار ولا تضاد"( ).
علما أنه" لا ينبغي له أن يعتزل فراشها، لأن ذلك تشبه باليهود، وقد نهينا عن التشبه بهم ، وروي أن ابن عباس رضي الله عنهما فعل ذلك، فبلغ ميمونة رضي الله عنها، فأنكرت عليه، وقالت: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  «كان يضاجعنا في فراش واحد في حالة الحيض»"( ).
وبناءً على ما سبق فلا يجوز للزوج أن يجامع زوجته في فترة الحيض وللمرأة الحق بل واجب عليها أن تحاول دفع زوجها عن ذلك.
ثانياً: إتيان الدبر: وقد أجمع العلماء على حرمةإتيان المرأة في دبرها لقوله تعالى:نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(البقرة:223).
أما سبب نزول هذه الآية ففيه أقوال منها:
أن سبب النزول هو قول اليهود: إذا أتى الرجل زوجته من دبرها جاء الولد أحول فعن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه  قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول، فنزلت الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ( )وزاد "الزهري إن شاء مجبية، وإن ذلك في صمام واحد"( ).
  والمجبّية: أي المكبوبة على وجهها. والصمام: الثقب، والمراد به القبل( )،ذلك أن" الصمام بكسر الصاد المهملة وتخفيف الميم، وهو في الأصل سداد القارورة ثم سمي به المنفذ كفرج المرأة"( ).
 هذا وقد "أخرج هذا المعنى جماعة من المحدثين عن جابر وغيره  واجتمع فيه ستة وثلاثون طريقاً في بعضها أنه لا يحل إلا في القبل، وفي أكثرها الردّ على اليهود"( ).
و(أنى) تأتي للزمان والمكان والهيئة أو الكيفية ففي الآية إباحة لإتيان الزوج زوجته في أي زمان إلا زمن الحيض وفي أي مكان وعلى أية هيئه بشرط اتقاء الدبر ولهذا ورد في السنة عن بن عباس قال جاء عمر إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقال ثم يا رسول الله هلكت قال وما أهلكك قال حولت رحلي الليلة قال فلم يرد عليه رسول الله  صلى الله عليه وسلم  شيئا قال فأوحي إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   أقبل وأدبر  وأتق الدبر"( ).
ومما يدل على الحرمة ويؤيدها مايلي:
1- ماجاء في السنه من النهي عن إتيان المرأة في دبرها:-
عن ابن عباسعن النبـي صلى الله عليه وآله وسلم  قال:"لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأة في دبرها"( ).
عن ابن مسعود عن النبـي صلى الله عليه وآله وسلم  قال:"محاش النساء حرام عليكم"( ).
عن أبي هريرة عن النبـي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد"( ).
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  : "مَلْعُونٌ مَنْ أتى امرأةً في دبْرِها" ( ).
عن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"هي اللوطية الصغرى"يعني اتيان النساء في أدبارهن( ).
2-أن الأصل تحريم المباشرة إلا ما أحله الله،ولم يحل تعالى إلا القبل كما دل له قوله: فٱتوا حرثكم أنى شئتم وقوله: فأتوهن من حيث أمركم الله ولا يقاس عليه غيره،لعدم المشابهة في كونه محلاً للزرع( ).
3-  إن الله عز وجل أباح موضع الحرث،والمطلوب من الحرث نبات الزرع، فكذلك النساء الغرض من إتيانهن هو طلب النسل لا قضاء الشهوة وهو لا يكون إلا في القبل فيحرم ما عدا موضع الحرث( ).
4- وأما حل الاستمتاع فيما عدا الفرج فمأخوذ من دليل آخر، وهو جواز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج( ).
5- أن قضاء الشهوة من المقاصد الأساسية للإنسان من النكاح، بيد أن حفظ النسل من المقاصد الشرعية الضرورية الكلية، وقضاء الشهوة هو من الوجهة المقاصدية مسألة تحسينية أو حاجية أومكملة لمقصد حفظ النسل، وبهذا يتضح هنا الفرق بين مقاصد الشارع ومقاصد المكلف ، وهنا قاعدة مقاصدية هامة تفيدنا في هذا الموضوع،وهي أنه إذا تعارض المقصدان قدم قصد الشارع،وهنا تعارض قصد الرجل في إتيان الدبر لقضاء شهوته المريضة مع قصد الشرع الذي طلب النسل-والإتيان من  الدبر يعارض هذا المقصد-والحفاظ عليه وجعل قضاء الشهوة والحلال وسيلة لذلك فيقدم قصد الشرع ،لأن الشارع هو الحاكم أولاً ولأن الشريعة جاءت لتخرج الإنسان من داعية هواه كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات( ).
6-  أن للمرأة حقاً في قضاء شهوتها، لا يجوز للرجل بحال من الأحوال إغفاله،وفي إتيان المرأة من دبرها قضاء على هذه الشهوة، واعتداء على حق الزوجة، وإفساد للعشرة الزوجية.
7- قد حرم الله الوطء في الفرج لأجل الأذى، فما الظن بالحش الذي هو موضوع الأذى اللازم في زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل الذي هو العلة الغائية في مشروعية النكاح، والذريعة القريبة جداً الحاملة على الانتقال من ذلك إلى إدبار المرد، وكفى منادياً على خساسته أنه لا يرضى أحد أن ينسب إليه ولا إلى إمامه تجويز ذلك ( ).
"من المعلوم أن المرأة بجميع أجزائها ليست محلاً للحراثة، بل محل الحراثة هو الموضع المعين منها، فلما حمل مواضع الحراثة على ذوات النساء احتجنا إلى تقدير مضاف آخر في المبتدأ،والتقدير: أبضاع نسائكم حرث لكم، ولا شك أن موضع حراثة الولد ليس أماكن متعددة بل هو موضع معين منها،فلم يكن حمل قوله (أنى شئتم) على التخيير في الأمكنة، فيكون محمولاً على التخيير في الكيفيات"( ) .
وبهذا "يتضح أن إتيان النساء في أدبارهن عمل شنيع، وجرم فظيع، لا يقره شرع، ولا يرضى به عاقل،ومفاسده لا تعد، ولا تحصى، بل ربما كان أخطر على الفرد والأسر والجماعات من أي جناية أخرى غيرها من أنواع المحرمات، فليتق الله هؤلاء السفلة الذين يأتون نساءهم في أدبارهن، ويعملون عمل قوم لوط، ويظنون أنه جائز في الإسلام"( ).
هذا الأمران هما فقط المحضوران وما عداهما من الاستمتاعات جائزة بشرط ألا يكون فيه ضرر على الزوجين أو أحدهما .
خطأ فادح:-
من الأخطاء الفادحة التي يقع فيها البعض أن يترك زوجته شهوراً وربما سنيناً تحت مسمى الدعوة والخروج، وهذا لايجوز -بلا شك- إلا بشرطين:-
1-  ألا تزيد فترة الخروج هذه على أربعة أشهر، إذ هو زمن اعتبره الشرع أكبر زمن في الإيلاء، (للذين يؤلون من نسائهم) .
وهو الزمن الذي حدده الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للمجاهدين بعد استشارته لابنته عن أكثر زمن تصبر فيه الزوجة عن زوجها .
فإذا أراد الزوج الزيادة فلا بد من رضا الزوجة، ذلك لأن الخروج في غالبه مندوب إليه، ورعاية الزوجة والقيام بحقوقها واجب، ولا شك أن الواجب مقدم على المندوب .
وينبغي ألا يحرج الزوج زوجته، ويدفعها للتنازل عن هذا الحق، وهو يعلم أنها لم ترض إلا حياءاً، وإذا كان لا يجوز أخذ مال امرئ إلا بطيبة من نفسه، فكيف بما إهماله أقسى من أخذ شيء يسير من المال.
2-  ألا يترتب على غيابه مفسدة أكبر، فالذي لوحظ في بعض الحالات أن الزوج يخرج ليدعو الناس، وهو لم يدع زوجته وأولاده، ولم يربهم على المنهج الديني، ولهذا ما إن يخرج الرجل حتى تفسد الأمور أكثر من ذي قبل.
ومثل هذا أيضاً من يترك زوجته سنين عددا بحجة العمل أو الدراسة في الخارج.

ثانياً: التزين :-
لا شك أن للجمال أثر في النفوس، والشيء الجميل تعشقه الأعين، والزوجة التي تتزين لزوجها وتتعطر له -فيراها وردة متفتحة، فينشرح صدره ويرتاح فؤاده- تكون قد أدت واجباً عليها تجاه زوجها، وكذلك الزوج يجب عليه أن يتزين لزوجته وأن يجعلها تراه كما يحب أن يراها، كما قال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله تعالى يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) ( ).
وروي عن أبي يوسف أنه قال:"كما يعجبني أن تتزين لي زوجتي يعجبها أن أتزين لها"( ).
ودليل الوجوب هنا هو الآية السابقة والنظرة المقاصدية، فالحفاظ على الأسرة وطلب الشرع للنسل والمحافظة عليه يجعل ما يوصل إليه واجباً، وما ينقضه حراماً، والنظرة المقاصدية قاعدة عظيمة دلت عليها أدلة الشرع بالاستقراء كما قال الشاطبي في موافقاته، فهي في حقيقتها أقوى من القواعد الفقهية الجزئية .
ومما يفيد هنا أن الفقهاء فرقوا يبن أنواع الزينة باعتبار ذاتها، وزمانها، ومكانها. وهذا يرينا مقدار اهتمام الدين الإسلامي وعلمائه بالأسرة، ليس فقط في عمومياتها بل في جزئياتها الدقيقة وكماليتها، يقول القرطبي:" قال العلماء: أما زينة الرجال  فعلى تفاوت أحوالهم، فإنهم يعملون ذلك على اللبق والوفاق، فربما كانت زينة تليق في وقت ولا تليق في وقت، وزينة تليق بالشباب، وزينة تليق بالشيوخ ولا تليق بالشباب ... ففي هذا كله ابتناء الحقوق، فإنما يعمل على اللبق والوفاق، ليكون عند امرأته في زينة تسرها ويعفها عن غيره من الرجال، وكذلك الكحل من الرجال منهم من يليق به، ومنهم من لا يليق بهم ...الخ"( )
ضوابط زينة المرأة:-
وللزوجة أن تتزين بما شاءت من أنواع الزينة من لباس وحلي وأدوات تجميل مع مراعاة التالي:-
1- عدم وجود ضرر في الزينة المستخدمة.
2- ألا يكون فيها تغيير لخلق الله، كأن تعمل عملية جراحية لتغيير شكل الأنف أو الفم مثلاً تقليداً لأخريات، أو لما يسمى بـ(الموضة) إذ قد ورد الوعيد الشديد في ذلك، أما إذا كان لمعالجة تشوه خَلقي فلا مانع منه.
3- ألا تتجمل بما لا يجوز كالوشم.
4- ألا تكون زينة محرمة كما لو وصلت شعرها بشعر امرأة أخرى، أو بشعر نجس.

ومن الزينة الجائزة للزوجة:-
1- استخدام المستحضرات التجميلية لتنقية الوجه وتصفيته، وأما حديث:"لعن الله القاشرة والمقشورة"( )  والذي فسر العلماء القاشرة بأنها التي "تعالج وجهها أو وجه غيرها بالحمرة ليصفو لونها، والمقشورة: التي يفعل بها ذلك، كأنها تقشر أعلى الجلد، قال الزمخشري القشر أن يعالج وجهها بالحمرة حتى ينسحق أعلى الجلد ويصفو اللون"( ) وبناء على هذا الحديث ذهب البعض إلى حرمة استخدام المستحضرات التجميلية لكن هذا الحديث ضعيف ، "قال الهيثمي فيه من لم أعرفه من النساء  "( ) وعليه فالحكم باق على الجواز.
2- صبغ الشعر بأي لون كان السواد أو غيره.
3- نتف الشعر من الجسم مطلقاً سواء الحاجب أم الوجه أم غيرهما .
4- استخدام الباروكة والبوستيج إذا كانتا من غير شعر الآدمي، أو شعر نجس.

ثالثاً: ثبوت النسب:-
والمقصود هنا أن ما يثمره الزواج من أطفال ينسبون إلى أبيهم باعتبار أنهم من صلبه من زوجته، فثبوت النسب حق للزوجين والأطفال جميعاً.

رابعاً: حسن المعاشرة:-
وهذا من الحقوق المشتركة بين الزوجين، فـ"يجب على المسلم أن يصبر على زوجته إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفاتها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى فوق نقصها كإنسان، ويعرف لها حسناتها بجانب أخطائها، ومزايها إلى جوار عيوبها" قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف).
"وكما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما يكره من زوجته، أمرت الزوجة هي الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها بما عندها من قدرة وسحر"( ).

خامساً: التوارث:-
بمعنى أن يرث كل واحد صاحبه إذا مات وهذا حق مشترك بينهما.



المبحث الثاني: حقوق الزوجة على زوجها

تنقسم حقوق الزوجة على زوجها على قسمين: حقوق مادية، وحقوق معنوية وسأجملها في النقاط التالية:-
1- المهر: فيجب على الزوج في عقد النكاح أن يدفع قدراً من المال للزوجة يسمى: المهر، والصداق، والأجر، وتكييفه أنه هبة وليس إجارة، وسمي أجراً تجوزاً ودليل مشروعيته قوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة)(النساء24).
والمهر واجب في كل عقد نكاح على الزوج لزوجته بمجرد العقد الصحيح، فلا يملك الزوجان نفيه، إذ إن في المهر حقاً لله تعالى، فليس متمحضاً لحق المرأة، وهنا أجمل بعض الأحكام التي تهمنا في هذه النقطة:-
أولاً: يجوز تعجيل المهر جملة، وتأخيره جملة، كما يجوز تأجيل بعضه، وتعجيل بعضه( ) .
ثانياً: يجب المهر بنفس عقد الزواج، ولكن لا يجب كله إلا في ثلاث مواضع:-
أ‌- الدخول بالزوجة وقد نقل الاتفاق على ذلك غير واحد من العلماء( ) لقوله تعالىوإن أردتم استبدال...غليظا) ولا بد من دخول حقيقي لا مجرد اللمس والنظر على خلاف فيه( ) لقوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن والمسيس هنا كناية عن الوطء بإجماع( ).
ب‌- إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول، وهو أمر متفق عليه "لأنه لايبطل النكاح بدليل التوارث، وإنما هو نهاية له"( ).
ت‌- يرى أبو حنيفة ومن وافقه من الحنابلة وغيرهم أنه إذا اختلى الرجل بزوجته خلوة صحيحة استحقت الصداق كاملاً، واستدلوا بالآية السابقة قال في البدائع:"نهى سبحانه وتعالى الزوج عن أخذ شيء مما ساق إليها من المهر عند الطلاق، وأبان عن معنى النهي لوجود الخلوة، كذا قال الفراء: إن الإفضاء هو الخلوة دخل بها أو لم يدخل، ومأخذ اللفظ دليل على أن المراد منه الخلوة الصحيحة، لأن الإفضاء مأخوذ من الفضاء من الأرض...فكان المراد منه الخلوة على هذا الوجه، وهي التي لا حائل فيها ولا مانع من الاستمتاع عملاً بمقتضى اللفظ"( ).
وبما روي عن رسول الله  أنه قال:"من كشف خمار امرأته، ونظر إليها وجب الصداق، دخل بها أو لم يدخل"( ).
وبما روي عن زرارة بن أبي أوفى أنه قال:" قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أرخى الستور وأغلق الباب فلها الصداق كاملاً، وعليها العدة، دخل بها أو لم يدخل بها"( )، وحكى الطحاوي في هذه المسألة إجماع الصحابة من الخلفاء الراشدين وغيرهم".( )
في حين رأى الإمامان مالك والشافعي في الجديد أن الخلوة لا تقوم مقام الدخول، واستدلوا بالآية السابقة أيضاً، وقالوا: إن الإفضاء هنا هو الجماع، واستدلوا بقوله تعالى وإن طلقتموهن...فرضتم) قالوا: والمراد بالمس الجماع"( ) .
قال ابن رشد: "نص تبارك وتعالى في المدخول بها المنكوحة أنه ليس يجوز أن يؤخذ من صداقها شيء في قوله تعالى: وكيف تأخذونه وقد   أفضى  بعضكم إلى بعض ونص في المطلقة قبل المسيس أن لها نصف الصداق فقال تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم وهذا نص كما ترى في حكم كل واحدة من هاتين الحالتين أعني قبل المسيس وبعد المسيس ولا وسط بينهما، فوجب بهذا إيجاباً ظاهراً أن الصداق لا يجب إلا بالمسيس، والمسيس ههنا الظاهر من أمره أنه الجماع"( ).
وقد رد أصحاب هذا القول على ما ساقه أصحاب القول الأول من آثار وفحصوا أسانيدها فوجدوها مما لا يحتج بها( )وبهذا يتبين رجحان عدم اعتبار الخلوة مؤكداً لاستحقاق جميع المهر.
ثالثاً: إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول، وقد كان سمى لها مهراً، فإن للمرأة هنا نصف المهر، وكذا بإيلاء الزوج   "وردته، ولعانه، وإرضاع أمه لها، أو إرضاع أمها له وهو صغير يشطره -أي بنصف المهر- أما في الطلاق فلآية (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) وأما الباقي فبالقياس عليه"( )
وضابط ما يسقط المهر وما يشطره أن الفرقة قبل الوطء إذا كانت منها كفسخها بعيبه، أو ردتها أو رضاعها زوجة صغيرة له، أو بسببها كفسخه بعيبها يسقط المهر في الحالين .
وأما إذا لم يكن منها ولا بسببها كما سبق تمثيله ففي الحالة هذه فإنه يشطره( ) .
رابعاً: إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول، ولم يفرض لها صداقاً وجب عليه المتعة لقوله تعالى(ومتعوهن...المحسنين)والمتعة هي: "مال يجب على الزوج دفعه لامرأته المفارقة  في الحياة بطلاق وما في معناه بشروط"( ) .
وقد شرعت المتعة تعويضاً للمرأة "عما فاتها، وهذا نوع من التسريح الجميل، والتسريح بإحسان"( ).
وتجب المتعة في مواضع غير الطلاق، ففي مغني المحتاج مع المنهاج أنها تجب "في فرقة لا بسببها، بأن كانت من الزوج كردته ولعانه وإسلامه، أو من أجنبي كإرضاع أم الزوج، أو بنت زوجته، ووطء أبيه، أو ابنه لها بشبهة...أما إذا   كانت الفرقة منها، أو بسببها كردتها، وإسلامها ولو تبعاً، أو فسخه بعيبها، فلا متعة لها سواءً كانت قبل الدخول أم بعده؛ لأن المهر يسقط بذلك، ووجوبه آكد من وجوب المتعة"( ) وبمثل هذا قال الأحناف.
وإذا تزوج ولم يسم مهراً في عقد النكاح ثم فرض لها مهراً بعد ذلك، ثم طلقها قبل الدخول فهل تجب المتعة ولا شيء لها من المهر؟ أم لها نصفه ولا متعة لها؟ قولان، ذهب الشافعي والحنابلة إلى أنم لها نصف المهر.
واستدلوا بقوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم)  ولأنه مفروض يستقر بالدخول فتنصف بالطلاق قبله كالمسمى في العقد( ) .
ووجه الاستدلال بالآية: أن الله أوجب "نصف المفروض في الطلاق قبل الدخول مطلقاً من غير فصل بين ما إذا كان الفرض في العقد أو بعده، ولأن الفرض بعد العقد كالفرض في العقد، ثم المفروض في العقد يتنصف، فكذا  المفروض بعده"( ) .
وذهب أبو حنيفة ورواية عن الإمام أحمد إلى أن لها المتعة فقط، ويسقط المهر المفروض بعد النكاح .
واحتجوا بقوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تسموهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) قالوا: "أي ولم تفرضوا لهن فريضة، وهو منصرف إلى الفرض في العقد، لأن الخطاب ينصرف إلى المتعارف، والمتعارف هو الفرض في العقد لا متأخراً عنه، وبه تبين أن الفرض المذكور في قوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تسموهن وقد فرضتم لهن فريضة) منصرف إلى المفروض في العقد لأنه هو المتعارف"( ) .
وعلله ابن قدامة بأنه "نكاح عري عن تسميته فوجب به المتعة، كما لو لم يفرض"( ) .
ولم يرد في القرآن أو السنة تحديد لقدر المتعة، ولهذا اختلف الفقهاء في ضبطها فذهب الشافعية في المعتمد عندهم أن المعتبر حال الزوجين معاً، يسار الزوج وإعساره، ونسب الزوجة وصفاتها( ) .
وعندهم وجه ثان: أن المعتبر حال الزوج( ) وهو المنصوص عن أحمد( ) .
ووجه ثالث: أن المعتبر حالها( ) لأن المهر معتبر بها، فكذلك المتعة القائمة مقامه( )
ووجه رابع ضعيف: أنه أقل مال( ) فكما يجوز جعله صداقاً يجوز جعله متعة( ).
هذا وقد حاول بعض الفقهاء تحديد المتعة، فقال بعضهم: أعلاها خادم، وأدناها كسوة يجوز أن تصلي فيها إلا أن يشاء هو أن يزيدها، أو تشاء هي أن تنقصه( ) .
 وقال بعضهم: المتعة ثلاثة أثواب درع وخمار وملحفة( ).
وذهب الشافعي إلى أنه يرجع في تقديرها إلى الحاكم( )، وقيل غير ذلك.
وأجاز الأحناف إعطاء النقود( ) .
والذي يترجح هو أن متعة الطلاق "تكون بتقديم الزوج لمطلقته ما تكتسي به وتستتر به عند الخروج من بيتها، حسب العرف والعادة في كسوة النساء حسب المكان والزمان.
ويتقدر ذلك بحال الزوج بيساره وإعساره، كما هو نص الآية الكريمة.
وأنه يجوز دفع النقود بدلاً عن الكسوة للمرأة في المتعة المستحقة لها على زوجها الذي طلقها إذا كان دفع النقود أنفع وأصلح لها من الثياب .
وهذا الأنفع للمرأة يختلف باختلاف المكان، والزمان، وعرف الناس وعاداتهم فيما يدفعونه للمرأة في المتعة المستحقة لها على مطلقها"( ) .
كما أن للحاكم أن يحددها بتقنين يراعي فيه ما سبق.

والمتعة تجب لكل مطلقة عند الشافعية وآخرون لعموم قوله تعالى(وللمطلقات...المتقين) وخصوص قوله تعالى(فتعالين امتعكن) وقالوا: في هذه الآية تقديم وتأخير، أي فتعالين أسرحكن وأمتعكن، وكلهن مدخولات بهن( ) .
وذهب الحنابلة إلى أن المتعة مستحبة في غير المطلقة قبل الدخول، والتي لم يفرض لها مهر في عقد النكاح( ) وهو مذهب الحنفية إذا كان الطلاق بعد الدخول، أما إذا كان قبل الدخول وقد سمى لها مهراً فالمتعة هنا لا واجبة ولا مستحبة، إذ المتعة عند الأحناف على ثلاثة أوجه:-
1. متعة واجبة، وهي للمطلقة قبل الدخول، ولم يسم لها مهراً.
2. متعة مستحبة، وهي للمطلقة بعد الدخول.
3. متعة لا واجبة ولا مستحبة، وهي للمطلقة قبل الدخول وقد سمى لها مهراً( ).
وقد دلل ابن قدامة في المغني لمذهبه بأن قال "ولنا قوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن)
ثم قال (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) .
فخص الأولى بالمتعة، والثانية بنصف المفروض، مع  تقسيمه النساء  قسمين، وإثباته لكل قسم حكماً، فيدل ذلك على اختصاص كل قسم بحكمه، وهذا يخص ماذكروه"( )أي قوله تعالى(وللمطلقات متاع بالمعروف)
خامساً: الزوج هو المكلف بتجهيز البيت وتأثيثه من ماله لا من مهر زوجته، فهو ليس واجباً على الزوجة، لأن المهر إنما استحقته الزوجة بسبب ما استحل من فرجها، ولهذا فالمهر حق خالص للزوجة، وتجهيز البيت يدخل ضمن واجبات الرجل بل هو جزء من النفقة( ) .
قال ابن حزم : "ولا يجوز أن تجبر المرأة على أن تتجهز إليه بشيء أصلاً لا من  صداقها الذي أصدقها، ولا من غيره من سائر مالها، والصداق كله لها تفعل فيه كله ما شاءت، لا إذن للزوج في ذلك ولا اعتراض، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وغيرهم"( ).
قال ابن قدامة: "إن المرأة إذا اسلمت نفسها إلى الزوج على الوجه الواجب عليها فلها عليه جميع حاجتها من مأكول، ومشروب، وملبوس، ومسكن"( ) .
نعم خالف المالكية هنا وقالوا بلزوم تجهيز البيت على المرأة، فقد جاء في الشرح الكبير للدردير مع المختصر "ولزمها التجهيز على  العادة في جهاز مثلها لمثله بما قبضته من مهرها، إن سبق القبض البناء، كان حالاً أو مؤجلاً وحل، فإن تأخر القبض عن البناء لم يلزمها التجهيز به، سواء كان حالاً أو حل  إلا لشرط أو عرف"( ) وقالوا: لا يجوز للزوجة أن تنفق من صداقها على نفسها، ولا تقضي منه ديناً عليها، لأنه يلزمها التجهيز بما قبضته واستثنوا المحتاجة بأن تنفق منه وتكتسي الشيء القليل بالمعروف، كذا الدين القليل كالدينار من مهر كثير، وأما إن كان قليلاً فتقضى منه بحسبه( )،
وقد رد ابن حزم على المالكية رداً قاسياً واستدل لقوله وقول الجمهور بقوله تعالى:(وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئاً مريئا) وقال: "فافترض الله عز وجل على الرجال أن يعطوا النساء صدقاتهن نحلة، ولم يبح للرجال منها شيئا إلا بطيب أنفس النساء... ووجدنا الله عز وجل قد أوجب للمرأة حقوقاً في مال زوجها أحب أم كره، وهي: الصداق، والنفقة، والكسوة والإسكان ما دامت في عصمته، والمتعة إن طلقها، ولم يجعل للزوج في مالها حقاً أصلاً، لا ما قلّ، ولا ما كثر"( ).
وقول الجمهور هو الذي يظهر رجحانه، ويبدو أن قول المالكية مبني على العرف وعلى قاعدة المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، وإن حاولوا الاستدلال ببعض النصوص التي لا تؤيد قولهم.
 ومع هذا فللزوجة المساهمة في إعداد بيت الزوجية، عن طيب نفس، ويكون ما اشترته خالصاً لها، وينتفع به الزوج انتفاعاً عرفياً بإذن الزوجة صراحة أو دلالة، وإذا تصرف فيه بغير ذلك فهو ضامن( ).

2- النفـقة:-
النفقة هي توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام، ومسكن، وخدمة، ودواء، وإن كانت غنية( ).
قال ابن قدامة في المغني: "نفقة الزوجة واجبة بالكتاب، والسنة، والإجماع:-
أما الكتاب فقول الله تعالى: ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) ومعنى قدر عليه أي ضيق عليه .
وأما السنة فما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: " اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم،  أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" رواه مسلم .
وجاءت هند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله ! إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي .
فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" متفق عليه .
وفيه دلالة على:-
1. وجوب النفقة لها على زوجها وأن ذلك مقدر بكفايتها .
2. وأن نفقة ولده عليه دونها مقدر بكفايتهم .
3. وأن ذلك بالمعروف .
4. وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها بغير علمه إذا لم يعطها إياه .
وأما الإجماع فاتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن،  ذكره ابن المنذر وغيره"( )، وممن نقل الاتفاق ابن رشد( )  .
والنفقة تشمل عدة أنواع قال الخطيب الشربيني: "والحقوق الواجبة  بالزوجية سبعة: الطعام، والإدام، والكسوة، وآلة التنظيف، ومتاع البيت، والسكنى، وخادم إن كانت ممن تخدم"( ).
وسبب وجوب النفقة هو حبس نفسها "في البيت من أجله وتمكنه من نفسها، وتشتغل في مصالحه وترعى بيته وأولاده نيابة عنه، فكما قامت هي بهذا الواجب له كان لزاماً أن يقوم هو بواجب آخر لها يناسب فطرته وتكوينه، وهو إيجاد النفقة حتى تتفرغ هي للوظيفة التي أسندت إليها بحكم عقد الزواج، وتقوم بها أحسن قيام"( ) .
قال ابن قدامة: " وفيه ضرب من العبرة وهو أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب فلا بد من أن ينفق عليها"( ).
ومما يزيد هذا وضوحاً "إن الحياة الزوجية لابد أن تنهض على أحد أسس ثلاثة:-
الأول: أن يتولى الزوج الإشراف على بيت الزوجية، وأن يكون هو المسؤول عن النفقة على الزوجة والأولاد.
الثاني: أن تتولى الزوجة ذلك كله بدلاً من الزوج.
الثالث: أن يتعاون الزوجان في النهوض بالمسؤوليات المادية وتقديم النفقة.
فلو استبعدنا الأساس الأول -والذي هو حكم الشريعة الإسلامية- فستتحول المرأة إلى طالبة للزوج بدلاً من كونها مطلوبة، وستتجه إلى سبل الكدح والعمل من أجل الرزق ثم تصبح عرضة للسوء والانحراف، وواقعنا أكبر دليل على ذلك، وسيصبح البيت عندئذ مقفراً قلقاً، وبدلاً من أن يكون البيت عنصراً للسعادة عامراً بالرعاية والأنس، وبدلاً من أن تضل المرأة عزيزة يصبح البيت والزواج شقاءً لا يطاق"( ).

شروط وجوب نفقة الزوجة على زوجها:-
تجب النفقة على الزوج للزوجة بالشروط التالية:-
الشرط الأول: صحة النكاح، ذلك أن سبب وجوب النفقة هو حق الحبس الثابت للزوج على زوجته بسبب عقد النكاح الصحيح، فإذا كان النكاح فاسداً لم يثبت به حق الحبس للزوج عليها، كما أن التفريق واجب بين الطرفين في النكاح الفاسد، لأنه ليس بنكاح حقيقة( ).
الشرط الثاني: تمكين الزوجة نفسها من الزوج تمكيناً تاماً، ويستثني من ذلك صورتان:-
 إحداهما: ما لو منعت نفسها لتسليم المهر المعين أو الحال فإن لها النفقة من حينئذ، أما المؤجل فليس لها حبس نفسها له وإن حل .
الصورة الثانية: ما لو أراد الزوج سفراً طويلاً فلامرأته المطالبة بنفقة مدة ذهابه ورجوعه، كما لا يخرج للحج حتى يترك لها هذا المقدار، أي إذا لم يستنب من يدفع لها ذلك، ويفهم من القول أن النفقة يشترط لوجوبها التمكين أن العقد لا تجب به النفقة، وهو جديد قول الشافعي والقديم: أنها تجب بالعقد وتستقر بالتمكين، فلو امتنعت منه سقطت النفقة .
واستدل لكونه للتمكين لا للعقد أن العقد وجب به المهر وهو لا يوجب عوضين مختلفين( ) ولا يسقط النفقة عذر يمنع  الجماع عادة كمرض، ورتق، وقرن وحيض، ونفاس، وجنون، وإن قارنت تسليم الزوجة، لأنها أعذار بعضها يطرأ ويزول وبعضها دائم، وهي معذورة فيها وقد حصل التسليم الممكن، ويمكن التمتع بها من بعض الوجوه( ).
هذا وقد ذكر الفقهاء حالات يصح للزوجة الامتناع فيها من التسليم وهي كالتالي:-
1- عدم إعطائها مهرها المعجل( ) .
2- لها الامتناع عن النقلة إلى دار مغصوبة لتسلم نفسها لأن امتناعها مشروع( ).
3- منعت زوجها من دخول دارها وطالبته  بإيجاد دار لتنقل إليه وتسلم نفسها إليه فيها( ).
4- عدم تهيئة البيت الشرعي، كأن يسكنها في بيت ضرتها، أو في بيت فيه بعض أهله، أو في بيت لا تتوافر ما يجب لها فيه( ).
5- السفر بها وهو غير مأمون عليها، كأن أراد بذلك إيذاءها، أو الإضرار بها.
الشرط الثالث: عدم نشوزها: أي عدم عصيانها زوجها وخروجها عن طاعته( ) فيما له عليها مما أوجبه له عقد النكاح، كما لو امتنعت من فراشه .
أو خرجت من منزله بغير إذنه .
أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها .
أو امتنعت من السفر معه"( ).
ويستثنى من هذا حالات منها:-
1- إشراف البيت على الإنهدام .
2- أكرهت على الخروج من بيته ظلماً .
3- خرجت المحلة وبقي البيت منفردا وخافت على نفسها .
4- لو كان المنزل لغير الزوج فأخرجها منه صاحبه .
5- ما لو خرجت إلى القاضي لطلب حقها منه .
6- إذا أعسر بالنفقة سواء أرضيت بإعساره أم لا .
7- ما لو خرجت إلى الحمام ونحوه من حوائجها التي يقتضي العرف خروج مثلها له لتعود عن  قرب للعرف في رضا مثله بذلك .
8- ما لو خرجت لاستفتاء لم يغنها الزوج عن خروجها له .
9- لو خرجت لبيت أبيها لزيارة أو عيادة.
فالعذر يبيح للمرأة الخروج من بيتها( ).
وأما إذا كانت المرأة موظفة أو ذات حرفة فإن منعها الزوج وأمرها بالقرار في البيت فلم تمتنع وخرجت فإن خروجها يعتبر نشوزاً، قال صاحب الدر المختار: "ولو سلمت نفسها  بالليل دون النهار أو عكسه فلا نفقة لنقص التسليم ... وبه عرف جواب واقعة في زماننا أنه لو تزوج من   المحترفات  التي تكون بالنهار في مصالحها وبالليل عنده فلا نفقة لها"( ).
ومما ينبه عليه أن النفقة تصير ديناً في ذمة الزوج إذا امتنع من أدائها بعد أن وجبت عليه من غير قضاء القاضي ولا رضا الزوج، ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء من الزوجة كما هو الحال في سائر الديون( ).
مقدار النفقة:-
اختلف الفقهاء في تقدير النفقة على قولين فذهب الشافعية إلى تقديرها، وذهبوا في تقديرهم هذا إلى التفريق بين الموسر والفقير والمتوسط .
فجعلوا على الموسر كل يوم مدي طعام وعلى الفقير مد وعلى المتوسط مد ونصف، وضبطوا الفقير بأنه مسكين الزكاة، وأن الواجب غالب قوت البلد، وعلى الزوج الطحن والخبز( ) وموءن الطبخ( ) وقالوا بجواز الاعتياض عن النفقة ولوكانت مستقبلة على وجه، والأصح مذهباً خلافه( ) وقالوا: لو أكلت معه على العادة سقطت نفقتها( ) .
ويدخل في الطعام ماء الشرب، وآلة الأكل، والشرب( ).
كما يجب أدم غالب البلد ويختلف بالفصول، وعند تنازع الزوجين فيه يقدره القاضي باجتهاده( ) .
وذهب غيرهم إلى أن النفقة مقدرة بالكفاية، ويختلف باختلاف من تجب لها النفقة( ) ولكل دليله والمذهبان متقاربان.
ومما تشمله النفقة المسكن، فعلى الزوج أن يهيئ مسكناً لائقا بها عادة( ) كما أن لها الحق في انفرادها بمسكن( ) ويجب عليه تأثيثه وتجهيزه( ) .
وأوجب بعض الفقهاء الزينة التي تتضرر المرأة بتركها مثل: الكحل، والدهن، والحناء( ) .
وبعض الفقهاء لم يوجب أجرة الطبيب على الزوج في حالة مرض المرأة( )  في حين أنه أحياناً أهم من أشياء أوجبوها، أضف إلى أن العرف الجاري الآن يلزم الزوج بذلك.
وللمرأة أن تأخذ من مال زوجها إذا قتر عليها ما يكفيها ويكفي ولدها، لما ثبت في البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن امرأة أبي سفيان شكت لرسول الله  تقتير زوجها فقال لها  : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.
ومما يدخل في النفقة الكسوة فتجب كسوتها على قدر الكفاية، وتختلف باختلاف البلاد في الحر والبرد .
قال الفقهاء: ويلزمه كسوتان واحدة للصيف وأخرى للشتاء( ).
وقالوا: لا يجب على الزوج شراء كسوة الخروج للمرأة لتتزين بها في الأفراح والزيارات( ).
ومما يدخل في النفقة آلات التنظيف، وما تزيل به الأوساخ كالمشط والدهن والصابون والمرجع في ذلك كله العادة( ).
عجز الزوج عن النفقة:-
في حالة عجز  الزوج عن النفقة فإن للمرأة الحق في طلب الفسخ لقوله تعالى: (فإمساك...بإحسان) وإذا كان لها طلب الفسخ بسبب العنة والجب فبالعجز عن النفقة أولى، إذ إن الأكل والشرب قوام الحياة ولا تستمر بدونه بخلاف فوات التمتع، هذا مذهب الشافعي ومالك .
وذهب أبو حنيفة والشافعي في قول أن عجز الزوج عن النفقة ليس سبباً للفسخ ولو طلبته الزوجة( ) .
والذي يظهر رجحانه هو القول الأول لقوة تعليله.

ج- المعاشرة بالمعروف:-
يقول عز وجل: (وعاشروهن بالمعروف) وهذا الأمر الرباني شامل لكل معاني وأشكال المعروف الذي يدخل السرور إلى قلب الزوجة وقد ذكر المفسرون في تفسير هذا الأمر جملة من هذه المعاني أجملها فيما يلي:-
1. طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحبون ذلك منهن فافعلوا أنتم بهن مثله( ).
2. النصفة في المبيت، والنفقة، والإجمال في القول( ).
3. أن يوفيها حقها من المهر والنفقة والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ والإعراض عنها والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك( ).
والغرض أن يكون كل منهما مدعاة سرور الأخر، وسبب هنائه في معيشته، وجعل الشيخ محمد بن عبده المدار في المعروف على ما تعرفه المرأة ولا تستنكره، وما يليق به وبها بحسب طبقتهما في الناس( ) .
والمعاشرة بالمعروف واجبة بنص الآية، إذ الأمر يقتضي الوجوب، وقد دلت السنة على ذلك أيضاً، ففي مسلم أن النبي  قال: "استوصوا بالنساء خيراً"( ) .
وحث الإسلام على ذلك ورغب فيه ففي الترمذي :"أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم"( ) وفي ابن ماجة من حديث ابن عباس عن النبي  "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"( ).
ومن الركائز المهمة للمعاشرة بالمعروف عدم الإضرار بالزوجة، إذ لاضرر ولا ضرار قال تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا)أي " ولا تراجعوهن إرادة مضارتهن وإيذائهن للاعتداء عليهن بتعمد ذلك"( ).
"والضرر المحضور إلحاقه بالزوجة يشمل الضرر المادي والضرر المعنوي، فقد جاء في الحديث النبوي الذي أخرجه أبو داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله ! ما حق زوجة أحدنا عليه؟
قال: أن تطعمها إذ طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت" قال أبو داود: "ولا تقبح أن تقول قبحك الله"( )( ).
"ومن الضرر المعنوي العبوس والقطوب في وجهها، ورفع الصوت عليها، والنظر إليها شزراً، وتجاهل سؤالها، وعدم الإصغاء إلى كلامها، وعدم الاكتراث والاهتمام بها، وعدم تلبية طلباتها المشروعة، وغير ذلك من التصرفات التي فيها أذى وضرر بها بالقول أو بالإشارة أو بالنظر أو بالسخرية، أو بعد التكلم معها ونحو ذلك"( ).
ومن صور الإضرار –أيضاً- مظاهرة الزوج زوجته ولعنها والاستهزاء بها أو بأهلها، ومنه تكليفها من الأعمال ما هو فوق طاقتها، وضربها الضرب المبرح، والضرب مطلقاً بما لايستوجب ذلك، وعلى كل فصور الإيذاء كثيرة.
د- الوطء (الجماع):-
وفي هذا الموضوع يقول ابن قدامة: "والوطء واجب على الرجل إذا لم يكن عذر"( ) واستدل الجصاص على الوجوب بقوله تعالى: (فتذروها كالمعلقة)  قال: "يعني لا فارغة فتتزوج، ولا ذات زوج إذ لم يوفها حقها من الوطء"( ) .
واستدل بما في البخاري عن  عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: قال لي رسول الله  صلى الله عليه وسلم: "...إن   لزوجك عليك  حقاً".
جاء في شرح هذا الحديث "أنه لا ينبغي له أن يجهد بنفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب"( ).
هذا وقد اختلف العلماء فيمن  كف عن جماع  زوجته:-
فقال مالك: أن كان بغير ضرورة ألزم به أو يفرق بينهما ونحوه عن أحمد.
والمشهور عند الشافعية أنه لا يجب عليه.
وقيل يجب مرة ( ).
"وقول مالك وأحمد هو الراجح لدلالة الحديث الشريف عليه"( ).
أضف إلى ذلك أن في عدم الوطء إضراراً كبيراً بالزوجة "كما أن هذا الوطء يفضي إلى دفع ضرر الشهوة عن الزوج نفسه فيتأكد الوجوب عليه"( )، وقد سبق بيان حرمة ذلك
وإذا كان الأمر كذلك فمتى يجب على الزوج وطء زوجته؟
حدد بعض الفقهاء ذلك بليلة في كل أربع ليال كما قاله الغزالي( ) .
وذهب ابن حزم إلى أن الفرض أن يجامع زوجته مرة في كل طهر( ) .
ونص أحمد على أنه مقدر بأربعة أشهر،لأن الله قدره في حق المولي بهذه المدة فكذلك في حق غيره.
والصواب أنه غير مقدر بمدة فيجب على الزوج وطء امرأته بقدر كفايتها ما لم ينهك بدنه أو يشغله عن معيشته غير مقدر بأربعة أشهر، فإذا تنازعا فينبغي أن بفرضه الحاكم كالنفقه وكوطئه إذا زاد"( ) لأن المطلوب تحصين الزوجة ضد الفاحشة بوطئها من قبل زوجها بقدر كفايتها، وبقدر ما يحصل به هذا التحصين"( ) ويقول القرطبي: "ثم عليه –أي الزوج- أن يتوخى حاجتها إلى الرجل فيعفها   ويغنيها عن  التطلع إلى غيره، وإن رأى الرجل من نفسه عجزاً عن إقامة حقها في مضجعها أخذ من الأدوية التى تزيد في باهه -مائه- وتقوي شهوته حتى يعفها"( ).
ولهذا إذا تضررت الزوجة بترك زوجها جماعها جاز لها طلب التفريق، ويجيب القاضي طلبها( ).
ومن أوجه عظمة هذا الدين أن بين للمسلم آداباً للجماع والتي أجملها فيما يلي:-
1- تستحب التسمية قبله لقول الله تعالى: ( وقدموا لانفسكم)  فالتقديم هي التسمية عند الجماع، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فولد بينهما ولد لم يمسه الشيطان أبدا" متفق عليه( ) .
2- يكره التجرد عند المجامعة، لما روى عتبة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردا تجردا العيرين" رواه ابن ماجة وقد سبق الكلام عنه.
3- لا يجامع بحيث يراهما أحد أو يسمع حسهما، ولا يقبلها ويباشرها عند الناس، قال أحمد: ما يعجبني إلا أن يكتم هذا كله، وقال الحسن في الذي يجامع المرأة والأخرى تسمع: كانوا يكرهون الوجس، وهو الصوت الخفي( ) .
4- لا يتحدث بما كان بينه وبين أهله، لما روى الحسن قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرجال والنساء، فأقبل على الرجال فقال: لعل أحدكم يحدث بما يصنع بأهله إذا خلا! ثم أقبل على النساء فقال: لعل إحداكن تحدث النساء بما يصنع بها زوجها! قال: فقالت امرأة: إنهم ليفعلون وإنا لنفعل! فقال  : لا تفعلوا، فإنه مثل ذلكم كمثل شيطان لقي شيطانة فجامعها والناس ينظرون"( ) .
"والقصد بالحديث التحذير من ذلك، وبيان أنه من المحرمات الدالة على الدناءة وسفساف الأخلاق"( ).
5-  كره عمرو بن حزم وعطاء استقبال القبلة حال الجماع( ).
6- يكره الإكثار من الكلام حال الجماع، لما روى قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكثروا الكلام عن مجامعة النساء، فإن منه يكون الخرس والفأفاء" ( )ولأنه يكره الكلام حالة البول وحال الجماع في معناه، وهو أولى بذلك منه( ) .
والصواب أنه لا كراهة في هذا لا الذي قبله لعدم وجود دليل صحيح في ذلك، وقياس حالة الجماع على البول قياس مع الفارق، فشتان بين الحالتين.
7- يستحب أن يلاعب امرأته قبل الجماع لتنهض شهوتها فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك؛ لكي لا تسبقها بالفراغ، قلت: وذلك إلي، قال: نعم! إنك تقبلها وتغمزها وتلمزها فإذا رأيت أنه قد جاءها مثل ما جاءك واقعتها" ( ) .
8- إن فرغ قبلها كره له النزع حتى تفرغ، لما روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جامع الرجل أهله فليقصدها ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضى حاجتها"( ) ولأن في ذلك ضرراً عليها ومنعها لها من قضاء شهوتها( ) .
9- يستحب للمرأة أن تتخذ خرقة تناولها الزوج بعد فراغه فيتمسح بها، فإن عائشة قالت: "ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة، فإذا جامعها زوجها ناولته فمسح عنه ثم تمسح عنها، فيصليان في ثوبها ذلك ما لم تصبه جنابة" ( )
10- قال أحمد إذا أراد أن يعود فأعجب إلى الوضوء، فإن لم يفعل فأرجو أن لا يكون به بأس، ولأن الوضوء يزيده نشاطاً ونظافة، فاستحب، فلا بأس أن يجمع نسائه وإمائه بغسل واحد، وإن اغتسل بين كل وطأين فهو أفضل فإن أبا رافع روى "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه جميعا فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلاً فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! لو جعلته غسلاً واحداً، قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر" رواه أحمد في المسند( ) .
11- لا يجامع إحدى زوجتيه بحضور الأخرى أو سماعها لحسهما  ولورضيا بذلك، قال ابن قدامة: "إن رضيتا بأن يجامع واحدة بحيث تراه الأخرى لم يجز؛ لأن فيه دناءه وسخفاً وسقوط مروءة، فلم يبح برضاهما"( ).
ومما له تعلق بهذا الموضوع هو موضوع العزل وهو أن يجامع فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج( ) وقد وردت فيه أحاديث أشهرها حديث جابر قال كنا نعزل على عهد رسول الله  والقرآن ينزل"( ).
وقد اختلف الفقهاء في حكم العزل إلى أقوال، وهي: الجواز( ) والكراهة( ) التحريم( ) والتفريق بين رضاها وعدمه فيجوز في الأول دون الثاني، وهذا ما أراه راجحاً .
قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل، ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة( ) .
ثم إن من كرهه أو حرمه أجازه في حالات:-
1. أن يكون في دار الحرب، فتدعو حاجته  إلى الوطء فيطأ ويعزل( ) .
2. أن تكون الزوجة مريضة لا تتحمل أعباء الحمل والولادة .
3. إذا ضرها الحمل.
4. كثر عياله وكان فقيراً، أو كان كسبه لا يكفيه وعائلته، أو أن حاجته إلى الكسب لكفاية أولاده الكثيرين قد يدخله مداخل السوء أو يحمله ما لا يطيق( ) .

هـ- العدل بين الزوجات:-
المقصود بالعدل بين الزوجات "التسوية في الحقوق الزوجية فيما تكون المساواة فيه"( ) فيساوي بينهن في المعاملة، وحسن المعاشرة، وعدم الميل إلى إحداهن( ) .
وقد حذر النبي  من عدم العدل بين الزوجات، فقد صح في السنة عن أبي هريرة عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: "من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلا"( ) .
وهذا فيما يملكه الإنسان، أما ما لا يملكه كالمحبة فلا يجب على الزوج التسوية فيه بينهن( )  ففي أبي داود والترمذي عن عائشة أن النبي  صلى الله عليه وسلم    كان يقسم بين  نسائه فيعدل ويقول: "اللهم هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"( )  قال الترمذي: أي الحب والمودة .
ومن العدل بين الزوجات العدل في المبيت( )  ولو كانت إحداهن مريضة أو رتقاء أو حائض أو نفساء فكلهن سواء في القسم( )  إذ ليس الوطء هو الغرض الأساسي من القسم والمبيت بل له أغراض أخرى كالموانسة والتواصل بينهما، وتجديد حياتهما، والإحساس بالمشاعر المتبادلة ونحوها،فيقسم مثلا ليلة ليلة، أو ليلتين ليلتين أو ثلاثاً ثلاثاً، فليس شرطاً أن تكون بالأيام بل قد تكون بالشهور كشهر لهذه وشهر لهذا ولا أرى أن تزيد على أربعة اشهر اعتباراً بمدة الإيلاء، ولكن القسم بالليلة أولى "لفعل النبي  ولأن فيه تأخير عنهن"( ) .
والنهار يدخل في القسم تبعاً لليل، هذا إذا كان عمل الزوج نهارياً أما لوكان عمله ليلياً كما لو كان يعمل حارساً ليلياً مثلاً وينام بالنهار فالقسم يكون بالنهار والليل تبع له.
ولا يجب أن يطأ زوجاته كل واحدة في قسمها، بمعنى أن يسوي بينهن في الجماع؛ لأنه قد يصعب عليه، كما أن الزوج لا يكون متهيئاً في كل ليلة للوطء، لكنه لا يجوز أن يخلي بعضهن من الوطء نهائياً ويعتاد على ذلك مع البعض الآخر، بعبارة أخرى أن الوطء جملة يجب على الزوج لزوجاته لكنه لا يجب في كل نوبة لكل زوجة.
والزوجة غير المسلمة –اليهودية والنصرانية- في القسم وغيرها من حقوقها الزوجية كالمسلمة، إذ إن هذه الحقوق تستحقها بصفتها زوجة لا بصفتها مسلمة، فالمنظور إليه في الحقوق الزوجية صفة الزوجية والمعبر عنها في علم الأصول بالعلة ولا ينظر إلى ديانة الزوجة إذ ليس للديانة هنا أي اعتبار.
ويجوز للمرأة أن  تهب حقها من القسم –نوبتها- لزوجها يجعلها فيمن يشاء أو تهبها لبعض ضرائرها أو لهن جميعاً، ولا يجوز إلا برضا الزوج لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه، فإذا رضيت هي و ورضي الزوج جاز، لأن الحق في ذلك لهما لا يخرج عنهما( ) وفي حالة هبتها نوبتها لهن جميعاً يقسم الزوج تلك الليلة على الزوجات جميعاً، فيكون لكل واحدة ليلة من لياليها.
هذاوقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الواهبة في هذه الحالة لا يجوز لها أن نأخذ على هبتها أجراً أو عوضاً لا من الزوج ولا من الضرائر وعللوه بأنه ليس بعين ولا منفعة، فمقام الزوج عنها ليس بمنفعة ملكتها عليه ( ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقياس المذهب عندي جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره، لأنه إذا جاز للزوج أن يأخذ العوض عن حقه منها جاز لها أن تأخذ العوض عن حقها منه، لأن كلا منهما منفعة بدنية"( ).
وإذا تزوج زوجة جديدة فعن أنس  قال: "من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب  أقام عندها سبعاً وقسم، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثاً ثم قسم"( ) .
وهذا حق للزوجة الجديدة حتى تذهب الوحشة وتحصل الألفة( ) .
وأما إذا أراد الزوج السفر مع إحدى زوجاته أقرع وسافر بمن عينتها القرعة، فإذا سافر ثانية أقرع أيضاً واستبعد الأولى من القرعة، وهكذا في الثالثة والرابعة، ثم إذا عاد من سفره ابتدأ القسم بينهن( ).
و- تعليم الزوجة:
من الحقوق المهمة جدا للزوجة على الزوج تعليمها فرائض دينها من غسل ووضوء وصلاة وصوم غيرهما كالكفارات حين الحاجة إلى معرفة أحكامها( )، وهذا الواجب كثيرا ما يغفل الناس عنه فيقصرون حقوق الزوجة على الماديات فقط دون المعنويات والدينيات مع أن هذه الأخيرة أهم.
وهنا تكمن مشكلة أخرى وهي أن بعض الأزواج لا يدرك ولا يعلم هو بنفسه أحكام الدين الواجبة عليه ففي هذه الحالة يجب عليه التعلم ليعلم نفسه أولا ولكي يستطيع تعليم زوجته، كما يجب عليه أن يسأل العلماء ويستفتي لزوجته إذا أشكل عليهما شيء، وإن لم يقم بواجب التعليم والسؤال فلا يجوز له بحال أن يمنع زوجته أن تتعلم فرائض دينها بسؤال العلماء أو حضور دروس العلم وبتطور وسائل التعليم اليوم أصبح التعلم وسؤال أهل الذكر أسهل بكثير من ذي قبل.


المبحث الثالث: حقوق الزوج

في هذا المبحث سأذكر حقوق الزوج على زوجته وهي كما يلي:-
أولاً: معاشرة الزوجة لزوجها بالمعروف قال تعالى: ولهن مثل ..درجة)أي يجب لهن من الحق على الرجال مثل الذي يجب لهم عليهن بالمعروف( ) .
وضبط الزمخشري المعروف بأنه الوجه الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس( ) وذكر الفقهاء أن المعاشرة بالمعروف هي المعاشرة المرضية، وهي التي يرضى بها الشخص لنفسه .
ومن المعاشرة بالمعروف من المرأة مع زوجها الإحسان باللسان، واللطف بالكلام والقول الطيب الذي يطيب به نفس الزوج( ) وكف الأذى( ) وغيرها مما أوجبه الشرع، أو استحبه من كل ما يحبب الزوجة لزوجها، ويحفظ كيان الأسرة ويقويها.
ثانيا: القوامة: وفي هذا يقول تعالى الرجال ...أموالهم) "أي من شأنهم المعروف المعهود القيام على النساء بالحماية، والرعاية، والولاية، والكفاية( ) وتأديبها( ) وتولي أمرها، وإصلاح حالها( ).
وسبب ذلك أمران: فطري وكسبي.
فالسبب الفطري: أن الله تعالى فضل الرجال على النساء في أصل الخلقة، وأعطاهم ما لم يعطهن من الحول والقوة، فكان التفاوت في التكاليف والاحكام أثر التفاوت في الفطرة والاستعداد"( )
والسبب الكسبي: وهو ما أنفق الرجال على النساء من أموالهم( ) كما دلت على هذا الآية الكريمة .
وهذه القوامة في مصلحة المرأة إذ بها تتفرغ للحمل والولادة وتربية الأطفال، وهي آمنة في سربها مكفية ما يهمها من أمر رزقها( ).
وقوامية الرجل على زوجته تقوم على أساس المودة والرحمة فيما بينهما، قال تعالى: وجعل بينكم مودة ورحمة) .
فلا بد أن تكون هذه القوامية مبرأة من التعسف في استعمال الزوج سلطته، ومبرأة من الرغبة في إذلال المرأة وإرادة الإضرار بها( ) .
كما أنه ليس معناها أن يكون المرؤوس مقهوراً مسلوب الإرادة، لا يعمل عملا إلا ما يوجهه إليه رئيسه، فإن كون الشخص قيماً على آخر هو عبارة عن إرشاده والمراقبة عليه في تنفيذ ما يرشده إليه( ) .
وقوامية الرجل مسألة ضرورية، لأن الحياة الزوجية شركة عيش، فكان لا بد من رئيس تكون له الكلمة الأخيرة والنافذة عند الاختلاف( ) .
وعلى هذا فإن استمرار الحياة الزوجية واستقرارها، وتحقيق مقاصد الزواج، وحفظ مصلحة الزوجة كل ذلك يستلزم أن تقر الزوجة عن رضا بأن القوامية في الأسرة هي للزوج بحكم الشرع( ) .

ثالثاً الطاعة: وأساس هذا الحق هو القوامة التي تستلزم الطاعة( ) وفي تفسير قوله تعالى(فالصالحات قانتات) يقول الرازي: "واعلم أن المرأة لا تكون صالحة إلا إذا كانت مطيعة لزوجها( ) .
لكن هذا الحق مقيد بعدم مخالفة شرع الله، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق( ) .
ومن صور الطاعة: الطاعة في الوطء ففي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها  الملائكة حتى تصبح"( ).
وفي الفتح نقلاً عن ابن أبي جمرة: " الظاهر أن بالحق كناية عن الجماع ويقويه قوله  " الولد للفراش"، أي لمن يطأ في الفراش، والكناية عن الأشياء التي يستحيا منها كثيرة في القرآن والسنة .
قال: وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلاً، لقوله حتى تصبح وكأن السر تأكد ذلك الشأن في الليل وقوة الباعث عليه، ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع في النهار، وانما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك"( ) .
وهذا إذا لم يكن هناك عذر مشروع كالحيض وإلا فلا لعن( ) .
بيد أنه يمكن أن يقال: ليس المراد بالفراش الجماع بل مطلق الاستمتاع، وعليه فلا يكون الحيض عذراً لأن له التمتع بما فوق الإزار.
ومن الطاعة طاعة المرأة زوجها في أمور الطهارة كالغسل من الحيض والنفاس وللزوج إجبارها على ذلك إذا امتنعت منه( ) .
وكذا أمور النظافة الأخرى كإزالة الوسخ والدرن من بدنها، وتقليم أظفارها ونحو ذلك، وسبب الإجبار أن تلك الأمور مما تمنعه من كمال الاستمتاع( ).
وكذا إذا أحضر الزوج أدوات الزينة وأمرها باستعمالها وجب عليها ذلك( ) .
كما يحرم على الزوجة صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه، كما ثبت في السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه"( ).
وللزوج أن يمنع زوجته من سائر نوافل العبادات الأخرى كصلاة التطوع وحج التطوع، لأن حقه في الاستمتاع بها واجب عليها على الفور، فلا يجوز مزاحمته بانشغالها بنوافل العبادات، وبالتالي يكون من حقه أن يمنعها منه، وعليها أن تطيعه في هذا المنع( ).

رابعاً: القرار في البيت: والأصل في هذا قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) وهذه الآية شاملة للنساء جميعاً، وتتأكد في حق الزوجة، وهذا لا يعني أنها لا تخرج أبداً بل يجوز لها الخروج لمصلحة مأمورة بها كما لو خرجت للحج والعمرة أو خرجت مع زوجها في سفر( ) أو أذن لها زوجها في الخروج.
 أما إذا لم يأذن فلا يجوز لها الخروج، لأن حق الزوج واجب فلا يجوز تركه بما ليس بواجب( ) .
ومما يبين حدود حق المنع والإذن ما ذكره العلماء من أن الزوج يأذن لزوجته بالخروج من البيت إذا كان هناك مبرر شرعي أو عذر شرعي لخروجها، كما في خروجها لخدمة أبيها المريض المحتاج إلى خدمتها، ولا يحق لزوجها أن يمنعها في هذه الحالة من الخروج، وإذا منعها كان لها أن تعطيه وتخرج لتقوم بواجبها نحو أبيها .
وكذلك تخرج الزوجة من بيت زوجها بإذن الزوج وبدون إذنه إذا منعها وكان هناك حاجة مشروعة تقتضي خروجها، كما في حالة كونها قابلة أو غسالة أو لها أو عليها حق يقتضي خروجها .
وفيما عدا ذلك في حالة عدم وجود مبرر شرعي أو حاجة شرعية يتطلبان خروجها لا تخرج، ولا يأذن لها زوجها بالخروج، كما في حضور الوليمة أو زيارة الأجانب( ) .
ولا يجوز للزوج منعها من الخروج حيث يجب عليها كخروجها للحج مع المحرم( ) .
"وينبغي للزوج أن يأذن لزوجته لحضور مجالس العلم لتتفقه في الدين، على أن يكون خروجها لمجالس العلم لا يتعارض مع واجباتها نحو زوجها ونحو بيتها.
وأن يكون منظماً محققاً غرضه، ولا يترتب عليه محظور شرعي"( ).
ويجوز للزوجة الخروج لقضاء حوائجها للضرورة إذا لم يقم الزوج بحوائجها، ففي كشاف القناع: "ويحرم عليها الخروج بلا إذنه، هذا إذا قام الزوج بحوائجها التي لا بد لها منها، وإن لم يقم بحوائجها فلا بد لها من الخروج للضرورة"( ).
وللزوجة أن تزور والديها في الحين بعد الحين بالقدر المتعارف عليه، بحيث يتحقق فيه صلة الرحم وبر الوالدين، وعلى الزوج أن لا يتعسف في استعمال سلطته على زوجته فيمنعها من زيارة والديها حيث تجب هذه الزيارة قياماً بواجب بر الوالدين أو لحاجتهما كما لو كانا مريضين ولا يخدمهما أحد سواها، فلا يجوز للزوج منعها من ذلك إلا لمبرر شرعي، وإذا منعها دون مسوغ شرعي جاز للزوجة عصيانه( ).
خامساً: لا تأذن الزوجة لأحد دخول البيت إلا بإذن زوجها، يدل عليه ما في البخاري عن أبي هريرة  رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد  إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه"( ) ويدخل في هذا أقارب الزوج غير المحارم للزوجة كأخي الزوج( ) .
وليس للزوج منع أبويها وولدها من غيره وسائر محارمها من زيارتها في بيته إلا لمبرر شرعي كخوفه من إفساد هؤلاء أو  أحدهم زوجته( ).
سادساً: حفظ مال الزوج: ومما يدل عليه ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرأنه قال سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت  زوجها ومسؤولة عن رعيتها"( ) .
فـ "المرأة راعية في بيت زوجها بحسن تدبيرها في المعيشة والنصح له، والشفقة عليه، والأمانة في ماله، وحفظ عياله وأضيافه ونفسها"( ).
سابعاً: خدمة البيت والزوج: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فيجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليس كخدمة القروية، وخدمة القوية ليس كخدمة الضعيفة"( ) .
وهذا ما كان عليه العمل على عهد رسول الله  ففي البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا ناضح غير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربة ... وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله  صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ومعه نفر من الأنصار..." ( ) .
فقد رآها رسول الله  على هذه الحاله فأقرها، ولم يقل لها لا خدمة عليها، وأن هذا ظلم لها، كما أقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم( ) .
كما أنها القسمة العدل فالزوج يكدح ويعمل خارج البيت ليكسب القوت لنفسه وأطفاله، وزوجته تعمل في بيتها لنفسها وأطفالها وزوجها .
ومع هذا فلا مانع من أن يتقاسم الزوجان عمل البيت إذا كانا جميعاً يعملان خارجه لقلة دخل الزوج أوغيره .
ولكن ليس للزوجة العمل إلا بإذن الزوج وموافقته، كما أنه ليس للزوج إجبار زوجته على العمل خارجاً، لأن النفقة عليه لا عليها، وواجبها هو العمل داخل بيتها فقط.

ثامنا: حق التأديب:
لقد نص القرآن على جواز تأديب المرأة الناشز في قوله تعالى :وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً(النساء: من الآية34).
فللزوج حق تأديب زوجته إذا قصرت في أداء الحق عليها، أو إذا قصرت في أداء حقوقه التي أوجبها الشرع عليها وحق الله عليها، هو فعل ما أمرها به وترك ما نهاها عنه( ) .
وقد ذكرت الآية وسائل التأديب الشرعي وهي : -
1- الوعظ. 2- الهجر في المضاجع.
3-  الضرب.
أولاً : الوعظ :-
قال ابن عباس :"فعظوهن يعني:عظوهن بكتاب الله، أمره الله إذا نشزت أن يعظها ويذكرها الله ويعظم حقه عليها"( ).
وقال القرطبي:"فعظوهن أي: بكتاب الله، وذكروهن ما أوجب الله عليهن من حسن الصحبة، وجميل العشرة للزوج، والإعتراف بالدرجة التي له عليها"( ).
ويجب أن يكون الوعظ بالتي هي أحسن، هيناً لينا خالياً من التعنيف والشدة، وأن يشعر زوجته أنه يريد الخير لها، ويقيها الضرر بسبب تقصيرها فيما أوجبه الله عليها( ) .
ثانيا الهجر في المضاجع :-
إن لم ينفع الوعظ تحول الزوج إلى الوسيلة الثانية، وهي الهجر في المضاجع وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وللمفسرين أقوال في المراد بالهجر وهي:-
1. هو أن يضاجعها ويوليها ظهره، ولا يجامعها،روي هذا عن ابن عباس وغيره( ).
2. القبيح من الكلام، أي:غلظوا عليهن في القول، وضاجعوهن للجماع وغيره قال معناه سفيان، وروى عن ابن عباس.
3. شدوهن وثاقاً في بيوتهن من قولهم:هجر البعير،أي ربطه بالهجار،وهو حبل يشد به البعير،وهو اختيار الطبري( )،وقدح في سائر الأقوال ونظر القرطبي في كلامه( )، ورد عليه القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه، وقال: يالها من هفوة من عالم بالقرآن والسنة( ).
4. أن لا يجامعها ويضاجعها على فراشها، ويوليها ظهره، ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها، روي هذا عن السدي .
5. اهجروا حجرهن.
6. ترك الدخول عليهن والإقامة عندهن( ).
والذي يظهر أن المراد الهجر في المضجع نفسه، وهو الفراش أي هجرها في النوم بأن يوليها ظهره،ولا يجامعها،ولا يكلمها إلا بقدر قليل جداً حتى لا يضطر إلى كلامها بعد ثلاثة أيام، لأنه لا يجوز هجر كلامها أكثر من ذلك( )،كما جاء في السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه  فوق ثلاث"( ).
ثالثا الضرب :-
الضرب هو الوسيلة الثالثة إذا لم ينفع مع الزوجة وعظها وهجرها في المضجع قال تعالى:واضربوهن والضرب في هذه الآية هو الضرب غير المبرح وهو الذي يجرح، ولا يكسر عظماً، ولا يشين جارحة، كاللكزة ونحوها،فإن المقصود منه الصلاح( ) وهذا كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع:"واتقوا الله في النساء؛ فإنهن عندكم عوان ولكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن غير مبرح".
قال النووي:"وأما الضرب المبرح فهو:الضرب الشديد الشاق، ومعناه   اضربوهن ضرباً ليس بشديد ولا شاق، والبرح المشقة"( ).
إذن المقصود من الضرب هنا هو الضرب غير المبرح ، ومثل له بعض العلماء بالضرب بالسواك أو القصبة الصغيرة ونحوهما( ).
فعن عطاء قال: "قلت لابن عباس ما المبرح؟ قال بالسواك ونحوه"( ).وروي نحو هذا عن ابن عمر رضي الله عنهما( ).
ونقل الرازي عن بعضهم قوله:"ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف بيده ولا يضربها بالسياط ولا بالعصا "قال الرازي:"وبالجملة فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه"( )، ويظهر بهذا أن المقصود الأول بالعقاب هو العقاب المعنوي لا الحسي،وإلا ما الذي يفعله سواك أومنديل.
لكن إذا خرج الضرب عن حده التأديبي، أو"أدى إلى الهلاك وجب الضمان"( ).
والضرب وإن كان مباحاً إلا أن تركه أفضل،كما قال الشافعي( ).
وجاء في السنة عن أم كلثوم بنت أبي بكر قالت:"ثم كان الرجال نهوا عن ضرب النساء،ثم شكوهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخلى بينهم وبين ضربهن.
ثم قلت: لقد طاف الليلة بآل محمد  صلى الله عليه وسلم  سبعون امرأة كلهن قد ضربت قال القاسم: ثم قيل:لهم بعد ولن يضرب خياركم"( ).
وللحافظ هنا كلام جميل إذ يقول: "وفي قوله أن يضرب خياركم  دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة، ومحل ذلك أن يضربها تأديباً إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل، ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل؛ لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله"( ).
وقال المناوي في فيض القدير:" أما الأخيار فيرون اللائق سلوك سبيل العفو والحلم والصبر عليهن، وملاينتهن بالتي هي أحسن، واستجلاب خواطرهن بالإحسان بقدر الإمكان"( ).

ترتيب الوسائل:-
هذه الوسائل الثلاث مرتبة ترتيباً تصاعدياً فالذي"يدل عليه نص الآية أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى منه إلى الضرب، وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخص وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق"( )
لكن قال الشوكاني:"وظاهر النظم القرآني أنه يجوز للزوج أن يفعل جميع هذه الأمور عند مخافة النشوز"( ).
ويبدو أن الشوكاني فهم هذا من حرف العطف(و) الذي يدل على مطلق الجمع كما هو مذهب جماهير النحاة، ولايدل على الترتيب كما ذهب إليه قلة من النحاة( ) وعزي إلى الشافعي، والذي يظهر-والله أعلم- أن ترتيب هذه الوسائل يلاحظ من قوتها بحيث ترى الثانية أوى من الأولى، والثالثة أقوى من الثانية وحرف العطف(و) هنا لا يضاد هذا كما أنه لا يؤيد ما قاله الشوكاني.

التأديب والبغي:-
مما يعنينا هنا سؤال مهم وهو: أن وسائل التأديب هذه هل تتنافى مع البغي؟
والجواب عليه: أن الإسلام جاء ليصلح المجتمع برمته ويصلح نواته وجعل لذلك سبلاً وطرقاً عدة إذ إنه يريد الصلاح للإسرة والمجتمع .
وكان من تلك الوسائل الضرب  ومعلوم أن الضرب عقاب تعزيري ولا يكون العقاب إلا على خطأ، وهذا بخلاف البغي، الذي يعني مجاوزة الحد فبين العقاب ومجاوزة الحد بون شاسع .
لقد شرع العقاب لكي يستقيم حال المعاقب، ويقر بخطئه، ويتركه فهو إذن في صالح المعاقب.
ونهى الله عن البغي، الذي هو محض ظلم على الآخر دون موجب.
ومن هنا يتبين أن الضرب يجب ألا يجاوز حدوده التعزيريه المنصوص عليها، وبينها العلماء ذلك أن الغرض الأول والأخير هو الإصلاح لا مجرد العقاب، ولهذا لا بد أن يغلب على الزوج أن الضرب سيؤدي إلى نتيجة مرضية أما إذا غلب على ظنه العكس فلا يجوز له ذلك حينئذٍ .

شبهة وردها:-
هذا الحكم الذي جاء به القرآن حاول بعض المتأثرين بالغرب أن ينتقدوه ويردوه أو يوءولوه بحجة مصادمته للتطور، وأن فيه إهداراً لآدمية المرأة.
والجواب على هذه الترهة ليس بالأمر العسير ذلك "أن مشروعية ضرب النساء ليس بالأمر المستنكر في العقل أو في الفطرة، فيحتاج إلى التأويل، فهو أمر يحتاج غليه في حال فساد البيئة، وغلبة الأخلاق الفاسدة، وإنما يباح إذا رأى الرجل أن رجوع المرأة عن نشوزها يتوقف عليه، وإذا صلحت البيئة وصار النساء يفعلن بالنصيحة ويستجبن للوعظ، أو يزجرن بالهجر، فيجب الاستغناء عن الضرب"( ).
أما القول بأن فيه إهداراً لآدميتها، فنقول هل في عقاب المخطيء إهدار لآدميته، إن المسالة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
ومما ينبغي أن يعلم هنا أن النساء يختلفن نفسياً من حيث تقبل التأديب بالضرب، فهناك من لا ييفيدها ذلك بل قد يزيدها عتواً، وذكرت أنه لا يجوز استعمال الضرب مع هذه.
ومنهن من لا ينفع معها إلا هذه الوسيلة، بل من النساء من لا تحس برجولة الرجل وتسلم له زمامها وتنقاد له إلا إذا قهرها عضلياً( )
يقول ابن العربي:" ومن النساء بل من الرجال من لا يقيمه إلا الأدب "( ) وهذا أمر لا ينكره العامي بله من يدعي التطور والثقافة.
إن هذا الحكم جاء في القرآن الذي هوتَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(فصلت:2)وتَنِْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(فصلت: من الآية42) فالذي قرر هذا الحكم هو من يعلم دخائل النفوس ودغائلها، ويعلم ما يصلحها وما يفسدها وكل قول بعد قوله مردود.





المقدمة
المبحث الأول: الحقوق المشتركة بين الزوجين
أولاً: حل الاستمتاع
إتيان الحائض
إتيان الدبر
خطأ فادح
ثانياً: التزين 
ضوابط زينة المرأة
ومن الزينة الجائزة للزوجة
ثالثاً: ثبوت النسب
رابعاً: حسن المعاشرة
خامساً: التوارث
المبحث الثاني: حقوق الزوجة على زوجها
 ا-المهر
 ب-النفـقة
شروط وجوب نفقة الزوجة على زوجها
مقدار النفقة
عجز الزوج عن النفقة
ج-المعاشرة بالمعروف
د- الوطء (الجماع)
هـ- العدل بين الزوجات
المبحث الثالث: حقوق الزوج
أولاً: معاشرة الزوجة لزوجها بالمعروف
ثانيا: القوامة
ثالثاً الطاعة
رابعاً: القرار في البيت
خامساً: لا تأذن الزوجة لأحد دخول البيت إلا بإن زوجها
ثامنا: حق التأديب
أولاً : الوعظ 
ثانيا الهجر في المضاجع 
ثالثا الضرب 
ترتيب الوسائل
التأديب والبغي
شبهة وردها
الخاتمة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire