vendredi 29 mars 2013

وصايا واتحاف قبل ليلـة الزفـاف



قصص. عادات. أوصاف . شمائل . أمثال . أقوال . أخبار . أراء . طرائف. نوادر . مواقف . عبر . حكم . أحكام . نصائح . آداب


سليمان بن عبدالكريم المفرج

مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله الذي خلق الخلق فأحصاهم عدداً، وقسم الأرزاق فلم ينس أحد، كرمه لا يحد ونعمه لا تعد، وعطاؤه لا ينفد، وصفته:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}.
الحمد لله حمداً سرمد، حمداً لا يحصيه عدد ولا يقطعه أبد كما ينبغي له أن يحمد، وأشهد ألا إله إلا الله رب الورى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المرتضى، خير من وطء الثرى ومن مشى تحت أديم السماء، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه شمس الدجى.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].
أما بعد:
فإن الإسلام حث على الزواج ورغب فيه ووضح حِكَمَهُ وأحكامه وما فيه من ثمرات وفضائل، وفي هذا الكتاب عرضت شيئاً من ذلك، وذكرت وصايا كثيرة أوصيت بها من أقبل على الزواج، فحري أن يرجع من رغب في ذلك إلى هذه الوصايا وتفهمها والعمل بها، كي يقدم على الزواج وهو مدرك ومطلع على أمور ربما جهلها أو نسيها في خضم هذه الحياة.
أخي القارئ:
لقد لقيت الطبعة الأولى من هذا الكتاب قبولاً لدى الناس واتصل بي غير واحد من مدن متعددة في المملكة، بعضهم يسأل وبعضهم لديه مشاكل أسرية يريد لها حلاً وبعضهم يطلب مني إضافة بعض أمور لم تذكر في الكتاب.
ومن باب: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11].
فإن الطبعة الأولى نفدت في أشهر معدودة مما يبشر بخير فله الحمد من قبل ومن بعد.
وللعلم فإنني لم أضف شيئاً جديداً في الطبعة الثانية إلا أنني قمت بتعديل بعض الأخطاء المطبعية.
ولقد وعدت في مقدمة الطبعة الأولى أن أكمل هذه السلسلة بإخراج كتب أخر بعنوان: (مشروع نفيس في ليلة زفاف العريس)، ولا زلت عند وعدي وسأجتهد في إخراجه قريباً بإذن الله.
وإنني لا أزعم بإخراج مثل هذه الكتب أني أديت الواجب كاملاً ونشرت العلم وافياً، ولكنني أسعى إلى ذلك قدر وسعي ومبتغاي هو الحق ومقصودي هو البيان وأملي هو رضى الرحمن وغايتي هي دخول الجنان.
ولا يفوتني أن أشكر القائمين على دار طويق (الناشر للكتاب)، على تعاونهم معي في طبعة الكتاب وسرعة توزيعه وحسن تصميم غلافه، ولا أنسى دعمهم المعنوي لي، وما لمسته منهم من تشجيع وثناء على مضمون الكتاب ومادته العلمية، لأن هذا من الحوافز التي جعلتني أخولهم في نشر الكتاب في طبعة ثانية. فجزاهم الله خيراً.
أخيراً، فإن هذا العمل هو جهد مقل واجتهاد بشر، قابل للصواب والخطأ، فما أصبت فيه فأحمد الله، وما أخطأت فيه فأستغفر الله، وحقي على كل من وجد خطئاً أن يبينه لي لعلي أتداركه في طبعات لاحقة بإذن الله، وأعلم أخي القارئ، أن ما جاء في هذا الكتاب وما يليه من كتب فإن لك غنمه وعلي غرمه، ولك ثمرثه وعلي مشقته، ولك صفوه وعلي كدره.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص، ويعصمنا من فتنة القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المؤلــف
سليمان بن عبد الكريم المفرج
الجوف- دومة الجندل
تحريراً في 1/8/1422هـ

معنى الزواج
في اللغة: الجمع والضم ومنه قول الشاعر
أيها المنكح الثريا سهيلاً                  عمرك الله كيف يجتمعانِ
هي شامية إذا ما استقلت                وسهيل إذا ما استقل يمانِ
أي أيها المحاول أن يجمع بين الثريا وسهيل لقد حاولت أمراً غير ممكن ويكون بمعنى ((عقد التزويج)) ويكون بمعنى ((وطء الزوجة)) كما ذكر الفقهاء قال أبو علي القالي: ((فرقت العرب فرقاً لطيفاً يعرف به موضع العقد من الوطء فإذا قالوا: نكح فلانة أرادوا عقد التزويج وإذا قالوا: نكح زوجته لم يريدوا إلا الجماع والوطء)).
أما في الشرع : فهو تعاقد بين رجل وامرأة يقصد به استمتاع كل منهما بالآخر وتكوين أسرة صالحة ومجتمع سليم قال الفقهاء هو: عقد يعتبر فيه لفظ أنكاح أو تزويج في الجملة، وعلى كل حال فهو عقد تزويج كما قال ابن قدامة.
حكم الزواج
الأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع وذكر غير واحد من العلماء أنهم اتفقوا على أنه من العقود المسنونة بأصل الشرع قال تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}(سورة النساء 3) وقال صلى الله عليه وسلم"تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم" (رواه أبو داوود وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه) وغير ذلك، وهو مستحب على الجملة وهو المشهور من قول فقهاء الأمصار، والخلاصة من كلام أهل العلم أن النكاح مندوب إليه وقد يختلف حكمه باختلاف الأحوال فيجب تارة في حق من لديه شهوة ويخاف أن يقع في الزنا.
قال ابن قدامه: اتفقوا على أن من تاقت نفسه للنكاح وخاف العنت فإنه يتأكد في حقه وهو أفضل من الحج التطوع والصلاة والصوم التطوع.
ويستحب تارة في حق من لديه شهوة ولا يخشى على نفسه الوقوع في الزنا قال عياض: أما في كل من يرى منه النسل ولا يخشى العنت على نفسه فهو في حقه مندوب.
ويحرم تارة في حق من كان بدار حرب كما ذكر بعض أهل العلم كتاجر دخل دار حرب بأمان إلا إن كان لضرورة.
ويكره تارة في حق من كان لديه شهوة ولكنه إذا تزوج انقطع عن العبادات والقربات.
ويباح تارة في حق من لا ينسل ولا رغبة له في النساء وقد قال الفقهاء: يباح لمن لا شهوة له.
وأخيراً يقال: إن النكاح مع الشهوة أفضل من نوافل العبادات كما ذكر الفقهاء رحمهم الله سابقاً.
شروط الزواج
من حكمة الله تعالى ودقته في شرعه أن جعل للعقود شروطا تنضبط بها وتتحدد فيها صلاحيتها للنفوذ والاستمرار وعدم الفوضى، ومن تلك العقود عقد النكاح فله شروط ينبغي معرفتها ومنها:
الأول : وهو أهمها رضا الزوجين فلا يجوز إجبار الزوج على نكاح امرأة لا يريدها وكذلك لا يجوز إجبار الزوجة على ذلك قال تعالى: { أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} (سورة النساء19) وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت" (رواه البخاري ومسلم والترمذي وقال حسن صحيح، وابن ماجه والنسائي وأبو داوود وأحمد والدارمي)
فيحرم تزويج المرأة دون رضاها سواء أكانت بكرا أو ثيبا وجاء في رواية أخرى عند مسلم (والبكر يستأذنها أبوها).
وكم نسمع من القصص المؤلمة والنتائج القاسية فيمن أجبر على نكاح من لا يريدها وامرأة أجبرت على نكاح من لا تريده وقد يكون ذلك مجاراة للعادات السيئة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة فيجبرون الزوجة على الزواج من ابن عمها أو الولد على زواج ابنة عمه، وإنه خطأ كبير وقد يحصل من جرائه نكد وهم ومشاكل وطلاق وأولاد ضحية. وعن خنساء بنت جذام: أن أباها زوجها بدون إذنها- وهي ثيب- فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها (رواه ابن ماجة).
وكم أغفل الآباء الأمر النبوي في وجوب استئذان الفتاة قبل الزواج فإن له نتائج سيئة وعواقب مدمرة. والأمثلة على ذلك كثيرة لا تخفى على أحد. ونذكر على سبيل الطرافة والعبرة قصة هند لما تزوجت الحجاج بن يوسف الثقفي أحد ولاة الخليفة عبد الملك بن مروان، فوقفت يوماً تتأمل حسنها أمام المرآة وأنشدت تقول:
وما هند إلا مهرة عربية                           سليلة أفراس تحللها بغل!
فإن ولدت مهراً فلله درها                       وإن ولدت بغلاً فجاء به بغل
وكان الحجاج عندئذ آتياً من وراء حجاب، وصك أذنيه، ما سمعه من هند، فقال غاضباً:
((يا هنداً لقد كنت فبنت!))، وطلقها
وسرعان ما أجابته: ((لقد كنا فما فرحنا، وبنا فما ندمنا!))
يقول ابن مفلح المقدسي رحمه الله: قال الشيخ تقي الدين: إنه ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقاً.
وعلى كل حال إن كان هناك عدم رضا من أحد الزوجين فالزواج فاسد لا صحة له.
الثاني : الولي أي يشترط أن يزوج المرأة وليها لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا نكاح إلا بولي" ( رواه الترمذي وأبو داوود وابن ماجه والدارمي وصححه الألباني) فلو زوجت المرأة نفسها فالنكاح باطل ولقوله تعالى: { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (سورة النور 32) والشاهد أنه قال: (أنكحوا) وهو خطاب موجه إلى الأولياء وقال أيضاً: { َلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (سورة البقرة 221) والشاهد أيضاً أن الخطاب موجه للأولياء وقال : { فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } (البقرة 232) والشاهد كالسابق.
والولي : هو كل ذكر بالغ عاقل رشيد وأن يكون مسلماً إذا كانت المرأة مسلمة وأن يكون من عصبة المرأة كالأب والجد من قبل الأب والابن وابن الابن وإن نزل والأخ الشقيق والأخ من الأب والعم الشقيق والعم من الأب وأبنائهم الأقرب فالأقرب.
ولا ولاية للإخوة من الأم ولا لأبنائهم ولا لأبي الأم والأخوال لأنهم غير عصبة فإن لم يوجد ولي من عصبة المرأة فإن القاضي يتولى العقد للمرأة.
ويجب على الولي أن يختار لها الكفء من الرجال ويتحرى الأصلح لها.
الثالث : التعيين أي أن تعين المرأة التي سيتزوجها الرجل، باسمها الخاص أو وصفها الذي لا يشارك فيه أحد من أخواتها فيقول الأب مثلاً: زوجتك ابنتي فلانة أو ابنتي الكبيرة أو الصغيرة أو الوسطى أو غير ذلك حتى تتعين الزوجة وتتميز، فلو قال الأب: زوجتك إحدى بناتي فقط فإن النكاح باطل لعدم التعيين.
الرابع : الشهادة أي حضور شاهدين حين العقد وأن يكونا عدلين مقبولين يرضاهما الناس، قال الحنابلة: ويشترط أن لا يكون الشاهدين من أصول الزوج ولا فروعه ولا من أصول الزوجة ولا من فروعها ولا من أصول الولي ولا من فروعه، والأصول هم الأجداد وإن علو والفروع هم الأبناء وإن نزلوا. هذا هو المشهور عند فقهاء الحنابلة، ولكن القول الراجح أنه لا بأس أن يكون الشاهدين من الأصول أو الفروع سواء للزوج أو الزوجة أو الولي، والأولى الحيطة على كل حال.
والكفاءة معتبرة في النكاح وهي المماثلة بين الزوجين والمساواة، والمالكية يرون ذلك في الدين والحال، أي السلامة من العيوب التي توجب لها الخيار، أما جمهور أهل العلم فيرونها في الدين والنسب والحرية والحرفة ((أي الصناعة))، والحنابلة والحنفية زادوا اليسار أي المال.
وعلى هذا فالكفاءة في الدين مما اتفقوا عليه فلا تحل المرأة المسلمة للرجل الكافر.
والأدلة على اعتبار الكفاءة كثيرة منها قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } (سورة البقرة 221) وقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (سورة الحجرات 13).
وقوله عليه الصلاة والسلام:"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" (رواه الترمذي وابن ماجه).
والكفاءة ليست من شروط صحة النكاح، فإن النكاح صحيح ولو لم يكن هناك تكافؤ بين الرجل والمرأة والمسألة تتوقف على رضا المرأة والأولياء في الحسب والنسب والمال وغيره.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل زوج ابنة أخيه من ابنه، والزوج فاسق لا يصلي، وخوفوها حتى أذنت في النكاح، وقالوا: لا بد أن تأذني وإلا زوجك الشرع بغير اختيارك، وهو الآن يأخذ مالها، ويمنع من يدخل عليها لكشف حالها: كأمها، وغيرها؟
فأجاب: ((الحمد لله، ليس للعم ولا غيره من الأولياء أن يزوج موليته بغير كفء إذا لم تكن راضية بذلك باتفاق الأئمة، وإذا فعل ذلك استحق العقوبة الشرعية التي تردعه وأمثاله عن مثل ذلك، بل لو رضيت هي بغير كفء كان لولي آخر غير المزوج أن يفسخ النكاح، وليس للعم أن يكره المرأة البالغة على النكاح، بكفء فكيف إذا أكرهها على التزويج بغير كفء، بل لا يزوجها إلا بمن ترضاه باتفاق المسلمين.
وإذا قال لها: لا بد أن تأذني وإلا زوجك الشرع بغير اختيارك. فأذنت لذلك لم  يصح هذا الإذن، ولا النكاح المترتب عليه، فإن الشرع لا يمكن غير الأب والجد من إجبار الصغيرة باتفاق الأئمة، وإنما تنازع العلماء في الأب والجد في الكبيرة، وفي الصغيرة مطلقا))انتهى.
وأما الشروط في النكاح فهي مختلفة عن شروط النكاح، فشروط النكاح لا يصح النكاح إلا بتوفرها كلها وإذا فقد واحد منها بطل النكاح.
أما الشروط في النكاح فهي ما يشترطه أولياء الزوجة على الزوج وإذا أخل بواحد منها ولم يف به فإن النكاح لا يبطل ولكن يحق للزوجة المطالبة بفسخ العقد.
ويجب على الزوج الالتزام بالشروط والوفاء بها ما دام قد رضي واستعد للوفاء بها عند العقد وقد جاء في الشريعة ما يدل على ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم:"أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج". (رواه البخاري من حديث عقبة بن عامر)
فهذا دليل خاص وأما الدليل العام فهو قوله عليه الصلاة والسلام:"المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا" (رواه البخاري).
وللعلم فإن الشروط التي يجب على الزوج الوفاء بها هي الشروط المباحة والجائزة شرعا الغير منافية لمقتضى النكاح ومقصده، كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وأداء حقوقها وغير ذلك من الشروط حتى ولو كانت من أمور الدنيا فالمهم عدم مخالفتها للشرع واشتراط مواصلة الزوجة للدراسة...
الحث على الزواج والترغيب فيه
لقد حث الإسلام على الزواج ورغب فيه وندب إليه فقال تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } (سورة النور 32) وقال سبحانه: { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } (سورة النساء3) وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } (سورة الروم 21) وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (سورة الحجرات 13).
وأوصى به عليه الصلاة والسلام ودعا إليه الشباب وخصهم بالخطاب لا سيما إذا وجدت القدرة على مؤونته ونفقاته.
والدافع الغريزي نحوه حتى لا تزل القدم في مهاوي الردى فقال عليه الصلاة والسلام: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (متفق عليه).
وقال : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ".
والزواج هو أهم مقومات الحياة والمتمم للوظائف الحيوية والحافظ للجامعة البشرية من الانقراض والزوال بإذن الله وأساس لتقدير المرء في الهيئة الاجتماعية وفي الحديث "حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة" (رواه أحمد والنسائي والحاكم وسنده جيد).
الإنكار على من ترك الزواج
إن ترك الزواج مع القدرة عليه وتوفر دواعيه مخالفة للشرع ومجانبة للصواب، وقد ركب الله سبحانه البشر على الزواج وجبلهم عليه، ولا يقاس على من تركه فهو ناد عن الفطرة السليمة ولكل قاعدة شواذ.
يقول سفيان بن عيينة، حدثنا ابن عجلان قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حول قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ... الآية} (سورة النور:32) إني لأعجب ممن يدع النكاح بعد سماعه لهذه الآية.
فإن كان الذي رد الرجل عن الزواج هو الفقر فالله تعالى سيجعل الزواج يسرا إذا قارنه نية صالحة، يقول قتادة رضي الله عنه: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قال: ما رأيت كرجل لم يلتمس الغنى في الزواج وقد وعده الله به فقال: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (النور:32) وفي لفظ: اطلبوا الفضل في الباءة وفي الحديث "ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله والمكاتب يريد الأداء والناكح يريد العفاف" (رواه الترمذي والنسائي).
وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} (سورة الطلاق:2).
وعلى الرجل أن يسعى ولا يكسل بل يفعل السبب.
توكل على الرحمن في كل حاجة                        ولا تؤثرن العجز يوما على الطلب
ألـم تر أن الله قال لـمريـم                         إليك فهزي الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها                          جنته ولـكن كل شيء له سبب
وأما إن كان الذي يمنع من الزواج هو دعوى الزهد في الدنيا فإن من اعتقد ذلك فقد أبعد النجعة، فالزهد الحقيقي باتباع شرع رسول الله وليس هناك أزهد منه عليه الصلاة والسلام والله يقول: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (سورة القصص:77).
وإن من أعظم النصيب في الدنيا الزواج، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" (رواه مسلم).
وعن سعيد بن هشام أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فقال لها: إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه فقالت: لا تفعل أما سمعت الله يقول:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً}(سورة الرعد:38)فلا تبتل مع هذا (أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني).
وقال عليه الصلاة والسلام: "أفضل هذه الأمة أكثرها نساء" (رواه البخاري) قال محمد بن كثر: وحب النساء ليس من حب الدنيا المذموم ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حبب إلي من دنياكم ثلاث. ذكر منها النساء".
ويروى عن عمر أنه قال: "ليس في النساء سرف ولا في تركهن عبادة ولا زهد" ويروي الزبير بسنده إلى سفيان قال: "كان عند علي بن أبي طالب أربع زوجات وتسعة عشر وليدة وكان يقول: إني لمشتاق إلى العروس".
ولقد تزوج النبي عليه الصلاة والسلام وحث عليه كما سبق وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة رسول الله فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر: وأنا لا آكل اللحم وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" (روا ه البخاري ومسلم).
والانقطاع عن الزواج يسمى ((التبتل)) ومنه قولهم ((مريم البتول))، وجاء في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: أراد عثمان بن مضعون التبتل فنهاه رسول الله عن ذلك، ولو أجاز له ذلك لاختصينا. (رواه مسلم).
ولقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فجاءه سلمان يزوره فإذا أم الدرداء متبذلة فقال: ما شأنك يا أم الدرداء ؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار وليس له في شيء من الدنيا حاجة فجاء أبو الدرداء فرحب به وقرب إليه طعاما فقال له سلمان: أطعم قال إني صائم، قال أقسمت عليك لتفطرن ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل معه ثم بات عنده، فلما كان الليل أراد أبو الدرداء يقوم يصلي فمنعه سلمان وقال: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً صم وافطر، وصل وأت أهلك وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان في وجه الصبح قال: قم الآن إن شئت وصل، فقام فتوضأ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان فقال له رسول الله: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا مثل ما قال سلمان وفي رواية صدق سلمان.
وأما إذا كان المقصد من ترك النكاح هو الحرية وعدم التقيد والمسئولية وملاحقة النساء والغزل ونحوه فهذا شر مقصد وإنه والله مما يؤسف له أشد الأسف وإنه لضياع وسيسأل الله هؤلاء الشباب عن شبابهم وأموالهم وأوقاتهم التي ذهبت في الحرام هدرا، يقول أحدهم: إذا أردت أن تبيع حريتك تزوج، وهذا الكلام مردود على صاحبه ومثله قول بعضهم: (الزواج حقل أشواك) وقول آخرين: (الزواج مقبرة الحب).
وأما إن كان العائق هو إكمال الدراسة فهذا في الحقيقة من تسويل الشيطان وإلا فالدراسة ليست عائقا أبدا بل على العكس، الزواج عامل أساسي في النشاط والحيوية ونضج القلب والعقل والاتزان الشخصي والملكة والحزم والحكمة والفهم والإدراك والعلم، وكثر ممن جعلوا هذا عائقا أخذوه عن بعضهم وتناقلوه ولم يأخذوه عن متزوج، مجرب والتجربة أكبر برهان ومن كان لديه عقل متزن لا ينصح أحدا بعدم الزواج بحجة إكمال الدراسة.
ومما يؤسف له أيضا: أن يكون المانع من الزواج عند بعض الشباب هو التلذذ بحياة العزوبة وهنائها كما يزعمون، ويتعللون فهم مخطئون في ذلك شاذون عن طريق الحق تائهون عن جادة الصواب لأنهم خالفوا سنة المرسلين، ومن احتج من طلاب العلم بأن ابن تيمية لم يتزوج (إن صح ذلك) فنقول لهم: إن ابن تيمية بشر يخطئ ويصيب ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)). وكان ابن تيمية كما يذكر عنه أنه يقول: ليس لدي وقت لأتزوج، لأنه منشغل بالرد على أهل الكلام والبدع، فيا ليت من يجعلون ابن تيمية قدوتهم أن يقتدوا به في طلبه العلم واحتراقه ليظهر الضوء في الأفق وينير الطريق.
قيل لأحمد: ترك الزواج أفضل، قال: لا، الزواج أفضل فقيل له: فلان لم يتزوج فقال:أوه، ولكن رسول الله تزوج.
يقول الإمام أحمد رحمه الله: من دعاك إلى العزوبة فقد دعاك إلى غرو الإسلام.
والإبطاء عن الزواج حتى يتقدم الرجل في العمر مثلب عظيم ومزلق خطير لا يتجرع مرارته إلا من جربه.
يقول ابن عباس لرجل: تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء ولو لم يكن في الحث على الزواج والنهي عن العزوبة إلا قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً}[الرعد:38] لكفى وشفى.
وقد جاء في الحديث: (من تزوج فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي) (رواه الطبراني وحسنه الألباني).
وقال عليه الصلاة والسلام لعكاف بن وداعة الهلالي: ألك زوجة يا عكاف، قال: لا، قال: ولا جارية؟ قال: ولا جارية، قال: وأنت موسر؟ قال: وأنا موسر بخير، قال: أنت إذا من إخوان الشياطين ولو كنت من النصارى كنت من رهبانهم، إن سنتنا شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم ما للشياطين سلاح أبلغ في الصالحين من النساء إلا المتزوجين أولئك المطهرون المبرؤون من الخنا ويحك يا عكاف إنهن صواحب أيوب وداوود ويوسف وكرفس، قال له بشر بن عطية: من كرفس يا رسول الله؟ قال: رجل كان يعبد الله بساحل من سواحل البحر ثلاثمائة عام يصوم النهار ويقوم الليل ثم إنه كفر بالله بسبب امرأة عشقها وترك ما كان عليه من عبادة ثم استدركه الله ببعض ما كان منه فتاب عليه، ويحك يا عكاف تزوج وإلا فأنت من المدبرين قال: زوجني يا رسول الله، قال زوجتك كريمة بنت كلثوم الحميري.
ويذكر أن رجلا كان مؤذناً في أحد المساجد عليه علامات الصلاح، وذات يوم صعد المنارة ليؤذن فرأى نصرانية فافتتن بها فذهب إليها فامتنعت أن تجيبه إلى ريبة وشبهة فقال لها: أتزوجك فقالت: أنت مسلم وأنا نصرانية فلا يرضى أبي قال: أتنصر فقالت: الآن يجيبك ويرضى بك فتنصر الرجل وحددوا موعد الزفاف وفي أثناء يوم الزفاف صعد سطحاً لحاجة فزلت قدمه فوقع ميتاً، فلا هو ظفر بها ولا هو ظفر بدينه نعوذ بالله من سوء الخاتمة.
وأما إن كان العائق والمانع هو ثقل المهر فأنا معك وبضوابط وسيأتي الكلام عن ذلك قريباً، وعموماً فإن ترك الزواج أمر خطير وكبح جماح الشهوة أمر عظيم والرجل إن لم يتزوج فهو في دوامة وتواجهه زوابغ من الفتن قال بعضهم: لا شيء أشد من ترك الشهوة لأن تحريك الساكن أيسر من تسكين المتحرك.
قال ابن الحاج: قال صاحب الأنوار: احذروا الاغترار بالنساء وإن كن نساكاً عباداً فإنهن يركن إلى كل بلية ولا يستوحشن من كل فتنة قال بعض العارفين: ما أيس الشيطان من إنسان قط إلا أتاه من قبل النساء لأن حبس النفس ممكن لأهل الكمال إلا عن النساء.
إن العيون التـي في طرفها حور                             قتلننا ثم لـم يـحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به                           وهن أضعف خلق الله إنسانا
نظرة الإسلام للزواج
قد نظر الإسلام إلى الزواج نظرة اتزان، وجعله من أهم مقومات الحياة وأنزله أعظم المنزلة، ونظمه تنظيما عادلا، لكي يتحقق مقصوده منه، وليكون رحمة ومودة وهناء وأنسا ولا أريد أن أعدد محاسن الإسلام في موضوع الزواج فهذا يطول ولكن لك أن تعرف ذلك من خلال ما تقرأ وتسمع وتشاهد من تصرفات الكفرة وطرق زواجهم وعاداتهم التي يتزه عنها بعض البهائم، وقد قالوا: (وبضدها تتميز الأشياء) وسيتبين لك من مواقف أسوقها مدى انحطاط مجتمع الغرب، الذي لا زال بعض الناس يصفق لحضارته بل حضيرته، رغم ما حققه من إنجاز واكتشاف واختراع، و والله إذا لاحظت قيمهم وأخلاقهم وتفحصت واقعهم لاستحقرت كل ما يفتخرون به من هذا التقدم والمدنية فهم وإن عاشوا بعقل كبير كما يزعمون إلا أن قلوبهم خاوية فارغة كالحيوانات أو أشد قبحاً.
وصدق الله: { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } (سورة الفرقان 44) وكل ما توصلوا إليه دنيوي بحت لا تطلع له في عالم الآخرة. {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (سورة الررم 7).
وهذه المواقف التي سأذكرها مما تناقلته وسائل إعلامهم ووكالات أنبائهم، منها ما يستثر البكاء ومنها ما يستدعي الضحك ومنها ما يجمع بينهما.
وكلها تنطق بالغواية والضلال وتشهد لسقوطهم وانحلال أخلاقهم وسقط متاع من يطبلون لحضيرتهم.
* هذا رجل تبلغ به البشاعة حد أن يرتكب الفاحشة في ابنته، ويستمر على ذلك أعواماً، ثم يصب الماء الحار على الجزء الأسفل منها لإخفاء آثار جرمه، ويقطع جزءاً من لسانها لكيلا تكشف أمره، ويزهق روح ولده لكونه علم به!!.
* وهذا رجل يدفع ما يساوي 700 دولار مهراً لفتاة متوفاة بهدف تزويجها -في العالم الآخر- لابنه الذي مات وعمره 5 سنوات!!.
* وهذه امرأة تنتحر بإلقاء نفسها من قمة عالية هدف أن تتحول إلى شبح يراقب ويعاقب زوجها الذي كانت تعتقد فيه خيانتها!!.
* وهذا رجل ينام مدة ثلاثة أشهر بجوار جثة زوجته الميتة المتعفنة، ويقدم لها وجبات الطعام اليومية، ويصر على أنها ستعود للدنيا، لأنها أخبرته بذلك في أحلامه!!.
* وهذا رجل ثري يقيم حفل زفاف باذخ جداً، يأتي فيه أحد العروسين على طائرة هيلوكبتر ويأتي الآخر على سيارة روزلويس فاخرة، ثم يسير العروسان اللذان لم يكونا سوى قط وقطة، إلى قاعة الاحتفال الفخمة، وسط دقات الطبول، وقرع الأجراس وقد كانت تكلفة الحفل 120 ألف دولار!!.
إلى غير ذلك من الأخبار العجيبة المدهشة، والتي تجعلنا نحمد الله تعالى على ما نحن فيه من نعمة الإسلام، والتي تجعلنا نزهد بالتطور المادي إن كنا لن نحصل عليه إلا بالهبوط إلى ما دون حياة الأنعام.
وإليك شيئا من عاداتهم في الزواج
في جزر كوك تسير العروس على بساط من الآدميين.. إذ يستلقي الشباب على وجوههم إلى الأرض وتعبر العروس ماشية فوقهم حتى تصل إلى مكان الاحتفال.
وفي الأقاليم الريفية من غرينلاند يقوم العريس بشد عروسه من شعرها ويسحبها من بيتها إلى بيته.
وبعض القبائل الأفريقية يحتفلون بزفاف العريس محمولا على الأكتاف كما لو كانوا يحملون نعش ميت يشيعونه ليدفنوه في المقبرة بينما تحمل العروس بالأيدي وعلى الرؤوس.
وفي بورما يطرحون العروس أيضاً، ثم يقوم رجل مسن بثقب أذنيها لكنها حين تصرخ من الألم وتتوجع تعزف الموسيقى الصاخبة حتى لا يسمع أحد استغاثاتها.
وفي مقاطعة هونان بالصين إذا أراد أحدهم خطبة فتاة ما فإنه يرسل لوالدها رسالة بداخلها إبرة فإذا أرجعت إليه الإبرة وفيها خيط كان معنى ذلك الموافقة على الزواج وان أرجعت الإبرة بدون خيط فذلك يعني عدم الموافقة على ذلك.
ولقبائل الهند التي تعيش على ضفاف "نهر الأمازون" عادات غريبة وتقاليد عجيبة في حفلات الزواج فالشباب المنتمي إلى تلك القبائل عندما يفكر في الزواج ويختار عروسه يعرض الأمر على زعيم القبيلة ويسترضيه بمختلف الهدايا ليحصل على موافقته وعندما يأذن له الزعيم تسرع أسرته في إعداد حفل العرس، ولإتمام مراسم الزواج يذهب العريس ويأتي بعروسه إلى الغابة قبل غروب الشمس ثم يتقدم بصحبة شاهدين وعندئذ يشد الفتاة إلى جذع شجرة ويتناول سوكا ويلهب به بدن الفتاة فتصرخ وتئن من فرط الألم وعندئذ يسرع أهالي العروسين يحيطون بالفتاة ويرقصون رقصاً وحشيا يتخلله هتاف مزعج يصم الآذان وفي خلال ذلك يسرع أحد الشهود ويشعل النار عند قدمي الفتاة في كومة من الحشائش والحطب فتتلوى عروس المستقبل وتصيح وتضرب الهواء بقبضتها ولكن الشاهد الثاني لا يحل وثاقها إلا بعد أن تكون قد فقدت رشدها وأصيبت بشبه إغماء. وعند هذا الحد يقوم الزوج بحمل العروس إلى كوخه مما يعني أن مراسم الزواج قد انتهت وأن الزواج قد حدث بالفعل.
ولا يقف الأمر عند ذلك ففي كثير من بلدان المسلمين يرتبط الزواج بعادات وتقاليد يشيب لها الولدان، فهيا بنا إلى جولة نستكشف فيها كم بعد المسلمون عن دينهم في زواجهم وكم بعد غرهم عن الفطرة.
والأمر في أغلب بلداننا العربية يدعو إلى إعادة النظر بشدة حيث تكثر التعقيدات وتتعدد الإجراءات التي تستترف أموال الشاب مما يجعله يفكر مراراً وتكراراً في موضوع الزواج في أن يقدم عليه، ففي إحدى الدول على سبيل المثال حينما يذهب الشاب إلى بيت الفتاة التي يريد أن يتعرف عليها ويراها الرؤية الشرعية لابد أن يحمل معه هدية سواء أعجبته الفتاة أم لم تعجبه وهذه الهدية تكلف مبلغاً كبيراً إذا ما قيس بمستوى دخل الفرد، وإذا ما تمت الخطبة فعلى الشاب أن يحمل إلى عروسه هدية المواسم. في العيدين موسم والمولد النبوي موسم والإسراء والمعراج موسم والبهجة- منتصف شعبان موسم كذلك. وحينما تجيء لحظة عقد القران على العريس أن يحضر "متر" أي سلسلة ذهبية طويلة وحزاماً من الذهب إضافة إلى الأسورة والحلقان وفي مجلس الرجال يقف العريس أمامهم ويوجه كلامه إلى أهل العروس ويقول: هذا مهر ابنتكم ويذكر مقداره، وبعدها يعقد المأذون قرانه وإن أخر العريس زفافه عليه أن يرسل لعروسه مصروفها اليومي حتى تدخل بيته. وفي ليلة الزفاف نظراً لكثرة الخضرة
التي يلقونها فوق العريس حتى تحجب الشمس عنه يذبح العريس على الأقل عشرة كباش وهناك من يذبح خمسين أما الطبقة الغنية فتذبح مائة كبش، ويشتري العريس نبات مخدر للمضغ حتى "يتكيف" المعازيم، بحسب استطاعته، وفي المجلس نفسه يعطي العريس مبلغ من المال يخرجه العريس لوالد العروس ولوالدتها ولعمها ولخالها ولخالتها وعمتها وللخادمة إن كانت في البيت خادمة ولا بد أن يكون في جيبه مبلغاً كبيراً يسلمه للعروس قبل أن تسمح له بكشف طرحتها البيضاء وإن لم يكن مع العريس في تلك اللحظة هذا المبلغ لا تمكنه من نفسها حتى وإن استدعى هذا الأمر عدة أيام، وفي مناطق أخرى بعد إطلاق النار في الهواء سواء من قبل أهل العروس أو العريس والمعازيم يعلو صوت الطلقات النارية على صوت الأناشيد، وبعد حفل ليلة الزفاف يمشي العريس وخال العروس وخلفهما تمشي العروس ومن ورائهم بقية المعازيم حتى يوصلوا العروس إلى بيت العريس وما إن تطأ العروس عتبة البيت بقدمها اليمنى حتى يسارع العريس بوضع قدمه على قدمها وهذا معناه في العرف أن الكلمة في البيت ستكون للرجل أما إذا سارعت العروس بسحب قدمها قبل أن يتمكن العريس من وطئها فذلك يعني أن الأمر في تسيير شؤون البيت سيكون للعروس، وفي بعض القرى تأتي المرأة التي زينت العروس لتكشف لها طرحتها قبل أن يدخل عليها العريس نظير مبلغ من المال.
وفي بعض المناطق الساحلية يزف العريس إلى البحر ويرميه الحاضرون بعجينة الحناء أثناء مروره في شوارع المدينة حتى إذا وصل إلى البحر حملوه وألقوه في البحر ليغتسل ثم يزف وهو مبلل الثياب إلى بيته لكي يغتسل ثانية ويبدل ثيابه. وفي بعض القرى الجبلية يوخز العريس بإبرة خياطة ثلاث مرات من بعض أصدقائه أثناء زفه إلى غرفته فإن توجع ضحك عليه الحاضرون. أما في المناطق الوسطى فما إن يتم الإعلان عن إقامة عرس لأحد شباب القرية يأخذ آخر عريس في القرية راية خضراء ويسلمها إلى العريس الجديد.
وفي إحدى الدول العربية يميز فيها الناس بين حفلتي الخطوبة وعقد القران بلون الخاتم المقدم، ففي الخطوبة يقدم العريس خاتماً أبيض أما في عقد القران فيكون أصفر والعادة الأشد غرابة هي ذهاب المعازيم آخر الليل بعد انتهاء الحفلة من بيت العروس إلى بيت العريس فينامون حتى الصباح وبعد تناول طعام الإفطار والغداء ينعقد السمر لليوم الثاني حتى منتصف الليل ولا ينصرف المعازيم كما هو المعتاد وإنما ينتظرون ظهور "العلامة" وهي خروج الزوج عليهم بمنديل أبيض عقب دخوله على زوجته، هذا المنديل الأبيض تظهر عليه آثار دم نتيجة فض غشاء البكارة، وما إن تراه النساء حتى ترتفع زغاريدهن ويطلق الرجال النار من أسلحتهم في الهواء.
ومن شمال إفريقيا إلى جنوبها وبالتحديد إلى الكاميرون حيث يدفع الشباب مهراً للبكر حوالي 35 ألف فرنك كاميروني ولا مهر لغير البكر.
وعند الزفاف تأتي العروس عقب عقد قرانها إلى بيت العريس وتوزع الأطعمة الكاميرونية المصنوعة في الغالب من البطاطس بأشكال وألوان مختلفة ويعرض العريس "الآية" وهي منديل أبيض عليه دماء دليل فض بكارة العروس فتزغرد النساء ولا سيما إذا كانت الإشاعات كثيرة حول البنت، ويعطيها العريس حينئذ هدية في الغالب عبارة عن مذياع.
والعجيب في الأعراس الطاجيكية أن العروس لا تحب الذهب وإن أرادت إحداهن ذهبا فخاتماً واحداً فقط أما بداية الخطبة فبعد أن يحدد الشاب البيت الذي يريد أن يتزوج منه يذهب مع أمه ويراها في حضرة العائلة فإن أعجبته العروس يلقي عليها موعظة دينية يحفظ معظم الشباب كلمانها وتقول: " عليك أن تكوني امرأة صالحة تصلي وتصومي وتقرئي القرآن، وعليك أن تحترمي عائلتي وتجيدي الطهو وأعمال المنزل" وهنا يعرف الجميع أن الموافقة تمت ومن ثم تبدأ مراسم عقد القران وليلة الزفاف.
والمهر وتكاليف الزواج، والمسألة في طاجيكستان غاية في البساطة حيث يشترط والد العروس كمية معينة من القطن تكفي لتجهيز 20 وسادة و 30 فراشاً بأحجام مختلفة ويتم التفاوض على المهر الذي يتراوح بين 160 إلى 320 روبلاً طاجيكيا أي حوالي من 100 إلى 200 دولار أمريكي، أما بقية الشروط فمتعلقة بتفاصيل الطعام والشراب الذي سيقدم للمعازيم فيقول والد العروس للعريس: عليك أن تحضر إلى بيتنا بقرة كبيرة وخمس أكياس من الأرز و100 كيلو من الجزر و50 لتراً من الزيت و20 كيلو من البصل ومثلهم من الزبيب، وهذه الأشياء كلها لزوم عمل الأرز البخاري المشهور في طاجيكستان. وبعد أن يفرغ والد العروس من طلباته يأتي دور أم العروس وتخرج من جيبها ورقة بها قائمة من الأقمشة والملبوسات التي يجب على العريس شراؤها. هنا يكون الاتفاق قد تم على كل شيء تقريبا. بعد ذلك يأتي بالزوجة أو العروس إلى مائدة فتغسل يديها بالحليب والدقيق والزيت وتعد خميرة للخبز كناية عن أنها أصبحت ربة منزل، وينثر فوق رأسها المال ويلعب الغلمان والفتيات ويأخذون من هذه الأموال.
وفي أندونيسيا، بعد السؤال عن الفتاة التي يريد الشاب أن يتزوجها يذهب مع أحد العلماء ليخطبها له ويبدأ العالم في الحديث وليس والد العريس كما هي العادة في بلداننا العربية، وترتفع أسهم الشباب إذا كان من طلاب العلم الشرعي ويتساهل معه والد العروس. أحد الشباب طلبت منه خطيبته أن يكون مهرها تسميع سورة الأنفال ففعل، وفي ليلة الخطبة قدم إليها هدية عبارة عن "موكانا ومهري" أي مصحف وملابس للصلاة، وبعد ذلك قدم جاموسة كبيرة لزوم الحفل وجهز غرفة عبارة عن سرير ودولاب وأدوات الطبخ، وقبل الحفل بيومين يدعو أهالي العريس الناس لدفع ما عليهم من "نقوط"- وهو عبارة عن مساعدة مالية تقدم على شكل هدية- حيث تجلس امرأة أمام المنزل ومعها دفتر تقيد فيه كل ما يقدمه المدعوون.
وفي إقليم فطاني المسلم في تايلاند يكاد الأمر يتشابه مع عادات الإندونيسيين فشهر العسل مدته تسعون يوما يقضيها العريس في بيت والد العروس لا يفعل خلالها شيئا. لكن الأعجب من ذلك أن العروس هي التي تتحمل تكاليف الزواج فتشتري لنفسها ولعريسها الملابس الجديدة ووالدها هو الذي يجهز للعريس غرفة نوم متواضعة بحسب المهر الذي يدفع الذي لا يتجاوز 25 ألف بات أي ما يعادل 500 دولار، وقد نزل إلى 500 بات فقط أي حوالي 20 دولار إذا كان العريس يحفظ القرآن، وفي ليلة الزفاف التي تستمر يومين يدعى الجميع بما فيهم الجيران البوذيون. إذ إنه من المعروف أن تعداد المسلمين في تايلاند يقارب ال15 مليونا من إجمالي تعداد السكان البالغ 65 مليونا معظمهم يتركز في فطاني بجنوب البلاد.
أما في هرر وبالي وجيمة وهي مناطق تجمع المسلمين في إثيوبيا، فبعد الإعلان عن الخطبة يرسل الخاطب بقرة حلوباً إلى بيت مخطوبته فتجمع والدتها لبن تلك البقرة وتصنع منه كميات من السمن تقدم للعريس كهدية ليلة زفافه.
وفي إحدى الدول ثمة قانون ينص على ضرورة أن يتقدم رجلان لخطبة الفتاة، فإذا ما اجتمع الاثنان على هذا الأمر، فعليهما أن يتصارعا صراعاً مميتاً أحياناً، ويفوز المنتصر منهما بالزواج من الفتاة المرشحة.
وفي مناطق أخرى ينبغي على الزوج أن يضرب عروسه في ليلة الزفاف وفي أثناء الاحتفال بالزواج وذلك حتى تعلم بادئ ذي بدء أنه هو الرجل صاحب الكلمة المسموعة في حياتهما الزوجية، وفي إقليم بوندايورجاس الواقع جنوب الهند ينبغي أن يخضع الشاب المتقدم للزواج لاختبار تقوم الفتاة بإعداد قوانينه، وغالباً ما يتجسد في أن يجتمع الشاب بفتاته بالإضافة إلى بعض من أقاربها في مكان محدد في إحدى الغابات، حيث تقوم الفتاة هناك بإشعال النار ثم تضع فيها أعداداً من الأخشاب والأسياخ لتقوم بكوي ظهر الشاب بها، فإذا صمد الخاطب أمام هذه اللسعات الحارقة والمؤلمة فقد فاز بها وأصبحت زوجته وقرة عينه، وإذا لم يستطع الصمود، فغالباً ما يكون هذا الأمر وبالاً عليه حيث سيفتضح أمره في البلدة ويصبح شاباً منبوذاً لا يمكن لأي فتاة أخرى أن تقبل به زوجا لها لأنه وصم بالجبن والضعف.
وعلى النقيض من ذلك وفي قبيلة "تودا" التي تقطن في الهند أيضاً، تقوم مراسم الاحتفال بالزواج بضرورة أن تزتحف العروس على يديها وركبتيها في ليلة الزفاف حتى تقترب من عريسها الذي يجب أن يضع قدمه على رأسها وذلك دلالة على امتلاكه لها.
وفي مناطق من الهند الصينية، تتقدم هي لخطبة الشاب الذي تراه مناسباً لها وتكون صاحبة القرار الأول بحيث تصبح العصمة في يدها مما يمكنها من تطليقه إذا ما نفرت أو فكرت بالارتباط بغيره، هذا بالإضافة إلى حقها في الاستيلاء على المنزل ومحتوياته إلى جانب حقها في الاحتفاظ بالأولاد رغما عن أنف الزوج الذي يراقب كل ما يحدث عادة دون أن يعترض أو يرفض.
وفي الأسكيمو إذا أقدم شاب على خطبة فتاة فعليه أن يشم فتاته أولا وذلك حتى يضمن رائحتها الزكية فإذا ما تبين له عكس ذلك، فعليه بالهروب وذلك من خلال الخروج من الباب دون أن يلوي على شيء ودون أن يعلم أهل الفتاة بقراره النهائي.
ولعل أغرب عادات الزواج ما يحدث في اليابان فاليابانيون غالبا ما يبدأون الاحتفال بمراسم الزفاف بواسطة رفع الرايات الحمراء التي يعتقدون أنها تبعد الشر عن الزوجين، وبعد انتهاء حفل الزفاف يحتفظون لفستان الزفاف لاستخدامه كفناً للعروس عند وفاتها!.
ومن أقبح العادات التي تنزعج الأذن عند سماعها إزالة البكارة بالإصبع بحالة تقشعر من هولها الأبدان وتهتز من فظاعتها المشاعر لما يترتب عليها من ضرر بالغ، وهو الجناية على العرض وهتك المستور، وفضيحة البريء إذا تولى هذه العملية الوحشية غير زوجها من نساء جاهلات يؤتى بهن لهذا الغرض، والضرر البالغ إذا تولاها زوجها الغر الجاهل فيسد إصبعه ليهتك به ذلك الغشاء الرقيق، وهناك حدث ولا حرج عن الأثر الذي يتركه في نفس العروس المسكينة وقد علاها الوجل وتملكها الخوف وتمكن منها الرعب من شدة الصدمة وفظاعة الجرم، يرتكبون هذه الجريمة النكراء لا من أجل إزالة البكارة التي لا صعوبة فيها، ولكن ليحصلوا من وراء هذه العملية على دم البكارة التي لبسها عليهم إبليس وأعوانه من شياطين الإنس فيظهرون هذا الشرف المزعوم أمام أعدائهم ومن يتربصون بهم الدوائر.
هذه هي عاداتهم، ونحمد الله الذي أعزنا بالإسلام وأكرمنا بالقرآن.
أهداف الزواج وفوائده
الإسلام لا يشرع شيئا إلا لأهداف سامية ومعان، نبيلة والزواج له أهداف عظيمة جليلة منها على سبيل المثال:
أنه عبادة وقربة إلى الله تعالى وطاعة له ولرسوله عليه الصلاة والسلام إذا أحسن الزوج المقصد وكان خالصاً لوجه الله، يقول عليه الصلاة والسلام:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرىء ما نوى" (متفق عليه).
والآيات والأحاديث السابقة تؤيد ذلك وتبين أن الله ورسوله أمرا بالزواج.
ومنها أن في الزواج عفاف وإحصان من الوقوع في الحرام، والمباضعة والنكاح صدقة، قال عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر) (رواه مسلم والنسائي).
وقد سبق في الحديث أن "ثلاثة حق على الله عونهم منهم الناكح يريد العفاف" وجاء في فضل العفاف حديث "السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله" (رواه البخاري ومسلم) وخوف الفتنة على المتزوج أهون من غير المتزوج فإنه معرض للافتتان في أي منظر يراه أو حديث يسمعه أو هاجس يفكر به لذلك ولغيره كان يقول عليه الصلاة والسلام: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء فهل تخشى: فقال: وما يؤمنني يا عائشة وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن فإذا أراد أن يقلب قلبه" وقلب السبابة والوسطى (أخرجه ابن أبي عاصم).
والزواج يكسر النظر إلى غير الزوجة وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: "النظر إلى المرأة سهم من سهام إبليس فمن تركه خوفا لله أثابه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه" (رواه أبو داود والترمذي).
ومنها أن الزواج من الودود الولود فخر للزوج يوم القيامة لحديث معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة وفي رواية "ذات حسب وجمال" وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية فنهاه رسول الله، ثم أتاه الثالثة: فقال: "تزوجو ا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم" وسبقت الإشارة إلى مثل هذا.
ومنها أن الزواج استكمال للدين والفضيلة لما ورد عن أنس رضي الله عنه قال:" إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله فيما بقي".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة: ما بين لحييه وما بين رجليه" (رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني).
ومنها أن الزواج من سنن المرسلين قال صلى الله عليه وسلم: ((أربع من سنن المرسلين: الحياء والتعطر والسواك و النكاح" (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح).
ومنها أن بعض الأبناء قد يشفعون لآبائهم وأمهاتهم بدخول الجنة، ورد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سمع النبي يقول: يقال للوالدين يوم القيامة: ادخلوا الجنة قال: فيقولون: يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا قال: فيأتون. قال: فيقول الله عز وجل: ما لي أراهم محبنطئين ((أي ممتنعين))، ادخلوا الجنة، قال: فيقولون: يا رب، آباؤنا وأمهاتنا قال: فيقول: ادخلوا الجنة أنت وآباؤكم (رواه أحمد في مسنده).
ومنها حفظ المجتمع من الشر وتحلل الأخلاق وانتشار الزنا والفجور والرذائل والمنكر.
ومنها استمتاع كلا الزوجين بالآخر وقيام الرجل برعاية المرأة والنفقة عليها وتمامها بخدمة زوجها.
ومنها إحكام الصلة بين القبائل والأسر فتقوى الشوكة وتتكاتف القوة.
ومنها أن فيه تعارف وتآلف قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } [سورة الحجرات: 13].
ومنها أنه سكن للزوجين وراحة واطمئنان ومحبة قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [سورة الروم:21].
ومنها أنه سبب لتكوين أسرة مسلمة تذكر الله وتطيع الله وتتربى على تعاليم الإسلام وقد يخرج منها من يرفع كلمة الله .
ومنها الاطلاع على بعض اللذات الأخروية كما قال بعض الفقهاء، قال الغزالي:
لعمر الله ما قالوه لصحيح، وإن هذه اللذة هي أفضل لذة لو دامت فهي منبهة على اللذات الموعودة في الجنان.
ومنها أن الزواج آية من آيات الله الدالة على عظمته فبينما نجد الزوج والزوجة وهما غريبان عن بعضهما إذ بالصلة تقوى بينهما فيكونان ألصق اثنين ببعضهما.
ومنها تكثر نسل الأمة وعمارة الأرض ببقاء الجنس البشري عن طريق التناسل يقول عليه الصلاة والسلام: "تزوجو ا الودود الولود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة" وطلب الولد مستحب قال تعالى {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } [سورة البقرة: 187].
روي عن شعبة عن الحكم عن مجاهد قال:هو الولد على أحد الأقوال في قوله{وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}
يقول الغزالي رحمه الله: في الزواج خمسة فوائد: الولد وكسر الشهوة وتدبير المنزل وكثرة العشرة ومجاهدة النفس بالقيام بهن، ثم ذكر أنه إذا قصد بالزواج التناسل كان قربة يؤجر عليها
من حسنت نيته وبين ذلك بوجوه:
أولا : موافقة محبة الله في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان.
ثانياً : طلب محبة رسول الله في تكثير من به مباهاة.
ثالثاً : طلب البركة وكثرة الأجر ومغفرة الذنب بدعاء الولد الصالح له بعده.
يروى عن عمر أنه يقول: إني لأتزوج المرأة ومالي بها من حاجة، وأطؤها ومالي فيها من شهوة، قيل : فما يحملك على ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: أحب أن يخرج مني من يكاثر به النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
ويقول الإمام أحمد: والله لبكاء الطفل يطلب الخبز أفضل عندي من عبادة سنة.
وعن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا، قال: فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء (رواه البخاري).
وعن ابن مسعود قال: لو علمت أنه لم يبق من أجلي ((أي عمري)) إلا عشر ليال لأحببت أن لا يفارقني فيهن امرأة (أخرجه عبد الرزاق في مصنه وكذلك ابن أبي شيبة).
وسئل أحمد: يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة؟، قال: إي والله يحتسب الولد، وإن لم يرد الولد يقول: هذه امرأة شابة لم لا يؤجر؟ وعن ميسرة قال: قال لي طاووس لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور " وقصد عمر أن يحثه على الزواج خاصة إذا رأى أبا الزوائد الكبير في السن الذي لم يتزوج".
وقال وهب بن منبه: مثل الأعزب مثل شجرة في فلاة يقلبها هكذا وهكذا.
تأمل قول ذي نصح وود                            وبادر بالزواج تنل فخارك
وخذ من منبت حر أصيل                           وعمر بالتقى والخير دارك
ولا تغتر بالحسناء تزهو                              بأخبث منبت تجلو بوارك
وتقوى الله خير الزاد فاعمر                         بذكر الله ليلك أو نهارك
والأنبياء طلبوا الولد، يقول الله تعالى عن زكريا عليه السلام:{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [سورة آل عمران 8]. وقال أيضا: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [سورة الأنبياء:89].
وقال عن إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [سورة إبراهيم:40].
وقال أيضا: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [سورة الرعد:38].
وعلى هذا فاحذر من الاستجابة للدعوات المضللة التي ينادي بها أعداء الإسلام وهي الدعوة إلى تحديد النسل لإضعاف المسلمين وكسر شوكتهم وتقليل عددهم على المدى البعيد ليسهل القضاء عليهم...
ومنها أن المبادرة تدعو إلى العفة وغض البصر عن المحرمات، أضف إلى ذلك أن المبادرة في الزواج تمكن الرجل بإذن الله إذا رزقه الله أولادا من تربيتهم والقيام بشؤونهم وإعدادهم لمستقبل حياتهم وجعلهم رجالا صالحين مصلحين ينفعون أنفسهم وأمتهم ويجعل منهم عماداً لها وقوة يرهب بهم أعداءها وتقوى شوكتها وتحفظ هيبتها وكرامتها ويدفع من يريد إذلالها واستعبادها.
ومنها خدمة الزوج والقيام بحقوقه، وتأمل في حياة المتزوج عندما يفاجئه مرض أو تنتابه نائبة وعنده زوجة صالحة وكيف يكون محاطا بعطفها وقيامها بنهدمته نائما على فراش الراحة وتسليه وتؤنسه وتقوم بخدمته وتضمر الخير له.
وارجع بنظرك إلى العزب في حالة مرض أو حاجة شديدة للخدمة فإنه يفتقر إلى الزوجة الحنونة والعطف والرأفة والقيام بتمريضه في أشد الأوقات وأحرجها وأضيق الساعات ويرى نفسه محزونا كالغريب النائي عن وطنه وأقربائه وأصدقائه ويتلهف على أحد يظل بجواره لاسيما إذا كان في غير بلده.
فالزوجة هي الأم حينما يحتاج إلى حنان الأم.
وهي الأخت حينما يحتاج إلى مودة الأخت.
وهي الابنة حينما يحتاج إلى بر الابنة.
وهي الزوجة حينما يحتاج إلى عطف الزوجة.
وهي الخليلة حينما يحتاج إلى مرح الخليلة.
وهي كل شيء.
ومنها أيضا أن الزواج يكسب الرحمة، لذلك فإن المتزوج الذي له أطفال أرحم من المتزوج الذي ليس له أطفال أو غير المتزوج، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس فها هو يصلي العصر بالمسلمين وإمامة بنت زينب على كتفه وكان عمرها سنتين فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها.
وصلى أيضا الظهر بالناس فارتقى الحسن أو الحسين ابن بنته فاطمة الزهراء على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فأطال السجود فلما سلم قال: لعلي أطلت عليكم؟ ثم قال: إن ابني ارتحلني حتى رقى على ظهري فخشيت أن أقوم فأؤذيه (رواه النسائي). وكان يقول لأصحابه: (والله إني لأدخل في الصلاة وأريد أن أطيل فأسمع بكاء الطفل فأخفف لما أجد من وجد أمه عليه) (متفق عليه).
وقبل الإقدام على الزواج لا بد أن تعرف أخي الزوج أن الحياة الزوجية ليست متعة فحسب، إنما هي مسؤولية كبيرة، ولا بد أن يكون لك بعد أفق وتفكر ثاقب قبل خوض هذه الحياة، لذا أضع بين يديك وصايا مهمة كي تبني حياتك الزوجية على أساس متين.
وصايا للزوج قبل عقد الزواج
الاستخارة :
وهي طلب خير الأمرين من الله تعالى، فإذا هممت بأمر ما فعليك بصلاة الاستخارة واللجوء إلى الله كي يختار لك ما هو أصلح، ولك في رسولك أسوة، ومثال ينبغي أن تحتذى به فقد استخار الله وبين لصحابته كيف يستخيرون، فقد ورد عن جابر عبد الله أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ((ويسمي حاجته)) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به (رواه البخاري).
ولكن متى تقول هذا الدعاء؟
الجواب: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا الدعاء يقال في آخر الصلاة سواء بعد التشهد الثاني أو بعد السلام.
والاستخارة لا ترجع إلى الزواج ذاته فهو خير محض ولكن ترجع وتعود إلى أمور منها وقت الزوج والزوجة التي اخترتها ومكان الزواج وما يفعل فيه وينفق عليه وغير ذلك مما يطلب فيه من الله الخير.
والله تعالى سيختار لك ما تحب، سواء رأيت ذلك بعينك أم لم تره.
والاستخارة سنة هجرها أكثر خلق الله اليوم ولا تكاد تعرف إلا حروفاً في كتب المتقدمين أو بعض كتب المتأخرين وتوشك أن تنقرض من كتب المعاصرين.
الاستشارة :
وهي طلب المشورة والرأي السديد، فيا أخي يا من تريد الزواج عليك باستشارة من تثق بعلمه وأمانته في كل ما تحتاجه في هذا المشروع الطيب ولك في رسولك قدوة حسنة فالله يقول له: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } [سورة آل عمران:159].
وقال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } [سورة الشورى:38].
ومما قيل :
حسن المشورة من المشير قضاء حق النعمة.
وقيل: الاعتصام بالمشورة نجاة.
وقيل: إذا استشرت الناس شاركتهم في عقولهم.
وقيل: نصف عقلك مع أخيك فاستشره.
فالمشورة ليست عيباً ولا ضعفاً بل تفتح لك أبواباً لم تكن تدري كيف تفتح، وهي من شيم العقلاء، ومن جانبها فقد استبد برأيه وقد قيل إذا أراد الله لعبدٍ هلاكاً أهلكه برأيه.
وقيل: المشورة تقوم اعوجاج الرأي.
وقيل: من استشار ذوي الألباب سلك سبيل الرشاد.
وقيل: شاور في أمرك الذين يخشون الله.
وقيل  :
إذا كنت في حاجة مرسل                          فأرسل حكيماً ولا توصه
وإن باب أمر عليك التوى                         فشاور لبيباً ولا تعصه
والاستشارة والاستخارة ينبغي أن تجعلهما نصب عينيك دائماً حتى تكون خطاك مسددة بإذن الله تعالى وهما مما هجره أكثر الناس، يقول ابن تيمية رحمه الله: ما ندم من استشار وما خاب من استخار ويقول أحدهم: ما خاب من استخار الخالق وشاور المخلوقين.
والخلاصة : إذا استخار الرجل ربه واستشار نصيحه واجتهد فقد قضى ما عليه ويقضي الله عنه في أمره ما يحب.
الدعاء : لا تغفل أخي جانب الدعاء فهو خير ما يوصى به مع الاستخارة والاستشارة، والإلحاح فيه من أعظم العبادات، لذلك ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " الدعاء هو العبادة" (رواه الترمذي).
(فارفع يديك إلى من يستحي أن يرد يدي عبده صفرا إذا سأله) (رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني) وهو الذي يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }[سورة غافر:60] ويقول:{فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ  } [سورة البقرة:186].
وتحين مواطن الإجابة وهي كثيرة أسرد لك بعضها بإيجاز:
1- جوف الليل الآخر ووقت السحر.
2- دبر الصلوات المفروضة.
3- بين الأذان والإقامة.
4- عند نزول المطر.
5- آخر ساعة من عصر يوم الجمعة قبل الغروب.
6- عند شرب ماء زمزم.
7- في السجود في الصلاة.
8- الدعاء عند المرض.
9- بعد التشهد الأخير في الصلاة.
10- دعاء يوم عرفة في عرفة.
11- شهر رمضان والليالي التي ترجى فيها ليلة القدر.
12- عند السفر.
وبعد ذلك لا بد أن تعرف أنه:
لا يجوز للرجل أن ينافس رجلاً آخر في الخطبة بمعنى أنك إذا علمت أن هذا الرجل تقدم لخطبة فلانة فلا يجوز أن تذهب لخطبتها لأن ذلك يقطع الأواصر ويورث العداوة والشحناء.
يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك" (متفق عليه).
فإن تركها الأول أو علم يقيناً أن أهلها لم يوافقوا عليه فعندئذ يجوز للثاني التقدم لخطبتها.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز تقدم الثاني لخطبتها إذا علم أن المتقدم الأول كافر أو فاسق حتى ينقذها من عصمة من لا دين له.
اختيار الزوجة
هذا علم لوحده، فالعلاقة الزوجية هي شركة فإما أن تربح وتكسب أو تخسر وتفشل لذا كان الإسلام مهتماً بهذا الموضوع وينبغي لمن يريد الزوج أن يوليه اهتمامه، فالحياة الزوجية ليست ميدان تجارب ولا حقل تذوق. ولا يلام الرجل إذا أخذ يبحث عن شريكة حياته، وإذا قلبت بصرك وجدت أن من أعظم مشكلات الزواج وصعوباته وانحلاله ناجم عن التسرع في اختيار الزوجة دون بحث وتدقيق، فبعضهم يختار زوجته بمجرد نظرة جمال ساحرة، أو طمعاً في مالها أو غير ذلك والعلاقة التي يكون المقصد منها ذلك توشك أن تزول وتنتهي.
ولديمومة الزواج والتآلف وعدم الفشل وضع الإسلام معاير لاختيار الزوجة ألخصها لك فيما يلي:
الصفات الحسنة في المرأة:
إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند طرق هذا الموضوع هو حديثه عليه الصلاة والسلام: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" (رواه البخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي وابن ماجه وأحمد) فبين عليه الصلاة والسلام صفات المرأة التي ينبغي للرجل أن يبحث عنها، وقد يقال إن هذا الحديث فيه جمال حسي ومعنوي فأما الحسي فهو كمال الخلقة لأن المرأة كلما كانت جميلة المنظر عذبة المنطق قرت العين بالنظر إليها وأصغت الأذن إلى نطقها فينفتح لها القلب وينشرح لها الصدر وتسكن إليها النفس ويتحقق فيها قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [سورة الروم:21].
ثم ذيل الحديث بأفضل صفة وهي صفة الدين وهي الجمال المعنوي فكلما كانت المرأة ذات دين وخلق كانت أحب إلى النفس وأسلم عاقبة، فهي قائمة بأمر الله حافظة لحقوق زوجها وفراشه وأولاده وماله معينة له على العبادة، إن نسي ذكرته وإن تثاقل نشطته وإن غضب أرضته وقد سئل عليه الصلاة والسلام أي النساء خير قال: "التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره"(رواه النسائي )
وقد قيل أربع من السعادة: المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء.
وكان ابن مسعود يقرأ القرآن فإذا فرغ قال: أين العزاب؟ فيقول ادنوا مني ثم يقول لكل واحد: قل: اللهم ارزقني امرأة إذا نظرت إليها سرتني وإذا أمرتها أطاعتني وإذا غبت عنها حفظتني.
وورد أيضاً "لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تنكحوا النساء لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن وانكحهوهن على الدين فلأمة سوداء خرقاء ذات دين أفضل" (رواه ابن ماجه).
يقول الإمام الغزالي: آداب الرجل إذا أراد النكاح: يطلب الدين ثم بعده الجمال والمال والحسب وفي الحديث:"الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة".
يقول أحدهم: النساء أنواع :
واحدة كالغل في العنق، وأخرى وعاء للولد وثالثة لا نفع ولا ضرر ورابعة تعين زوجها على الدين فهي خير للمرء من عينيه ويديه.
وقال غيره: المرأة التقية الصالحة هناء للنفس وراحة للفكر ومتعة للحياة.
وقال آخر: اعلم أن العيش كله مقصور على الحليلة الصالحة، والبلاء كله موكل بالقرينة السوء التي لا تسكن النفس إلى عشرتها ولا تقر العيون برؤيتها وفي حكمة سليمان بن داوود: المرأة العاقلة تعمر بيت زوجها والمرأة السفيهة تهدمه.
يقول الغزالي: وليس أمره صلى الله عليه وسلم بمراعاة الدين نهيا عن مراعاة الجمال، ولا أمرا بالإضراب عنه، وإنما هو نهي عن مراعاته مجردا عن الدين، فإن الجمال في غالب الأمر يرغب الجاهل في النكاح دون الالتفات إلى الدين فوقع في النهي عن هذا.
ومعنى كلام الغزالي أنه ليس المقصود في الأحاديث أن مطلب الجمال مذموم إنما المراد أن لا يقتصر عليه في طلب الزواج وإلا فإن للجمال اعتباره فقد حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"(رواه الخمسة إلا أبا داود)، (( وهذا النظر قبل عقد النكاح وسيأتي بيانه بإذن الله)).
والأحاديث فيها حث على طلب الجمال والتمتع بالحلال لأن جمال المرأة يعود فضله على زوجها حيث تنكسر شهوته عن غير زوجته الجميلة وفيه فوز بالآخرة.
فهذا هو المقصود ولكن كما سلف لا يجعل الجمال هو الأساس.
ومما قالوا: المرأة الجميلة تملك القلوب لكن المرأة الفاضلة تسرق العقول، فالأولى: ملكت ما سمي ((قلبا)) لكثرة تقلباته والثانية: اقتنت كنز ((الحكمة)) ومركز حقيقة الإنسان.
ورب جميلة بدون دين يصونها جرت على أسرتها الويلات.
لا تركنن إلى ذي منظر حسن         فرب رائقة قد ساء مخبرها
ما كل صفر دينار لصفرته         صفر العفارب أرداها وأنكرها
ومما قيل:
جمال الوجه مع قبح النفوس           كقنديل على قبر المجوسي!
واعلم أخي أن الجمال ليس في العيون الزرقاء ولا الخضراء ولا السوداء ولا العسلية ولا الكبيرة أو الصغيرة ولا ذات الرموش الطويلة أو القصيرة إنما الجمال في العيون التي إذا ما نظرت إليك وأنت غاضب لم تعد غاضبا.
واعلم أيضاً أن الجمال لا يدوم والمرأة الجميلة والدميمة تتساويان متى أطفئت الأنوار.
وإليك هذه القصة المعاصرة:-
يرويها صاحبها ويقول: أنا شاب أردت الزواج وكان شرطي في شريكة حياتي أن تكون جميلة فقط ولم ألتفت إلى غير ذلك وفي ليلة الزفاف لم تقع من نفسي موقعا حسنا ولم تعجبني فأصابني إحباط بل حتى أبي أخذ ينظر إلي وكأني أقرأ في عينيه أنه يقول: لو فارقتها لكان أفضل ولكني صبرت قليلا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ولم أرد إحداث فتنة من أول ليلة، ولكن أحسست أني مخدوع بهذه المرأة الغير جميلة ولم يتحقق شرطي الذي كنت أسعى إليه.
ومرت أيام قليلة فتغيرت نظرتي لها، مما رأيته من جمال روحها وحشمتها وكلامها ومعاملتها مما جعلني لا أرضى بها بديلا، وصارت في عيني أفضل من فتيات الدنيا كلها، فلقد قام جمال خلقها مقام جمال خلقها
وقيل: عرضت على المأمون جارية بارعة الجمال فائقة الكمال غير أنها كانت تعرج برجلها، فقال لمولاها: خذ بيدها وارجع، فلولا عرج بها لاشتريتها فقالت الجارية: يا أمير المؤمنين إنه في وقت حاجتك لن تنظر إلى العرج فأعجبه سرعة جوابها وأمر بشرائها وصدقت والله...
وقيل: إن جارية عرضت على الرشيد ليشتريها فتأملها وقال لمولاها: خذ جاريتك فلولا كلف بوجهها وخنس بأنفها لاشتريتها فلما سمعت الجارية مقالة الرشيد قالت مبادرة، اسمع مني أيها الخليفة ما أقول فقال: قولي، فأنشدت تقول:
ما سلم الظبي على حسنه          كلا ولا البدر الذي يوصف
الظبي فيه خنس بين               والبدر فيه كلف يعرف
قال : فأعجب الرشيد من فصاحتها وأمر بشرائها.
وقديما قالوا: الجارية الحسناء تتلون بلون الشمس فهي بالضحى بيضاء وبالعشى صفراء وأنشد أحدهم:
بيضاء قد تنازعها             لونان من فضة ومن ذهب
وقالوا: ليست المرأة الجميلة التي تأخذ ببصرك جملة على بعد، فإذا دنت منك لم تكن كذلك، بل الجميلة التي كلما كررت بصرك فيها زادتك حسنا.
بعد هذا لا تجعل الجمال الحسي هو المصب الرئيس ولكن فكر في الجمال المعنوي فهو الذي يدوم.
ليس الجمال بأثواب تزينها              إن الجمال جمال الدين والأدب
فعليك بالمخبر وليس المظهر
بنات حواء أعشاب وأزهار             فاستلهم العقل وانظر كيف تختار
فلا يغرنك الوجه الجميل فكم          في الزهر شم وكم في العشب عقار
وكذلك المال، فليس المقصود في الأحاديث أن مطلبه مذموم ولكن لا يكون هو الأساس أيضا.
وللمال اعتباره قال عليه الصلاة والسلام: "نعم المال الصالح للرجل الصالح" ( رواه أحمد) أما أن يكون المال هو الهدف من الزواج
فهذا هو الخطأ فرب مال كان سببا لنهاية سعادة ، وانفصال مودة ، وخراب سكن وضحية أولاد وجريمة مجتمع.
وإن الأسرة التي تبنى على النهم المادي في مال المرأة والطمع في غناها، أسرة سريعة الانهيار لأن الرجل يتزوج المرأة طمعا في مالها وحين تحس المرأة بشراهة الرجل المادية تتأزم الحياة وتصبح العلاقة بين الزوجين علاقة شد وجذب لأنها قامت على طمع التاجر فإن أعطي رضي وإن لم يعط سخط وعندما لا يلقى الرجل من المرأة إلا الصد يضيق بها ذرعا وحياة بدأت تجارة خاسرة ستنتهي إلى البوار,  أما إذا كانت المرأة ذات مال ودين فالمال ليس هدفا بذاته في بناء الأسرة وإنما جاء تبعا فالمال قد يعين في الملمات وقد يكون مساعدا للزوج العفيف ومعينا للمرأة الصالحة.
وفي مجتمعنا اليوم خير شاهد على ذلك فتجد الزوجين يتنازعان على مرتب الزوجة، ويقعان في صراع دائم فالزوج يريد المرتب له والزوجة لا ترضى بمثل هذا الجشع وقد يغلب على أمر أحدهما فيعيش مع الآخر بكره، وتتضخم التوافه والزلات فيؤول الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، ولو أنهما أحسنا التفكر لكان الأمر محلولا، فالإفراط والتفريط مرفوضان تماما والوسطية هي الأفضل والأكمل فالزوجة تعطي الزوج بطيب نفس وخاطر شيئا من مالها وتساعد زوجها في بعض المتطلبات التي تنقصه وهي مأجورة على ذلك لأنه من التعاون الذي حث عليه ربنا بقوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } [سورة النجم: 38] وحث عليه رسولنا بقوله: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (رواه مسلم).
أما أن يأخذ الزوج مالها أو بعضه ولو كان ريالا واحدا بغير رضاها فهو آثم وظالم وواقع في الحرام وآكل للحرام.
وليس المقصود في الحديث كذلك أن الحسب مذموم ولكن لا يجعل هو الأساس ولا يقتصر عليه فلا يكن همنا في اختيار الزوجة هو حسبها ولكن إن حصل الحسب مع بعض الصفات الطيبة المذكورة فهو حسن وإن لم يحصل فالحمد لله ولا تترك بنت صالحة خلوقة لأن أهلها ليس لهم كبير حسب فما ذنبها والله يقول: { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}...
وسيأتي بعض الكلام عن ذلك في النهي عن الزواج من خضراء الدمن.
ومن الصفات المرغوبة أن تكون الزوجة ولوداً :
أي ليست عقيماً فقد قال صلى الله عليه وسلم: " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ".
وتعرف المرأة الولود من قرائن الحال في أسرتها وقريباتها وهذا شيء ظني ولكن لابد أن يضع الزوج ذلك في باله.
أما الزواج من العقيم فهو نزوة عابرة أو مصلحة مؤقتة وسرور بزواج من غير تبعات. وعن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: لا ثم أتاه الثانية فنهاه رسول الله ثم أتاه الثالثة: فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "تزوجوا الودود الولود.."
ومن الصفات أن تكون الزوجة بكراً .
ولقد حث الإسلام على البكر وهي التي لم توطئ بعد لأن البكر تحب الزوج وتألفه أكثر من الثيب وهذه طبيعة جبل الإنسان عليها (أعني الأنس بأول مألوف)، وفي الحديث عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"عليكم بالأبكار فإنهن أنتق أرحاما وأعذب أفواها وأقل خبا وأرضى باليسير" (رواه ابن ماجه والطبراني). وتزوج جابر ثيبا فقال له رسول الله: "هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك".
وقد قيل:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى            ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى              وحنينه أبدا لأول منـزل
ولهذا قال بعضهم: النساء ثلاثة واحدة لك وواحدة عليك وواحدة لا لك ولا عليك.
فأما التي لك فهي البكر التي لم تر غيرك، إن رأت خيرا حمدت الله، وإن رأت غير ذلك قالت: هكذا الرجال أجمع، وأما التي عليك فهي من كان لها ولد من زوج قبلك فهي تجمع له وتلحق بك الخسارة لأجله وإرضاء رغبته.
وأما التي لا لك ولا عليك غالبا هي الثيب إن رأت خيرا قالت: هكذا يجمل بي وإن رأت شرا حنت إلى زوجها الأول، ولو كان مسيء إليها وهذا إذا كنت أنت وزوجها الأول متقاربان في السن والكرم والغنى والعفاف وإن كنت دونه سمعت ما يسوؤك ويؤلمك ورأيت ما يحزنك ويقلقك من ذكر زوجها الأول وأفعاله لمزا وهزبا ولهذا قال بعضهم محذرا عنها:
ولا تنحكن الدهر ما عشت أيما                       مجربة قد مل منها وملت
وقيل لبعضهم: قد كرهت امرأتك شيبتك فقال: إنما مالت إلى الإبدال لقلة المال، وإنه لو كنت في سن نوح وشيبة إبليس وخلقة منكر ونكير ومعي مال لكنت أحب إليها من مقتر في جمال يوسف وخلق داوود وسن عيسى وجود حاتم وحلم أحنف.
عانق من النـسوان كـل فتية                          أنفاسها كروائح الريـحان
أحذرك من نفس العجوز وبضعها                        فهما لجسم ضجيعها سقمان
وقيل: خدعت امرأة عجوزا رجلا بخضاب كفيها بالحناء والتزين بأنواع الزينة المختلالة من استعمال الأصباغ ولبس الثياب الجميلة فظنها امرأة صغيرة في السن وتزوجها وبعد الدخول بها تبينت له الحقيقة فأنشد أبياتا لطيفة وضح فيها أن أنواع الزينة المختلفة من حناء وغيرها إذا اشترتها المرأة من العطار أي (التاجر الذي يبيع ما تتزين به النساء من زينات) وبالفعل استعملتها فإن ذلك لا يغير الحقيقة، فقال:
عجوز تـمنت أن تكون فتية                            وقد يبس الجنبان واحدودب الظهر
تروح إلى العطار تبغي شبابها                              وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
بنيت لها قبل الـمحاق بليلة                             فـكان مـحاقا كله ذلك الشهر
وما غرني إلا الخضاب بكفها                             وحـمرة خديها وأثوابـها الصفر
وقيل: استشار رجل داوود عليه السلام في التزويج فقال له: سل سليمان وأخبرني بجوابه، فصادفه ابن سبع سنين وهو يلعب مع الصبيان راكباً قصبة فسأله: فقال: عليك بالذهب الأحمر أو الفضة البيضاء واحذر الفرس لا يضربك، فلم يفهم الرجل ذلك، فقال له داوود عليه الصلاة والسلام: الذهب الأحمر البكر، والفضة البيضاء الثيب الشابة.
وقيل عن الثيب أيضا: هي فضالة المأكل، وثمالة المنهل، واللباس المتبذل، والوعاء المستعمل، والذواقة المتطرفة، والخراجة المتصرفة، والوقاح المتسلطة، والمحتكرة المتسخطة، ثم تكثر من قول: ((كنت وصرت)) و ((طالما بغي علي فنصرت)) و ((شتان بين اليوم والأمس)) و ((هيهات القمر من الشمس)) وإن كانت الحنانة البر لك والطماحة الهلوك فهي الغل القمل. والجرح الذي لا يندمل.
وقد مدح الله الأبكار وجعل هذه الصفة من صفات نساء الجنة قال تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} [سورة الواقعة:36].
يقول الغزالي: في البكر خواص لا توجد في الثيب، منها: أنها لا تحن أبدا إلا للزوج الأول، واحمد الحب ما يقع من الحبيب الأول.
ومنها: إقبال الرجل عليها وعدم نفوره منها فإن طبع الإنسان النفور عن التي مسها غيره ويثقل عليه ذلك.
ومنها: أنها ترضى في الغالب يحميع أحوال الزوج لأنها أنست به ولم تر غيره، وإما التي اختبرت الرجال ومارست معهم الأحوال فربما لا ترضى بعض الأوصاف التي تحالف ما ألفته.
قال ابن عبد المؤمن في شرح المقامات: قيل لأبرويز الحكيم: ما لذة ساعة؟ فقال: الجماع.
فقيل له: ما لذة يوم ؟ فقال: الحمام.
فقيل له: ما لذة جمعة ؟ فقال: النورة.
فقيل له: فما لذة سنة؟ فقال: تزوج البكر.
فقيل له: ما لذة الأبد؟ فقال "أما في الدنيا فمحادثة الإخوان، وأما في الآخرة فنعيم الجنة.
وقال آخر: أراد رجل النكاح فقال: لاستشرن أول من يطلع ثم لأعملن برأيه.
فكان أول من طلع عليه هبنقة القيسي وهو راكب على قصبة فقال له: إني أردت النكاح فما تشر علي؟
فقال: البكر لك، والثيب عليك، وذات الولد لا تقرها، واحذر جوادي أن (يرمحك).
ولأبي محمد الحريري رحمه الله في إحدى مقاماته: فصل في تفضيل البكر على الثيب قال فيه:
أما البكر فالدرة المخزونة والبيضة المكنونة، والثمرة الباكورة، والسلافة المذخورة، والروضة الأنف، والطوق الذي ثمن وشرف، لم يدنسها لامس ولا استرشاها لابس، ولا مارسها عابث، ولا أوكسها طامث، ولها الوجه الحيي، والطرف الخفي، واللسان العيي، والقلب النقي، ثم هي الدمية الملاعبة، والغزالة المغازلة والملحة المكاملة والوشاح الطاهر القشيب والضجيع الذي لا يشب ولا يشيب.
قال ابن الجوزي: عرضت على المتوكل جارية فقال لها: أبكر أنتِ أم إيش؟
فقالت: إيش، يا أمير المؤمنين.
فضحك منها واشتراها.
ونظر إياس بن معاوية المشهور بالفطنة والألمعية إلى جوار ثلاث فقال:
أما هذه فبكر، وأما هذه فحامل، وأما هذه فمرضع.
فنظرن فوجدن كذلك، فسئل: من أين علمت ذلك؟
فقال: إني رأيتهن فزعن من شيء فوضعت كل واحدة منهن يدها على أهم المواضع عندها، فأما إحداهن فوضعت يدها على فرجها، فعلمت أنها بكر، وأما الأخرى فوضعت يدها على بطنها فعلمت أنها حامل، وأما الأخرى فوضعت يدها على ثديها فعلمت أنها مرضع.
واشترى رجل جارية على أنها بكر حملها إلى مترله فذكر له نساؤه أنها ثيب فاختصم فيها البائع مع المشتري عند القاضي فقضى أن تودع الجارية عند رجل أمين إلى أن تكشف القوابل أمرها فاختارا معا أن تودع عند إمام مسجد هناك، فلما أصبح الإمام وصل إلى القاضي وهو يتأوه، وقال: يا مولانا القاضي ذهبت الأمانة من الناس. فسأله القاضي عن قصته فقال:
إن مشتري الجارية قد اطمأن إلى بائعها وأخذها على أنها بكر فخدعه فيها وخانه، وإني قد جربتها البارحة فوجدتها ثيبة واسعة فمن ذا الذي يوثق به بعد ذلك ويركن إليه!!!
ولا يعنى كل ما سبق أن الثيب مذمومة إطلاقا، لا، وليس حسنا أن نبالغ في ذمها إلى درجة التنفير منها فكم من ثيب هي خير من بكر، وخير مثال زوجاته عليه الصلاة والسلام أمهات المؤمنين وكلهن ثيبات ما عدا عائشة رضي الله عنها والله تعالى يقول:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [سورة التحريم:5]. فقدم الثيب في هذه الآية على البكر.
وقد قيل في مدح الثيب: أما الثيب فالمطية المذللة واللهنة المعجلة والنغية المسهلة والصناعة المدبرة والفطنة المختبرة ثم إنها عجالة الراكب وأنشوطة الخاطب ونهزة المبارز عريكتها لينة وعقلتها هينة ودخلتها متبينة وخدمتها مزينة.
وليس غريبا أن نمدح الثيب ولكن الغريب أن بعض الحكماء فضلها على البكر، بل وذم البكر وهذا ليس على إطلاقه طبعاً فيقول في ذم البكر.
هي المهرة الأبية العنان، والمطية البطيئة الإذعان، والزندة المتعسرة الاقتداح، والقلعة المستصعبة الافتتاح، ثم إن مؤنتها كبيرة ومعونتها يسيرة، وعشرتها صلفة، ودالتها مكلفة، ويدها خرقاء.
وفتنتها صماء، وعريكتها خشناء، وليلتها ليلاء، وفي رياضتها عناء، وعلى خبرتها غشاء، وطالما أخرت المنازل، وتركت المغازل، وأحنقت الهازل، وأضرعت الفتيق البازل.
ثم إنها التي تقول: أنا ألبس وأجلس فأطلب من يطلق ويحبس.
والمقصود من الكلام السابق عن البكر (( إن مؤنتها كبيرة ومعونتها يسيرة )) وأن الثيب ((هي عجالة الراكب وأنشوطة الخاطب)) إشارة إلى قول عمر رضي الله عنه: ((البكر كالبرة تطحن ثم تعجن ثم تخبز ثم تؤكل، والثيب عجالة الراكب تمر وسويق)) يشير بذلك إلى سهولة أمر الثيب، وأن البكر تحتاج في تزويجها والبناء بها إلى كلف شديدة، وعلى كل حال فإن كانت هناك مصلحة وجيهة للزواج من الثيب فلا بأس وخير مثال زواجه صلى الله عليه وسلم من نساء ثياب لمصلحة الإسلام والدعوة إلى الله عن طريق قبائلهن وعشائرهن وقد تحقق ذلك لرسول الله فما أعظم نظره وما أرجح عقله.
وقد بارك رسول الله لجابر لزواجه من الثيب بعد أن علم صلى الله عليه وسلم أنه تم الزواج لتقوم الزوجة برعاية أخوات جابر التسعة، يقول جابر: هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات فتزوجت امرأة ثيبا فقال لي رسول الله: تزوجت يا جابر؟ قلت: نعم فقال: أبكرا أم ثيبا؟ فقلت: بل ثيبا، قال: فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك.
قال فقلت: إن عبد الله هلك وترك بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن. فقال رسول الله: بارك الله لك (رواه البخاري).
ومن الصفات أن تكون الزوجة متعلمة وراجحة العقل حسنة التدبر. حتى يتحقق الهدف من الزواج ويكون فيه تعاون بين الزوجين من جميع الوجوه ويسهل على كل واحد منهما فهم الآخر. وكم من زواج انتهى بالفشل الذريع، لما لم يكن هناك تفاهم ولا حسن تصرف وقد قيل: الجاهل عدو نفسه.
ودونك بيتا قد تحلى به النهى                         كما يتحلى معصم بسواره
إذا لم يكن في منزل المرء حرة                         تدبره ضاعت مصاع داره
ومن الصفات أن لا تكون صغيرة صغرا مفرط ولعل أول ما يخطر بالبال أن يقول الزوج لماذا لا أتزوج الصغيرة؟ فيقال: المقصود عدم الزواج بالصغيرة صغرا يظهر فيه الفرق الشاسع في العمر كمن يكون عمره فوق الخمسين فيتزوج بنتا دون الخامسة عشرة مثلا لما قد يؤدي إليه من محاذير ومساوئ كثيرة خاصة في هذا الزمان الذي ضعف فيه الوازع الديني عند الكثيرين.
قال ابن الجوزي: ((وأبله البله الشيخ الذي يطلب صبية.. ولعمر الحق إن كمال المتعة إنما يكون بالصبا ومتى لم تكن الصبية بالغة، لم يكمل بها الاستمتاع! فإذا بلغت أرادت كثرة الجماع، والشيخ لا يقدر! فإن حمل على نفسه، لم يبلغ مرادها وهلك سريعا!))
ولا ينبغي أن يغتر بشهوته إلى الجماع، فإن شهوته كالفجر الكاذب! وقد رأينا شيخا اشترى جارية. فبات معها، فانقلب عنها ميتا!..
ويذكر أن شابا بقي شهرين مريضا فدخلت عليه زوجته فوطئها، فانقلب عنها ميتا!
فبان أن النفس باقية بما عندها من الدم والمني، فإذا فرغا ولم تجد ماء تعتمد عليه ذهبت...
وإن قنع الشيخ بالاستمتاع من غير وطء، فهي لا تقنع فتصر كالعدو له، فربما غلبها الهوى ففجرت! أو احتالت على قتله. خصوصا الجواري اللواتي أغلبهن قد جئن من بلاد الشرك ففيهن قسوة قلب، وقبيح بمن عبر الستين أن يتعرض بكثرة النساء، فإن اتفق معه صاحبة دين قبل ذلك، فليرع لها معاشرتها، وليتمم نقصه عندها تارة بالإنفاق، وتارة بحسن الخلق، وليزد في تعريفها أحوال الصالحات والزاهدات، وليكثر من ذكر القيامة، وذم الدنيا، وليعرض بذكر محبة العرب، فإنهم كانوا يعشقون ولا يرون وطء المعشوق كما قال قائلهم:
إنـما الحب قبلة                       وغمز كف وعضد
ما الحب إلا هكذا                      إن نكح الحب فسد
فإن قدر أن يشغلها بحمل أو ولد عرقلها به، فاستبقى قوته في مدة اشتغالها بذلك! فإن وطأ فليصبر على الإنزال حفظاً لقوته، وقضاء لحقها.
وقد قيل لبشر: لم لم تتزوج؟! فقال: علي ما أغر مسلمة؟ وقد قال عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [سورة البقرة:238].
والمسكين من دخل في أمر لم يتلمح عواقبه قبل الدخول! ورأى حبة الفخ، فبادر طالبا لها ناسيا تعرقل الجناح والذبح!!.
ومجموع ما قد بسطته حفظ البصر عن الإطلاق ويأس النفس عن التحصيل قنوعا بالحاصل خصوصا من علت سنه، وعلم أن الصبية عدو له متمنية هلاكه، وهو يربيها لغيره!!
وفي بعض ما ذكرته ما يردع العاقل من التعرض لهذه الآفات). انتهى
فإن قيل إن رسول الله تزوج عائشة أم المؤمنين وعمرها ست سنوات وبني بها وعمرها تسع سنوات وكان عمره ثلاثة وخمسين فنقول: إن هذه الحال تخرج عن القاعدة لأسباب منها: أولا: أن شخصية رسول الله لا يمكن مقارنتها بأي شخصية أخرى. ولذلك كانت عائشة سعيدة بهذا الزواج وقد خيرت قبل ذلك فاختارت رسول الله.
ثانياً: أن غاية رسول الله من هذا الزواج هي زيادة الروابط بينه وبين أبي بكر.
ثالثاً: قوة دين عائشة وعفتها فلا يمكن تصور وقوع محظور من هذا الزواج
ومن الصفات الحسنة ما قاله صعصعة لمعاوية عندما سأله: أي النساء أحب إليك؟ قال: المواتية لك فيما تهوى، قال: فأيهن أبغض إليك؟ قال: أبعدهن لما ترضى.
قال معاوية: هذا النقد العاجل فقال صعصعة: بالميزان العادل.
وسئل أعراب عن النساء فقال: أفضل النساء أطولهن إذا قامت وأعظمهن إذا قعدت، وأصدقهن إذا قالت، التي إذا غضبت حلمت، وإذا ضحكت تبسمت، وإذا صنعت شيئاً جودت، التي تطيع زوجها وتلزم بيتها، العزيزة في قومها الذليلة في نفسها، الودود الولود التي كل أمرها محمود.
ويروى أن العجفاء بنت علقمة السعدي وثلاثة نسوة من قومها خرجن فاتعدن بروضة يتحدثن فيها، فوافين بها ليلاً في قمر زاهر، وليلة طلقة ساكنة وروضة معشبة خصبة، فلما جلسن قلن: ما رأينا كالليلة ليلة، ولا كهذه الروضة روضة، أطيب ريحاً ولا أنضر، ثم أفضن في الحديث فقلن: أي النساء أفضل؟ قالت إحداهن: الخرود الودود الولود، وقالت الأخرى: خيرهن ذات الغناء، وطيب الثناء،
وشدة الحياء، وقالت الثالثة: خيرهن السموع الجموع النقوع غير المنوع، وقالت الرابعة: خيرهن الجامعة.
ومن الصفات ما ذكره الله تعالى بقوله:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [سورة التحريم:5]
وقوله:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [سورة الأحزاب:35].
ومن الصفات ما ذكرته عائشة أم المؤمنين عندما سئلت أي النساء أفضل؟ فقالت:" التي لا تعرف عيب المقال، ولا تهتدي لمكر الرجال، فارغة القلب إلا من أهلها"، ومما قيل في اختيار الزوجة:
لا تسأل عن المدرسة التي تعلمت فيها الفتاة قبل أن تسأل عن البيت الذي ربيت فيه.
تزوج ابنة والدة صالحة.
الزواج شركة معيشة فاختر لك شريكة توافقك مشرباً وطباعاً وأخلاقاً.
وقيل:
إذا شئت يوماً أن تقارن حرة              من الناس فاختر دينها ونجارها
فمنهن من تعطي الرباح عشيرها              ومنهن من تبني بخسر تجارها
وقيل:
فإن شثت أن تختار لنفسك حرة
إياك والبيت الدني فربما
وفيهن من تأتي الفتى وهو معسرٌ
وفيهن من لا بيض الله وجهها
وفيهن من تأتيه وهو ميسر

عليك ببيت الجود خذ من خياره تُعارُ بطولٍ في الزمان بعاره
فيصبح كل الخير في وسط داره  فيصبح لا يملك حتى عليق حماره
إذا غاب عنها الزوج طلت لجاره



وقال أحد العلماء مادحاً زوجته ومبالق فيها:
مكملة الأوصاف خلقاً وخلقة
ودود ولود حرة قرشية
وباذلة نظيفة ولطيفة
شكور صبور حلوة وفصيحة
تغار من أسباب النقائص كلها
حصان رزان ليس فيها تكبر
مطاوعة للبعل يقضي أديبة
صغيرة سن في الكلام كبيرة
يشير عليها بالتفرج مرة
مدارية للأهل إن عتبت وإن
رقيقة قلب مع سلامة دينها
خدوم بقلب في جميع أمورها
ملازمة للشغل في البيت دائما
مطرزة خياطة ذهبية
تنقل في الأشغال من ذا لذا وذا
ومما ذاك من عدم فلم يخل بيتها
ولكنها اعتادت نظافة شغلها
خفيفة روح مع وقار ذكية
لها همة عليا تطول شروحها
مربية حنانة ذات رحمة
نفور إذا ارتابت ألوف لأهلها
عديمة لفظ والتفات إذا مشت
ولم ينكشف منها بنان يحار من
يعز على من يطرق الباب لفظها
يطيل وقوفا لا يجاب محرم
وحافظة للغيب صالحة أتت
تجمع فيها عفة ونزاهة
وقانتة صوامة ومدلة


فأهلاً بها أهلاً وسهلاً بها سهلا
مخدرة مع حسنها تكرم البعلا
من أظرف إنسان وأحسنهم شكلا
ومتقنة تتقن القول والفعلا
وتحفظ مال الزوج والنفس والأهلا
قنوع فلا شرب سدوم ولا أكلا
موافقة قولا وفعلا فما أعلا
نهاها يرى ممتاز أكرم به عقلا
فتأبى وقعر البيت في عينها أحلا
أحبت فلا حقد لديها ولا غلا
فلست ترى شبها بها في النساء أصلا
مباشرة للكل ما دق أو جلا
على صغر من سنها لا تني فعلا
مفصلة خطاطة تحكم الغزلا
وتفعل حتى الكنس والطبخ والغسلا
من امرأة تكفي إذا شاءت الفعلا
فعافت فعال الكل واحتملت فعلا
فتفهم ما يلقى لديها وما يتلى
على صعب الأشغال تتركه سهلا
وكل يتيم واحد عندها فضلا
فمهلا إذا قيس النساء بها مهلا
صموت فلا قطط ترد ولا وصلا
مشى معها في حفظها يدها قبلا
جوابا فلا عقدا تراه ولا حلا
عليها كلام الأجنبي وإن قلا
لحق إذا كانت مناقبها تتلا
بعقل وتدبر تراه العدا بخلا
وعزة نفس فهي تكلا ولا تقلا


وإذا توفرت الأوصاف الحسنة أو بعضها في امرأة من أهل هذا الزمان فعض عليها بالنواجذ فهي نور على نور.
وخير النساء أوصافا زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين فهن المثاليات قطعا، ولعل أن يكون هناك بحث مستقل بإذن الله في هذا الموضوع مستقبلا.
ومن الصفات الحسنة أنقلك إل الصفات السيئة التي إذا كانت في امرأة فإنه يرغب عنها :
الصفات السيئة في المرأة
روي عن أبي معشر أنه حلف رجل أنه لا يتزوج حتى يستشر مئة نفس لما قاسى من بلاء النساء، فاستشار تسعة وتسعين نفسا وبقي واحد.
فخرج يسأل أي من لقيه، فرأى رجلاً مجنونا قد اتخذ قلادة من عظم، وسود وجهه وركب قصبة كالفرس بزحمة، فسلم عليه وقال له مسألة، فقال له:
سل عما يعنيك وإياك ما لا يعنيك!
قال: فقلت له: إنني رجل لقيت من النساء بلاء واليت على نفسي أن لا أتزوج حتى أسأل
مائة رجل وإنك تمام المئة، فماذا تقول؟
فقال: اعلم أن النساء ثلاثة: واحدة لك، وواحدة عليك، وواحدة لا لك ولا عليك، فأما التي لك، فشابة ظريفة لم تمسها الرجال، إن رأت خيرا حمدت وإن رأت شرا قالت: كل الرجال كذا. وأما التي عليك فامرأة لها ولد من غيرك فهي تسلخ الرجل وتجمع لولدها، وأما التي لا لك ولا عليك، فامرأة قد تزوجت بغيرك قبلك، فإن رأت فيك خيرا قالت هذا ما نحب، وإن رأت شرا حنت إلى زوجها الأول، فقلت: أنشدك الله ما الذي صير من أمرك ما أرى!؟
قال لي: أما شرطت عليك أن لا تسأل عما لا يعنيك! فأقسمت عليه أن يخبرني فقال: إني طلبت للقضاء فاخترت ما ترى على توليه ثم انصرف وتركني!
ما جاء في هذه النصيحة ليس قاعدة صارمة، بل هي طرفة كثيرا ما شذت! فكثير ما تزوج الرجال بالثيبات فتحققت لهم السعادة.
وقد وعظ النبي صلى الله عليه وسلم النساء يوم العيد فقال: تصدقن! فإن أكثركن حطب جهنم !! فقامت امرأة سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير فجعلن يتصدقن من حليهن ويلقينه في ثوب بلال.(رواه البخاري)
وكذلك خضراء الدمن هي صفة سيئة في المرأة كما جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إياكم وخضر اء الدمن قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الجميلة في المنبت السوء" قال ابن الجوزي : ينبغي للعاقل أن ينظر في الأصول فيمن يخالطه ويعاشره ويصادقه ويزوجه أو يتزوج إليه ثم ينظر بعد ذلك في الصور.
والمرأة الجميلة في منبت السوء لقبت بخضراء الدمن تشبيها لما ينبت في الدمنة وهي السباطة، فهو يكون غضا ناضرا لا يثبت ولا ينتفع به وإذا أكلته الماشية في حال خضرتها أصابها منها وجع في بطونها، وقيل هي المرأة الجميلة التي لا أصل لها. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إياكم وخضراء الدمن فإنها تلد مثل أصلها وعليكم بذوات الأعراق فإذا تلد مثل أبيها وأخيها.
إذا شئت يوما أن تقارن حرة                       من الناس فاختر قومها ونجارها
وقال آخر:
وإياك يا هذا وروضة دمنة
وخير النساء من سرت الزوج منظرا
قصيرة ألفاظ قصيرة ببيتها
وواحدة أدنى إلى العدل فاقتنع
حسيبة أصل من كرام تفز إذا


سترجع عن قرب إلى أصلها الردي
ومن حفظته في مغيب ومشهد
قصيرة طرف العين عن كل أبعد
بولد كرام والبكارة فاقصد
وإن شئت فابلغ أربعا لا تزيد

قال الجاحظ: قال عثمان رضي الله عنه:
أيها الناس أنكحوا النساء على آبائهن وإخوانهن فإني لم أر في ولد أبي بكر الصديق أشبه منه بهذا ((وقصده عبد الله بن الزبير)).
وأم عبد الله بن الزبير هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم.
قال الأصمعي: حدثني أبو عمر بن العلاء قال: قال رجل: إني لا أتزوج امرأة حتى أنظر إلى ولدي منها، قيل: وكيف ذلك؟ قال: أنظر إلى أخيها وأبيها فإنها تجيء بواحد مثلهما.
وقال أكثم بن صيفي:
يا بني لا يغلبنكم جمال النساء على صراحة الحسب، فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف.
إذا تزوجت فكن حاذقا                              واسأل عن الغصن وعن منبته
وقال بكر الأسدي:
وأول خبث الماء خبث ترابه                         وأول لؤم المرء لؤم المناكح
قال مروان العبسي:
يا بني عبس، احفظوا عني ثلاثا: إنه لم ينقل أحد إليكم حديثا إلا نقل مثله عنكم، وإياكم والتزويج في بيوتات السوء فإن له يوما ناحتا، واستكثروا من الصديق ما قدرتم، واستقلوا من العدو.
قال ابن الدمينة في معنى ما تقدم من ذلك:
إذا كنت تبغي أيما بجهالة
فإنهما منها كما هي منهما
ولا تطلب البيت الدنيء فعاله
فإن الذي يرجو من المال عندها

من الناس فانظر من أبوها وخالها
كقدك نعلاً إن أريد مثالها
ولا يدع ذا عقل لورهاء مالها
سيأتي عليه شؤمها وخبالها

 والأيم هي المرأة التي لا زوج لها كبيرة كانت أو صغيرة بكراً كانت أو ثيبا وأنشد أبو علي:
ويعرف في مجد امرئ مجد خاله                        وينذل أن يلقى أخا أمه نذلا
وأنشد أيضاً:
عليك الحال إن الحال يسري                          إلى ابن الأخت بالشبه المبين
وقال آخر:
وأدركته خالاتُهُ فاختزلنه                             ألا إن عرق السوء لا بد مدرك
وقال آخر:
والله مـا أشــبهــا عصــام   
لا خلــق منــه ولا قـــوام
نـمت وعرق الـخال لا يـــنام
وفي حديث طويل ذكره أبو الفرج الأصبهاني أن عروة بن الورد خرج متصعلكا فدنا من منازل هذيل ليلاً وأوقد ناراً، ثم دفنها على مقدار ثلاثة أذرع، وصعد سرحة، ووصل الحي بعد وهن قال: فوقف رجل منهم على فرس له على موضع النار، وقال: أقسم بالله لقد رأيت على البعد ناراً أوقدت هاهنا، فنزل رجل فحفر قدر ذراع فلم يجد شيئاً فأقبل أهل الحي على الرجل يؤنبونه، ويقولون له: كذبت عينك، ثم انصرفوا. قال عروة فتبعت الرجل فدخل إلى بيتٍ من بيوت الحي، فدخلت وراءه واختبأت في جانب البيت، وخرج الرجل من بيته لبعض مآربه فخالفه إلى امرأته رجل آخر، وأنا أنظر فقدمت له لبناً فشرب ثم شربت بعده، وانصرف، ووصل زوجها فعرضت عليه بقية اللبن فلما ذهب ليكرَعَ فيه قال: أقسم بالله لقد شممت في هذا اللبن ريح رجل، فقالت له: وأي رجل يدخل بيتك، وجعلت تؤنبه إلى أن قر وسكن، وآوى إلى فراشه. قال عروة فقمت إلى الفرس فضرب برجله ونفخ فثار الرجل من نومه، وقال: ما كنت لتكذبيني فمالك؟ فأقبلت عليه امرأته لوما، فعاد الرجل، قال عروة: فاعروريت الفرس وسرت به ركضاً فلحقني الرجل على فرس له أنثى وسمعته يقول في ركضه: الحقي فإنك من نسله، فلما انقطع عن البيوت قلت: أيها الرجل إنك لو عرفتني لم تقدم علي، أنا عروة بن الورد، وقد رأيت الليلة منك عجباً، فأخبرني عنه، وأنا أرد إليك فرسك. قال: وما ذاك؟ قال: جئت مع قومك حتى ركزت رمحك في موضع نار كنت أوقدتها فثنوك عن ذلك فانثنيت، ثم شممت ريح رجل في إنائك وصدقت في ذلك وقد رأيت الرجل وبينه وبين زوجتك ما لا تحب فثنتك عن ذلك فانثنيت، ثم خرجت إلى فرسك فتحرك فقمت إليه ثم ثنتك زوجك فانثنيت، فرأيتك في هذه الخصال أكمل الناس، ولكنك تنثني وترجع، فضحك وقال: أما ما رأيت من صرامتي فمن قِبل أعمامي وهم من هذيل، وأما ما رأيت من لكاعتي فمن قبل أخوالي وهم بطن من خزاعة، والعرق دساس، ولولا ذلك لم يقوَ على مناوأتي أحد من العرب قال عروة: فقلت له: خذ فرسك راشداً، فقال: ما كنت لآخذه منك فإن عندي من نسله جماعة خيراً منه فخذه مباركاً لك فيه. وقال آخر:
لا تشتمن امرأً من أن يكون له                      أم من الروم أو سوداء عجفاء
وإنما أمهات القوم أوعية                             مستودعات وللإنجاب آباء
ورب مُعْرِبَةً ليست بمنجبة                           وربما أنجبت للفحل عجماء
وقال الجاحظ: قال عثمان بن أبي العاص لبنيه: يا بني إن الناكح مغترس فلينظر أمرؤ حيث يضع غرسه، والعرق السوء قل ما ينجب، وإني قد اتخذتكم في أمهاتكم.
قال الراوي: فسمع ابن عباس هذا الكلام فأمر بكتبه.
قال الزبير بسنده عن قدامة بن إبراهيم (الجمحي) قال: حضرت رجلاً من ربيعة الوفاة فقال لابنه: يا بني إذا حزبك أمر فاحكك ركبتيك بركبة من هو أسن منك، ثم استشره، قال: فمات أبي فأردت التزوج فجئت شيخاً من قومه فجلست في ناديه، فلما قام من عنده قال: ألك حاجة يا ابن أخي؟ قلت: نعم يا عم إني أريد التزوج. قال: أطويلة النسب أم قصيرة فوالله ما احترت ولا آذيت، فقال: إني أعرف في العين إذا عرفت، وأعرف في العين إذا أنكرت، وأعرف في العين إذا لم تعرف ولم تنكر.
فأما إذا عرفت فإنها تخاوض للمعرفة وأما إذا نكرت فإنها تجحظ للنكرة، وأما إذا لم تعرف ولم تنكر فإنها تسجو (سجواً).
يا ابن أخي إياك أن تتزوج إلى قوم أهل دناءة أصابوا من الدنيا بعد عسرة فتشركهم في دناءتهم ويستأثرون عليك بدنياهم. فقمت وقد اكتفيت.
ومن الصفات غير المرغوبة أيضاً ما يلي:
الخرقاء والبخيلة فكلاهما يفسدان أكثر من الإصلاح.
وكذلك يكره نكاح الحنانة والمنانة والأنانة والحداقة والبراقة والشراقة والممراض.
فالحنانة : هي التي لها ولد تحن إليه من زوج سابق أو زوج تحبه من قبلك.
والمنانة : هي التي تمن على زوجها بما تفعله وتبذله.
والأنانة : هي الكثيرة الأنين الكسلانة.
والحداقة : هي التي تسرق كل شيء بحدقتها وعينها التي تحب أن تطلع على كل شيء وتكلف زوجها.
والبراقة : هي التي تشتغل بتبريق وجهها ويديها ورجليها من تحصر وتبييض وتنميق وتحسين، وقيل أنها التي تغضب عند الطعام ولا تأكل إلا وحدها.
والشراقة : كثيرة الكلام قليلة الصمت.
والممراض : التي تتمارض غالب أوقاتها وليس فيها مرض إنما تهرب من العمل أو الاستمتاع بها فهي دائماً تعبس بوجهها مقطبة دائماً كسولة تحب النوم والراحة.
وكذلك قال بعض العرب لولده: يا بني إياك والرقوب الغضوب القطوب.
والرقوب : هي التي ترقب موت زوجها لترثه.
والغضوب : هي التي تغضب دائماً.
والقطوب : هي التي تكشر وجهها دائماً.
وعلى ذكر الحنانة، كانت عند لقيط بن زرارة (القدوري) بنت قيس بن مسعود بن خالد بن ذي الجدين، وكان يحبها وتحبه فمات عنها فخلف عليها عمرو بن جون الكندي، وكان يسمعها تكثر ذكر لقيط وتظهر الجزع عليه وتصف محاسنه، فقال لها: ويلك والله ما لقيط إلا كبعض عبيدي، فصفي لي بعض ما أعجبك من محاسنه، قالت: نعم تطيبت يوماً وقد ظعن الحي في يوم ذي زهر، وظل، وكنت نائمة فكره أن يوقظني فقعد ينتظر انتباهي ومعه فضلة من شراب، فجعل يشرب منها حتى استيقظت فحملني وركب فرسه فعرضت لنا عانة فحمل عليها فصرع منها حماراً، ثم رجع إلي ومنه ريح المسك، وريح الضراب وريح الطلاء والزهر؟ فتدليت إليه فضمني ضمة وشمني شمة فليتنى مت ثمة.
قال فتطيب عمرو وتناول من الشراب وخرج فتصيد ثم عاد إليها فضمها إلى نفسه وقال لها: ما أنا من لقيط؟ فقالت: مرعى ولا كالسعدان، وماء ولا كصداء، فطلقها فرجعت إلى قومها وقالت: ابنو علي قبة الأيمة فوالله لا جمعني الله مع رجل بعد لقيط أبداً.
وكانت عائشة بنت طلحة مغائظة لأزواجها، وكانت كثيراً ما تصف مصعب بن الزبير لعمرو بن عبيد الله بن معمر، وكانت عند مصعب قبله، وتذكر جماله وكرمه وحسن خلقه، ويكاد يموت غماً.
قال المدائني: دخل عمرو بن عبيد الله على عائشة وقد ناله حر شديد وغبار فقال لها: انفضي الغبار عني، فأخذت منديلاً وجعلت تنفض التراب به عنه ثم قالت له: ما رأيت الغبار على وجه أحد قط أحسن منه على وجه مصعب، لعهدي به يوماً وقد دخل علي وكان قد فتح فتحاً عظيماً وهو في الحديد، وكان بيني وبينه وحشة فخرجت فهنأته والغبار على وجهه، فقال: إني لأشفق عليك من رائحة الحديد، وأقبلت تصفه وعمرو يتقد غيظاً، وكاد يموت حيرة وغيرة.
قال أبو الفرج الأصبهاني :
لما تزوج الحجاج هنداً بنت أسماء بن خارجة وكانت قبله عند عبيد الله بن زياد حملها معه إلى البصرة، وبنى هناك القصر المنسوب إليه، فلما كمل بناؤه قال لها: هل رأيت مثله؟ قالت: إنه لحسن. قال: لتصدقيني. قالت: أما إن أبيت فو الله ما رأيت أحسن من القصر الأحمر وفيه عبيد الله بن زياد بناه بطين أحمر، فغضب الحجاج غضباً شديداً وطلقها بسبب ذلك، ثم بعث إلى القصر الأحمر فهدمه وبناه بنياناً آخر، ثم هدم بعد ذلك وأدخل في جامع البصرة.
قال أحدهم: سألت ناساً من أهل اليمن: إلى من أنكح؟ فقالوا: أتق الدقة المتوارثة وأنكح إلى من شئت.
قلت: وما الدقة المتوارثة؟
قالوا: أخلاق سيثة يرثها آخر عن أول.
ومن الصفات غير المرغوبة، أن تكون حمقاء جاهلة لأن النكاح يراد به العشرة الحسنة ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب معها عيش وربما تعدى ذلك إلى ولدها، وقد قيل: اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها ضياع وصحبتها بلاء ولا ينفع فيها العلاج.
لكل داء دواء يستطب به                          إلا الحماقة أعيت من يداويها
وقيل:
وجاء في الصحيح                          نقلاً عن المسيح
عالجت كل أكمة                          وأبرص مشوه
لكنني لم أطق                               قط علاج الأحمق
لا تؤاخي الأحمق فإنه يشير عليك ويجهد نفسه فيخطئ وربما يريد أن ينفعك فيضرك. وسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته. وقال ابن أبي زياد: قال لي أبي: يا بني، الزم أهل العقل وجالسهم واجتنب الحمقى، فإني ما جالست أحمق فقمت، إلا وجدت النقص في عقلي.
عن عبد الله بن حبيق قال: أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام (لا تغضب على الحمقى فيكثر غمك) وعن الحسن قال: هجران الأحمق قربة إلى الله عز وجل. وعن سلمان بن موسى قال: ثلاثة لا ينتصف بعضهم من بعض، حليم من أحمق، وشريف من دنيء، وبر من فاجر.
وكذلك روينا عن الأحنف بن قيس أنه قال: قال الخليل بن أحمد: الناس أربعة، رجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري، فذاك ناس فذكروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري، فذاك طالب فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه.
وقال أيضاً: الناس أربعة فكلم ثلاثة ولا تكلم واحداً، رجل يعلم ويعلم أنه يعلم فكلمه، ورجل يعلم ويرى أنه لا يعلم فكلمه، ورجل لا يعلم ويرى أنه لا يعلم فكلمه، ورجل لا يعلم ويرى أنه يعلم فلا تكلمه.
ويذكر أن أعرابياً تزوج امرأة فآذته ونجا منها بخمار وجبة كان قد قدمها لزوجته، فقدم عليه ابن عمه من البادية فسأله عنها فقال:
خطبت إلى الشيطان للحين بنته                       فأدخلها من شقوتي في حباليا
فأنقذني منها خماري وجبتي                            جزى الله خيراً جبتي وخماريا
وجاء في الطرافة والتندر عند العرب في صفات المرأة القبيحة ما قال عمر بن الحطاب: ثلاث من الدواهي:
جار مقامه إن رأى حسنة سترها وإن رأى سيئة أذاعها، وامرأة إن دخلت أخذتك بلسانها وذكرتك بالسوء وإن غبت عنها لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت لم يحمدك وإن أسأت قتلك.
وقال خالد الحذاء: خطبت امرأة من بني أسد فجئت إليها وبيني وبينها ستار يشف فدعت بجفنة (قدر كبير) مملوءة ثريداً مكللة باللحم، فأكلته وأتت بإناء لبن فشربته حتى كفأته على وجهها ثم قالت يا جارية: ارفعي الستار فإذا هي جالسة على جلد أسد وإذا هي شابة جميلة فقالت لي: يا عبد الله: أنا أسدة من بني أسد وهذا مطعمي ومشربي فإن أحببت أن تتقدم فافعل، فقلت أستخير الله وأنظر فخرجت ولم أعد.
وقال بعض الأعراب يصف امرأته القبيحة:
لا بارك الله في ليل يقربني                            إلى مضاجعة كالدلك بالمسد
لقد لمست معزاها فما وقعت                        فيما لمست يدي إلا على وتد
    وكل عضو لها قرن تصيب به                       جسم الضجيع فيضحي واهي الجسد
وقال أعرابي يذم امرأته:
فو الله لا فوها ببارد ولا ثديها بناهد ولا بطنها بوالد.
ورجل يصف زوجة له كانت لا تعرف له حقاً، ولا تراعي له حسناً، فهي مبتذلة لا تتجمل له، ولا تتزين له، وسليطة اللسان، فيصفها بوصف ترعوي منه النفوس، وتأنفه الأذان:
لها جسم برغوث وساق بعوضة
تبرق عيناها إذا ما رأيتها
وتفتح ذاك الفم لو رأيتها
إذا عاين الشيطان صورة وجهها
 
ووجه كوجه القرد بل هو أقبح
 وتعبس في وجه الضجيع وتكلح
توهمته باباً من النار يفتح
 تعوذ منها حين يمسي ويصبح

                    
وقال آخر:
قد دل لسانها بالزور
منتفخة الوريد وكلامها وعيد
تدفن الحسنات
تعين الحياة على زوجها
إن دخل خرجت
وإن ضحك بكت
وإن طلقها كانت حرفته
سفعاء ردهاء كثيرة الدعاء
تأكل لما وتوسع ذما
لا تطفأ نارها
ضيقة الباع
صبيها مهزول
إذا حدثت تشير بالأصابع
بادية من حجابها
تبكي وهي ظالمها
إياك وكل امرأة مذكرة منكرة


حديده العرقوب بادية الطنبوب
وصوتها شديد
وتفشي السيئات
ولا تعين زوجها على الحياة
وإن خرج دخلت
وإن بكى ضحكت
وإن أمسكها كانت مصيبته
قليلة الإرعاء
صخوب غضوب بذية دنية
ولا يهدأ إعصارها
مهتوكة القناع
وبيتها مذبول
وتبكي في المجامع
نباحة على بابها
وتشهد وهي غائبة
وسال دمعها بالفجور

فنعوذ بالله ممن هذه حالها.
وقال أحدهم:
ابتليت بمصائب ثلاث: اللغة والفقر وزوجتي، أما المصيبة الأولى فقد تغلبت عليها بالاجتهاد، وأما المصيبة الثانية فقد تغلبت عليها بالاقتصاد، وأما المصيبة الثالثة فلم أستطع التغلب عليها.
قال أحدهم: النساء ريحان بالليل شوك بالنهار
قال آخر: لا مصيبة أعظم من الجهل ولا شر أشر من النساء.
وقال غيره وقد سئل عن النساء:
قال: مفاتيح أبواب الفتن ومخازن الحزن، إن أحسنت المرأة إليك منت عليك، تفشي سرك وتهمل أمرك وتميل عليك إلى غيرك.
وقال آخر إن فيهن ثلاث خصال من خصال اليهود :
يتظلمن وهن ظالمات ......... ويتمنعن وهن الراغبات ............. ويحلفن وهن الكاذبات
فاستعيذوا بالله من شرارهن وكونوا على حذر من خيارهن.
وقيل لبعض الحكماء: مات عدوك.
فقال الحكيم: وددت أنكم قلتم تزوج
وقد قصد بذلك أن موت عدوه لم يسره ولم يفرح به لأنه عدوه قد ارتاح بموته من عذاب الدنيا وآلامها وكان هذا الحكيم يتمنى أن يتزوج عدوه ليرى من عذاب ير الدنيا المؤلم ما يجده كل رجل متزوج.
وقال آخر: المرأة مثل الثعلب، رأس صغر وفراء جميل وحيلة لا تغلب.
وقال آخر:
فإن تسألوني بالنساء فإنني                            بصير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله                       فليس له في ودهن نصيب
وقال غيره:
المرأة هي السجان الدائم لنا نحن الرجال، تحبسنا بين جدران بطنها ونحن أجنة، فإذا خرجنا إلى الحياة، وقعنا بين سياج حجرها ونحن أطفال وإذا اجتزنا بالكبر ذلك السياج، تلقينا أغلال ذراعيها فطوقت أعناقنا حتى الممات.
وقال آخر : إن النساء على عشرة أوصاف من الحيوانات. خنزير، وقرد، وكلب، وحية، وبغلة، وعقرب، وفأرة، وثعلب، وغنمة .
فأما التي كالخنزير: فهي التي لا تعرف غير الأكل، وحشو البطن، وكسر الآنية.
وأما التي كالقرد: فهي التي يكون همها في لبس الثياب الملونة، واللؤلؤ، والذهب، وتعظيم منزلتها عند بعلها.
وأما التي كالكلب: فهي التي إذا كلمها زوجها صاحت عليه، وخاصمته وسابته، ومتى نظرت إلى كيس زوجها مليء بالنقود، أكرمته وتقربت منه وقالت: ليتني أموت قبلك. وإذا رأته فقير نهرته وسبت عرضه وعايرته وهذا هو الغالب على نساء أهل هذا العصر.
وقد عبر ابن العرب عن ذلك حين سئل عن حاله مع أهله فقال:
إذا رأت أهل بيتي الكيس ممتلئاً                              تبسمت ودنت مني تمازحني
وإن رأته خلياً من دراهمه                                    تجهمت وانثنت عني تقابحني
وأما التي كالحية: فهي التي تلين كلامها لزوجها، وغالب أوقاتها شريرة فهي تشبه الحية. لمسها لين، وسمها قاتل.
وأما التي كالبغلة: فهي التي تكون حرونة، إذا وقفت في حر، وإذا ضربت لا تبرح، وتكون لجوجة منفردة برأيها، معجبة بنفسها.
وأما التي كالثعلب: فهي التي إذا خرج زوجها من البيت، أي شيء وجدته في البيت أكلته وتمردت، وفتحت باب الخصومة والمشاحنات.
وأما التي كالغنمة : فهي المباركة الرحيمة التي كل شيء يأتي منها فهو خير وسعادة وهناء.
شـر النسـاء
قيل لأعرابي: صف لنا شر النساء
فقال: شرهن النحيفة الجسم .. القليلة اللحم ..  المحياض .. الممراض.. لسانها.. كأنه حربة.. تبكي من غير سبب.. وتضحك من غير عجب .. عرقوها حديد .. منتفخة الوريد ..كلامها وعيد .. صوتها شديد .. تدفن الحسنات.. وتفشي السيئات .. تعين الزمان على زوجها .. ولا تعين زوجها على الزمان ..إن دخل خرجت .. وإن خرج دخلت .. وإن ضحك بكت .. وإن بكى ضحكت .. تبكي وهي ظالمة.. وتشهد وهي غائبة .. قد دلى لسانها بالزور .. وسال دمعها بالفجور .. ابتلاها الله بالويل والثبور .. وعظائم الأمور .. هذه هي شر النساء..
وقيل في حكمة داوودعليه السلام: ((أن المرأة السوء مثل شرك الصياد لا ينجو منها إلا من رضي الله تعالى عنه)). وقيل: المرأة السوء غل يلقيه الله تعالى في عنق من يشاء من عباده. ويقال: إن المرأة إذا!نت مبغضة لزوجها فإن علامة ذلك أن تكون عند قربها منه مرتدة الطرف عنه، كأنها تنظر إلى إنسان غيره من ورائه وإن كانت محبة له لا تقلع عن النظر إليه.
وقال آخر: المرأة هي المرأة جميلة كانت أو دميمة فهي ليست ذات قيمة، فالدميمة توجع القلب والجميلة توجع الرأس.
وقال آخر: عاديت الأعداء فلم أر أعدى لي من نفسي، وصاحبت الشجعان والسباع فلم يغلبني إلا صاحب السوء، وصارعت الأقران فلم أر أغلب من المرأة السليطة.
وقال غيره: لا تصدق المرأة وإن كانت صادقة .... إذا ابتسمت.. وإذا بكت... إذا قالت نعم.. وإذا قالت عمرها .. إذا أظهرت لك الحب.. وإذا قالت أنها لا تعرف الحب.. إذا قالت أنها لا تريد أن تتزوج .. إذا قالت أنها تستسلم للعقل أكثر من العواطف..إذا قالت أنها تحب الله أكثر من الفستان الجديد.. إذا قالت أنها لا تعمل أبداً مكياج لوجهها.. إذا بلغت الخمسين، وظل شعرها أسود .. إذا قالت أنها سئمت الحياة..
وقال آخر:
رأيت الهم في الدنيا كثير                            وأكثره يكون من النساء
فلا تأمن لأنثى قط يوماً                             ولو قالت: نزلت من السماء
وقال آخر:
لقد كنت محتاجاً إلى موت زوجتي                        ولكن قرين السوء باق معمر
فيا ليتها صارت إلى القبر عاجلاً                          وعذبـها فيه نكير ومنكر
وقال آخر:
تنحي فاجلسي مني بعيداً                             أراح الله منك العالمين
أغربالاً إذا استودعت سراً                           وكانوناً على المتحدثين
حياتك ما علمت حياة سوء                          وموتك قد يسر الصالحين
وقال آخر:
إن النساء شياطين خلقن لنا                             نعوذ بالله من شر الشياطين
فهن أصل البليات التي ظهرت                          بين البرية في الدنيا وفي الدين
فقالت له زوجته:
إن النساء رياحين خلقن لكم                            وكلكم يشتهي شم الرياحين
وهذه الأبيات نسبها بعضهم إلى علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة رضي الله عنهما. وهذا من قبيل المداعبة ولا يعقل أن علياً يقول هذا على سبيل السب والشتم للنساء. كما ادعى بعضهم.
وقيل: أربع من الشقاوة: الجار السوء والمرأة السوء والمركب السوء والمسكن الضيق.
وفي الحديث ((الشؤم في الدار والمرأة و الفرس)) (رواه البخاري).
وهذا الحديث يفهمه بعض الناس فهماً خاطئاً!!.
يقول علي محفوظ: ومن البدع اعتقاد الشؤم أو الخير والسعادة في مثل المنازل والأزواج والدواب والضيف فإذا حصل شيء من الخير أو الشر بالمصادفة عند حدوث شراء مسكن أو السكن فيه أو عقد زواج أو شراء دابة أو قدوم ضيف زعموا أنه منها، وربما استأنسوا لذلك هذا الحديث الذي رواه البخاري وهو خطأ منهم، فقد ورد في بعض تفسير الشؤم والبركة في هذه الأمور أن أسماء بنت عميس قالت: قلت يا رسول الله ما شؤم الدار؟ قال: ضيق مساحتها وخبث جيرانها، قيل فما شؤم الدابة؟ قال منعها ظهرها وسوء خلقها، قيل فما شؤم المرأة قال: عقم رحمها وسوء خلقها) (رواه الطبراني).
ومن الصفات القبيحة في المرأة أن تكون قليلة الدين وأقبح منها تاركة الصلاة فهي أقبح من حمار أهلها. وتمسك المرأة بالدين وآدابه يكسوها حلة من الجمال باطناً وظاهراً فإن قل تمسكها بالدين كسد جمالها، والتزامها بالصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها يزيد بهاءها وفي الحديث: ((الصلاة نور)) (رواه أحمد وأهل السنن).
أما تاركة الصلاة فهي كافرة لا تحل زوجة لمسلم محافظ على الصلاة ولا يجتمع الإيمان والكفر ولا الطيب والحبيث ولا النور والظلام والله يقول: { لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } [سورة الممتحنة:10].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" (رواه أهل السنن) وعلى هذا فلا يحل للرجل أن يتزوج بامرأة لا تصلي. فلا بد للزوج أن يعرف مدى التزامها بدين الله ومحافظتها على تعاليم الإسلام كي يسعد دنيا وآخرة بإذن الله.
إنصـاف
أخيراً بعد استعراض كلام المادحين للمرأة وكذلك الذامين لها رأينا أن الذي مدح قد بالغ والذي ذم أيضاً بالغ، والذي ينبغي هو التوسط دائماً فلا إفراط ولا تفريط ولذلك يقول أحدهم منصفاً: المرأة مبعث الأنس والهناء، أو سبب العذاب والشقاء في الحياة، فهي لذة البصر ونوره، أو قذى العين وضررها، هي مهذبة النفوس بكمالها أو معذبة القلوب بدلالها.
وهي التي تدخل الدار فتجعلها روضة ناضرة باسمة مهما كانت مصاعب الحياة، أو تدخلها فتجعلها كالصحراء برمالها وقيظها وعواصفها أو تجعلها كالقبر.
وعلى كل حال فالزوجة بشر يعتريها النقص وقد لا تجد امرأة كاملة تتصف بجميع الصفات المرغوبة ولا بريئة من الصفات المذمومة ولكن حسبي أني أوضحت شيئاً من الصفات الحسنة لتدخل في مضمار اختيارك لزوجتك وشيئاً من الصفات القبيحة لتتجنبها وبعد تأثير الفتن والمغريات وقلة المحافظة على الدين فإن كثير من الناس اليوم من الصالحين، قد لا يجد امرأة صالحة ولكن يكفيه أنها محافظة على الصلاة والأخلاق الفاضلة.
وفيما نطالب الزوج بأن يتحرى المرأة الصالحة ولا يفرط في أهمية اختيار الزوجة فإننا نلاحظ التفريط في المقابل عند بعض الشباب الذين يشترطون في الزوجة أن لا تكون ذات دين ويعدون الدين تزمت ورجعية ولا يريدون التستر فهو تخلف لاسيما في عصر الحضارة-كما زعموا- وهذا تساهل في موضوع الزواج ولا بارك الله لزوج طلب هذه الصفات في زوجته.
ونرى كذلك في المقابل التشديد عند بعضهم ممن يشترطون في شريكة حياتهم شروطاً صعبة قد لا تتحقق ويضيعون الوقت وهم لا يسلمون من الفتنة ويؤخرون الزواج لأجل ذلك فهذا غير حسن وقد تكون الشروط خيالية فيتعب حتى الأهل مع ابنهم.
ونحن عندما نتكلم عن اختيار الزوجة وأهميته لا يعني أن نبالغ في هذا الأمر إذ الكمال لله وحده.
إليك أحد الأمثلة التي تبين تشدد بعض الشباب في اختيار شريكة الحياة وتكلفهم في هذا الأمر، يقول أحدهم: احترت في مسألة الزواج واختيار الزوجة:
فإن كانت جميلة تخونني .... وإن كانت بشعة لا تعجبني ..... وإن كانت متكبرة تحتقرني ... وإن كانت غنية تحكمني ....... وإن كانت فقيرة تحزنني ...... وإن كانت ممروضة تكلفني ..... وإن كانت عاقرا تقهرني ..... وإن كانت عالمة تتفلسف علي ...... وإن كانت سفيهة تشتمني ...... وإن كانت فصيحة تنتقدني .....وإن كانت لا تبالي تثيرني ....... وإن كانت باردة تغيظني ........ وإن كانت مجنونة تجننني ....... وإن كانت ثقيلة تتعسني ........ وإن كانت بخيلة تجوعني ...... وإن كانت كريمة تخجلني ....... وإن كانت قوية تضربني ..... وإن كانت، وإن كانت، فماذا تنصحني؟؟ و(بدون تعليق).
ابتعد عن العشق قبل أن تحصل الموافقة عليك
الحب أمر جبلي في أبناء آدم وهو شيء غريزي ولكن لا بد أن يكون مضبوطاً بضوابط شرعية حتى لا تكون عواقبه سيئة فإن كان الحب قد وقع قبيل اختيار الزوجة فلا بأس ما دام في القلب ولم يقارنه تصرف سيئ، فطبيعي أن يقع في قلب الرجل محبة لمن يتوقع أنها شريكة لحياته ولكن لا يستعجل فقد لا تتم الموافقة عليه كخطيب لهذه الفتاة التي يريدها، ولا يعلق قلبه بها عند عدم الموافقة لأن ذلك قد يفضي إلى مالا تحمد عقباه، وكم نعرف من القصص راح ضحيتها شباب كثير وشابات وكانت البداية شرارة تعلق، فتطورت. فالحذر كل الحذر من ذلك، ولا تحاول مكالمتها لا هاتفياً ولا مقابلة فهذا حرام ما دام قبل العقد وأمكن مفاداته ولم تكن الحاجة ماسة إليه، فإن صوت المرأة في مثل هذه الظروف عورة وقد يغوي أحدهما الشيطان فتزل قدم بعد ثبوتها، ومما قالوا:
نظرة فابتسامة فسلام                      فكلام فموعد فلقاء
وما أدراك ماذا بعد اللقاء يعجز اللسان عن وصفه.
وقالوا:
أتاني هواها من قبل أن أعرف الهوى                 فصادف قلبا خاويا فتمكنا
والشيطان في ظل هذه الظروف ثالثهما وهو شر ثالث.
فإذا لم يكن مضبوطاً بالشرع فيخشى على صاحبه الزلل والتخبط والوقوع في المحرم وكم من إنسان عشق فضل الطريق، والله يقول: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [سورة النساء:28] والقصص لا تحصى في هذا الموضوع حتى أنه إن لم يتحقق مقصود العاشق لابما أصابه المرض والجنون وربما تمكن الشيطان منه فقتل نفسه فانتهى كل شيء.
والسبب نظرة طائشة أو كلمة فاتنة، ويذكر أن قيس بن الملوح أحب امرأة اسمها ليلى فتولع قلبه بقلبها ولكن لما لم يتمكن من الزواج منها أصبح مجنونا بها شغوفا بحبها حتى أنه لقب (بمجنون ليلى)، فتكدرت حياته وحياة أهله، حتى أن والده كبله بالحديد وذهب به إلى مكة ليطوف بالبيت الحرام عله أن يرجع لرشده وينساها ولكن قيسا كان في الطريق يناديها ويترنم باسمها وكأنها أمامه حتى أنه رأى قطيع غزلان فأخذ يخاطبهن ويقول:
بالله يا ضبيات الخلا قلن لي                    أليلاي منكن أم ليلى من البشر
ولما طاف بالبيت كان يدعو ويقول: اللهم زدني بليلى حبا وشغفا ثم يعلنها صريحة لأبيه:
أحبها وتحبني                     ويحب ناقتها بعيري
ولا عجب!!
يقول تعالى عن اللاتي افتتن بيوسف عليه السلام: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } [سورة يوسف:31].
ومثل هذا الحب والعشق والغرام محرم لما فيه من المفاسد، كالاشتغال بحب المخلوق عن حب الخالق فلا يجتمع في القلب هذا وهذا إلا ويقهر أحدهما الآخر ويكون السلطان والغلبة له، وكذلك عذاب القلب به فإن من أحب شيئاً كهذا عُذّبَ به وقد قيل:
فما في الأرض أشقى من محب
تراه باكياً في كل حين
فتسخن عينه عند الفراق
فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم


 وإن وجد الهوى حلو المذاق
 مخافة فرقة أو لاشتياق
ويبكي إن دنوا حذر الفراق
وتسخن عينه عند التلاقي


والعشق وإن استعذبه صاحبه فهو من أعظم عذاب القلب.
ومن المفاسد أن القلب يصبح أسيراً في قبضة غيره يسومه الهوان ولكنه لا يشعر بمصابه لسكره فيه فقلبه كعصفورة في كف طفل يسومها حياض الردى والطفل يلهو ويلعب قال بعضهم:
ملكت فؤادي بالقطيعة والجفا                         وأنت خلي البال تلهو وتلعب
فعيش العاشق عيش الأسير الموثق                     وعيش الخلي عيش المسيب المطلق
ومن المفاسد: الاشتغال بالحب عن مصالح الدين والدنيا، ومنها أن آفات الدنيا والآخرة أسرع إلى العاشق من النار في يابس الحطب لأن القلب كلما قرب من العشق وقوي اتصاله به بعد من الله.
ومنها: إفساد الذهن وإحداث الوسواس وربما جنون العقل كما سلف وأشرف ما في الإنسان عقله الذي يتميز به عن سائر الحيوانات والبهائم، بل وربما كان حال الحيوان أصلح من حاله وهل أذهب عقل مجنون ليلى إلا ذلك:
قالوا: جننت بمن تهوى فقلت لهم:                  العشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه                    وإنما يصرع المجنون في الحين
ومن المفاسد: إفساد الحواس أو بعضها إفساداً معنوياً كفساد القلب وبالتالي فساد الجوارح تبعا له كاللسان والعين والأذن فيرى القبيح حسناً سواء كان منه أو من معشوقه وقد قيل:"حبك الشيء يعمي ويصم"، فيعمى العين عن عيوب المعشوق ويصم الأذن عن قبيح المعشوق وشدة الرغبة غشاوة على العين تمنع من رؤية الشيء على ما هو به. وقد قيل ((الحب أعمى)).
هويتك إذ عيني عليها غشاوة                   فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
أو إفساداً حسياً: كالمرض في البدن وإتلاف بعض الأعضاء حقيقة كما هو معروف من أخبار من قتلهم العشق ولذلك تعلو هتافات بعض الشباب الصغار فضلا عن الكبار ويكتبون هتافاتهم على الجدران: ((الحب عذاب)).
وبعضهم يكابر ويقول:
إذا كان الحب جريمة                 فليشهد التاريخ أني مجرماً
وقد رُفع إلى ابن عباس وهو بعرفة شاب قد انتحل حتى عاد جلداً على عظم فقال: ما شأن هذا؟ قالوا به العشق فجعل ابن عباس يستعيذ بالله من العشق طوال يومه. وقد رويت لنا قصة شاب عاشق لم يتحقق مراده فمات قهراً بعد أن تساقط بعض لحمه وهو حي وسرى الدود في ذكره ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الحب أول ما يكون لجاجة                         يأتي بها وتسوقه الأقدار
حتى إذا خاض الفتى لجج الهوى                   جاءت أمور لا تطاق كبار
مساكين أهل اعشق يتحدثون بقلوب مجروحة ويتحدقون بعيون مقروحة ويمشون بنفوس مكلومة قد أمضتها الأحزان.
يقول أحدهم:
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها                   عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
وأذكر أيام الصبا ثم أنثني                           على كبدي من خشية أن تقطعا
ويقول غيره:
عيناك شاهدتان أنك                     من حر الهوى تجدين ما أجد
بك ما بنا لكن لي مضض                    تتجلدين وما بنا جلدُ
ويقول آخر ويتأمل:
شق المؤمل يوم الحيرة النظر                      ليت المؤمل لم يخلق له بصر
يكفي المحبين في الدنيا عذابهم                     فكيف إذا عذبتهم بعدها سقر
قيل إنه بعد ما قال هذين البيتين أصابه العمى.
وتقول زوجة لزوجها وهي تحبه وهو لا يحبها:
أسأل الله الذي قسم بين العباد معايشهم أن يقسم الحب بيني وبينك ثم تنشد:
أدعو الذي صرف الهوى                    مني إليك ومنك عني
أن يبتليك بما ابتلاني                         أو يسُل الحب مني
وقالت إحداهن عندما كبرت في السن وتذكر ماضي أيامها:
جريت مع العشاق في حلبة الهوى
تسربلت ثوب الحب مذ أنا يافع
ولا شربوا كأسا من الحب مرة
فما لبس العشاق من حلل الهوى


 ففقتهم سبقاً وجئت على رسلي
ومتعت منه بالصدود وبالوصل
ولا خلعوا إلا الثياب التي أبلي
 ولا حلوة إلا شرابهم فضلي

قال عباس بن الأحنف:
قالوا: تنام، فقلت الشوق يمنعني
لأخرجن من الدنيا وحبهم
هم قد دعوني فلما قمت مقتضيا
أبكي الذين أذاقوني مودتهم


من أن أنام وعيني حشوها السهد
حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا
للحب نحوهم من قربهم بعدوا
بين الجوانح لم يشعر به أحد

قال أحدهم :
مالت تودعني والقلب يغلبها                      كما يميل نسيم الريح بالغصن
ثم استمرت وقالت وهي باكية                     يا ليت معرفتي إياك لم تكن

قال أعرابي:
أحبك حبا لو بليت ببعضه                          أصابك من وجد علي جنون
لطيف مع الأحشاء أما نهاره                        فسبت وأما ليله فأنين
قالت أعرابية: مسكين العاشق، كل شيء عدوه: هبوب الريح يقلقه، ولمعان البرق يؤرقه، ورسوم الدار تحرقه، والعذل يؤلمه، والتذكر يسقمه، والبعد ينحله، والقرب يهيجه، والليل يضاعف بلاه، والرقاد يهرب منه، ولقد تداويت بالقرب والبعد فلم ينجح فيه دواء، ولا عزى فيه عزاء، ولقد أحسن الذي يقول:
وقد زعموا أن المحب إذا دنا                  يمل وأن النأي يشفي من الوجد
بكل تداوينا فلم يشف مابنا                  على أن قرب الدار خير من البعد
حدث أبو عمروا بن العلاء قال: حدثني رجل من تميم قال: خرجت في طلب ضالة لي، فينما أنا أدور في أرض بني عذرة إذا ببيت منعزل عن البيوت وفي كسره شاب مغمى عليه، وعند رأسه عجوز، بها بقية جمال، ساهية تنظر إليه. فسلمت عليها فردت السلام، فسألتها عن ضالتي فلم تعلم بها. فقلت: من هذا الفتى؟ فقالت: ابني، فهل لك في أجر لا مؤونة فيه فقلت: والله، إني أحب الأجر وإن رزئت. فقالت: إن ابني هذا يهوى ابنة عم له علقها وهما صغيران. فلما كبرت خطبها غيره، فأخذه شبيه الجنون، فخطبها إلى أبيها فمنعه وزوجها غيره، فنحل جسمه واصفر لونه وذهب عقله. فلما كان مذ خمس زفت إلى زوجها، فهو كما ترى مغمى عليه، لا يأكل ولا يشرب، فلو نزلت إليه فوعظته؟
قال: فنزلت إليه فلم أدع موعظة إلا وعظته بها، حتى قلت له: إنهن الغواني صاحبات يوسف، الناقضات العهد، وقد قال فيهن كثير:
هل وصل عزة إلا وصل غانية                  في وصل غانية من وصلها خلف
قال: فرفع رأسه محمرة عيناه كالمغضب وهو يقول: لست ككثير، إن كثيرا رجل مائق، وأنا وامق، ولكني كأخي تميم حيث يقول:
ألا لا يضر الحب من كان صابرا                   ولكن ما اجتاب الفؤاد يضير
ألا قاتل الله الهوى كيف قادني                      كما قيد مغلول اليدين أسر
فقلت له: إنه قد جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أصيب منكم مصيبة فليذكر مصابه بي، فأنشأ يقول:
ألا ما للمليحة لم تعدني
مرضت فعادني أهلي جميعا
ولو كنت المريض كنت أسعى
وما استبطأت غيرك فاعلميه
فقدتك بينهم، فبكيت شوقا


أبخل بالمليحة أم صدود ؟
فمالك لم تري فيمن يعود ؟
وفقد الإلف يا أملي شديد
وحولي، من ذوي رحمي، عديد
إليك وما يهددني الوعيد


ثم شهق شهقة وخفت خفتة، فداخلني أمر ما داخلني مثله قط، والعجوز تبكي.
فلما رأت ما حل بي قالت: يا فتى، لا ترع، مات، والله ولدي بأجله واستراح من تباريحه وغصصه، فهل لك في استكمال الصنيعة؟
قلت: قولي ما أحببت. قالت: تأتي البيوت فتنعاه إليهم ليعاونوني على رمسه، فإني وحيدة. فركبت فرسي وأتيت البيوت رافعا صوتي بنعيه، فلم ألبث أن خرجت لي جارية من أجمل ما رأيت من النساء، ناشرة شعرها، حديثة عهد بعرس، تقول: بفيك الحجر المصمت، من تنعي؟ قلت: أنعي فلانا. قالت: أوقد مات؟ قلت: إي، والله، قد مات. قالت: فهل سمعت له قولا؟ قلت: اللهم شعرا. قالت: وما هو؟ فأنشدتها أبياته، فاستعبرت وأنشأت تقول:
عدا بي أن أزورك يا مرادي
أشاعوا ما علمت من الدواهي
فلا طابت لي الدنيا فراقا
فأما إذا ثويت اليوم لحدا


معاشر كلهم واش حسود
وعابونا وما فيهم رشيد
وكل الناس دورهم لحود
ولا لهم ولا أثري العديد

ثم شهقت شهقة فوقعت مغشيا عليها، وخرجت النساء من البيوت، فاضطربت ساعة وماتت. فوالله ما برحت حتى دفنتهما جميعا.
قيل: لما ألح ذريح على ابنه قيس في طلاق لبنى فأبى ذلك قيس، طرح ذريح نفسه في الرمضاء وقال: لا، والله، لا أريم هذا الموضع حتى أموت أو يخليها. فجاءه قومه من كل ناحية، فعظموا عليه الأمر وذكروه بالله وقالوا: أتفعل هذا بأبيك وأمك! إن مات شيخك على هذه الحال كنت معينا عليه شريكا في قتله. ففارق لبنى على رغم أنفه وقلة صبره وبكاء منه حتى بكى لهما من حضرهما، وأنشأ يقول:
أقول لخلتي في غير جرم                    ألا بيني بنفسك أنت بيني
فوالله العظيم لنزع نفسي                  وقطع الرجل مني واليمين
أحب إلي يا لبنى فراقا                      فبكي للفراق وأسعديني
ظلمتك بالطلاق بغير جُرم                 فقد أذهبت آخرتي وديني
فلما سمعت بذلك لُبنى بكت بكاء شديداً، وأنشأت تقول:
رحلت إليه من بلدي وأهلي                    فجازاني جزاء الخائنينا
فمن رآني فلا يغتر بعدي                        بحلو القول أو يبلو الدفينا
فلما انقضت عدتها وأرادت الشخوص إلى أهلها أُتيت براحلة لِتُحْمَل عليها، فلما رأى ذلك قيس داخَلَه منه أمر عظيم واشتد لَهَفه وقال في ذلك شعراً مؤثراً.
ثم ارتحك لبنى، فجعل قيس يقبل موضع رجليها من الأرض وحول خبائها. فلما رأى ذلك قومه أقبلوا على أبيه بالعذل واللوم، فقال ذريح لما رأى حاله تلك: قد جنيت عليك يا بني. فقال له قيس: قد كنت أخبرك أني مجنون بها فلم ترض إلا بقتلي، فالله حسبك وحسب أمي.
وأقبل قومه يعذلونه في تقبيله التراب، فأنشأ يقول:
فما حبي لطيب تراب أرض                     ولكن حب من وطئ الترابا
فهذا فعل شيخينا جميعا                          أرادا لي البلية والعذابا
ولسان حاله يتمثل قول الشاعر:
سألت عن الديار ديار سلمى                    أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي                      ولكن حب من سكن الديارا
قال العتبي: عشق كامل بن الرضين أسماء بنت عبد الله بن مسافر الثقفية، وهي ابنة عمه، فم يزل به العشق حتى صار كالشن البالي. فلما اشتد ما به، شكا أبوه إلى أبيها فزوجها له، فحمل إلى دراها وفيه رمق، فلما دخل الدار، قال: أو أنا بموضع تسمع أسماء كلامي؟ قيل: نعم. فشهق شهقة قضى مكانه. فقيل لها: يا أسماء قد مات بغصة. قالت والله لأموتن بمثلها، ولقد كنت على زيارته قادرة فمنعني قبح ذكر الريبة، وسماجة الغيبة. وسقطت في المرض، فلما اشتد بها، قالت لأخص نسائها: صوري لي صورته، فإني أحب أن أزوره قبل موتي. ففعلت: فلما رأت الصورة اعتنقتها وشهقت شهقة قضت نحبها. فدفنت مع الفتى في قبر واحد. وكتب على قبرها:
بنفسي هما ما متعا بهواهما            على الدهر حتى غيبا في المقابر
أقاما على غير التزاور برهة                  فلما أصيبا قربا بالتزاور
فيا حسن قبر زار قبرا يحبه                   ويا زورة جاءت بريب المقادر
قال العتبي: قال أعرابي: إن لم يكن العشق ضربا من السحر إنه لسعة من الجنون.
وسئلت أعرابية عن الهوى، فقالت: هو الهوان- غلط باسمه- وإنما يعرف ما نقول من أبكته المعارف والطول.
وسئلت أعرابية عن صفة الهوى فقالت:
الحب أوله ميل تهيم به                          نفس المحب فيلقى الموت كاللعب
يكون مبدؤه من نظرة عرضت                 أو مزحة أشعلت في القلب كاللهب
كالنار مبدؤها من قدحة، فإذا                  تضرمت أحرقت مستجمع الحطب
وأنشد لأبي جعفر الطربخي:
ليس خطب الهوى بخطب يسير                  لا ينبئك عنه مثل خبيـر
ليس أمر الهوى يدبر بالرأي                      ولا بالـقيـاس والتفكير
إنما الحب والهوى خطرات                        محدثات الأمور بعد الأمور
وقال أعرابي: إن الصبر على الهوى أشد من الصبر على البلاء، كما أن الصبر على المحبوب أشد من الصبر على المكروه.
وليم بعض الحكماء على الهوى، فقال: لو كان لذي هوى اختيار لاختار أن لا هوى، وأنشد لمجنون ليلى:
أصلي فلا أدري إذا ما ذكرتها                    أثنتين صليت الضحى أم ثمانيا
فرق الدهر بينهما فاجتمعا في قبر واحد
حكي جميل بن معمر العذري: أنه دخل على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا جميل حدثني ببعض أحاديث بني عذرة. فإنه بلغني أنهم أصحاب أدب وغزل. قال: نعم يا أمير المؤمنين، أعلمك أن آل بثينة انتجعوا عن حيهم، فوجدوا النجعة بموضع نازح فظعنوا، فخرجت أريدهم، فبينما أنا أسير إذ غلطت الطريق وأجنني الليل فلاحت لي نار، فقصدتها حتى وردت على راع في أصل جبل قد انحنى عنه إلى كهف فيه، فسلمت، فرد علي السلام، وقال: أظنك قد غلطت الطريق؟ قلت: أجل. فقال: انزل وبت الليلة، فإذا أصبحت وقفت على القصد.. فنزلت فرحب بي، وأكرمني، وذبح شاة، وأجج ناره، وجعل يشوي ويلقي بين يدي، ويحدثني في خلال ذلك. ثم قام بإزار كان معه فوضع به جانب الخبا ومهد لي محلا خاليا فنمت.
فلما كان في الليل سمعته يبكي إلى شخص كان معه، فأرقت له ليلتي. فلما أصبحت طلبت الإذن فأبى، وقال: الضيافة ثلاث. فجلست وسألته عن اسمه ونسبه وحاله، فانتسب فإذا هو من بني عذرة، من أشرفهم. فقلت: وما الذي جاء بك إلى هنا؟ فأخبرني أنه كان يهوي ابنة عم له، وأنه خطبها من أبيها فأبى أن يزوجه إياها لقلة ذات يده، وأنه تزوجها رجل من بني كلاب وخرج بها عن الحي، وأسكنها في موضعه. وأنه رضي أن يكون لزوجها راعياً حتى تأتيه ابنة عمه فيراها. وأقبل يشكو قديم عشقه لها، وصبابته بها حتى أتى المساء، وحان وقت مجيئها. فجعل يتقلقل ويقوم ويقعد، ثم وثب قائما على قدميه وأنشأ يقول:
ما بال مية لا تأتي كعادتها
لكن قلبي عنكم ليس يشغله
لو تعلمين الذي بي من فراقكم
لو أن ما بي من سقم على جبل
نفسي فداؤك قد أحللت بي سقما

أعاجها طرب أو صدها شغل
حتى الممات وما لي غيركم أمل
لما اعتذرت وقد طابت لك العلل
تكاد من حره الأعضاء تنفصل
لزال وانهد من أركانه الجبل

ثم قال لي: اجلس، يا أخا بني عذرة، حتى أكشف خبر ابنة عمي. ثم مضى فغاب عن بصري، فلم ألبث أن أقبل وعلى يديه محمول، وقد علا شهيقه ونحيبه، فقال: يا أخي هذه ابنة عمي أرادت زيارتي فاعترضها الأسد فأكلها. ثم وضعها بين يدي، وقال: على رسلك، حتى أعود إليك. فغاب عن نظري فأبطأ، حتى آيست من رجوعه، فلم ألبث أن أقبل ورأس الأسد على يديه فوضعه ثم قال: يا أخي إنك ستراني ميتاً فاعمد إلي وإلى ابنة أخي فأدرجنا في كفن واحد، وادفنا في قبر واحد، واكتب على قبرنا هذين البيتين:
كنا على ظهرها والدهر في مهل                        والعيش يجمعنا والدار والوطن
ففرق الدهر بالتصريف إلفتنا                            فاليوم يجمعنا في بطنها الكفن
ورد الغنم إلى صاحبها، وأعلمه بقصتها.
ثم عمد إلى خناق وطرحه في عنقه، فناشدثه الله لا تفعل، فأبى وخنق نفسه حتى مات. فلما أصبحت كفنتهما ودفنتهما، وكتبت الشعر كما أمر، ورددت الغنم إلى صاحبها وأعلمته بقصتهما، فحزن حزناً خفت عليه الهلاك أسفاً على ما فرط من عدم اجتماعهما.
واحتضر أحد العصاة، وكان كلما قيل له: قل لا إله إلا الله يقول هذا البيت:
يا رب قائلة يوما وقد تعبت                   أين الطريق إلى حمام منجاب
وسبب ذلك أن امرأة عفيفة حسناء خرجت إلى حمام معروف باسم ((حمام منجاب)) فلم تعرف طريقه وتعبت في المشي فرأت رجلا على باب داره فسألته عن الحمام فقال: هو هذا وأشار إلى باب داره، وكان باب داره يشبه باب هذا الحمام فلما دخلت أغلق عليها الباب. فلما رأت نفسها في داره وعلمت أنه قد خدعها أظهرت له البشر والفرح باجتماعها معه وقالت خدعة منها وحيلة لتتخلص مما أوقعها فيه وخوفا من فعل الفاحشة: يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا اشتر لنا شيئا من الطيب وشيئا من الطعام وعجل العودة إلينا فقال لها: الساعة آتيك بكل ما تريدين وتشتهين وخرج وتركها في الدار ولم يغلقها لأنه كان واثقا بها وبرغبتها فاشترى الرجل ما يليق ورجع إلى المنزل فوجدها خرجت وذهبت، فهام الرجل بها وأكثر لذكرها وصار يمشي كالمجنون في الطرق يقول:
يا رب قائلة يوما وقد تعبت                 أين الطريق إلى حمام منجاب
فبينما يقول ذلك: إذا بجاريته تقول له:
هلا جعلت سريعا إذ ظفرت بها               حرزا على الدار أو قفلا على الباب
فازداد هيامه يها واشتد هيجانه ولم يزل كذلك حتى كان هذا البيت ((... أين الطريق إلى حمام منجاب)) آخر كلامه من الدنيا وكان كلما قيل له: قل لا إله إلا الله يقول هذا البيت. فانظر كيف منعته هذه الخطيئة عن الإقرار بالشهادتين عند الموت مع أنه لم يصدر منه إلا إدخال المرأة.
والعشق مبادئه سهلة وحلوة وأوسطه هم وشغل قلب وسقم وآخره عطب وقتل، إن لم تتداركه عناية من الله.
عش خالياً فالحب أوله عناء                       وأوسطه سقم وآخره قتل
وقال آخر:
تولع بالعشق حتى عشق                            فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة                                فلما تمكن منها غرق
والذنب عليه فهو الجاني على نفسه وقد قعد تحت المثل السائر: (يداك أوكتا وفوك نفخ).
ولا ينخدع الرجل بمن تكلموا في العشق ومدحوه ونظموا له أشعارا فهم في الحقيقة مجرمون من الذين توعدهم الله بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [سورة النور:19].
كقول بعضهم: من لم يهيج نفسه بالصوت الشجي والوجه البهي فهو فاسد المزاج يحتاج إلى علاج وأنشد:-
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى                 فمالك في طيب الحياة نصيب
وقال آخر :
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى                 فأنت وعير في الفلاة سواء
وقال آخر :
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى                 فقم واعتلف تبنا فأنت حمار
وقال آخر :
أف للدنيا إذا ما لم يكن                            صاحب الدنيا محبا أو حبيبا
وقال آخر :
ولا خير في الدنيا في نعيمها                         وأنت وحيد مفرد غير عاشق
وقال آخر :
واسكن إلى سكن تلذ بحبه                         ذهب الزمان وأنت فيه مفرد
وقال غيره :
تشكَّى المحبون الصبابة ليتني                        تحملت ما يلقون من بيتهم وحدي
فكانت لقلبي لذة الحب كلها                       فلم يلقها قبلي محب ولا بعدي
وأما من احتج بأن العشق حلال بقوله صلى الله عليه وسلم: "من عشق فعف فمات فهو شهيد" فهذا الحديث منكر أنكره الحفاظ.
علاج العـشـق
علاج العشق هو أن يعرف العاشق حرمته وأنه جهل وسفه وغفلة عن الله وعليه أن يشتغل بعبادة الله عن دوام التفكير بمعشوقه ويكثر اللجأ والتضرع إلى الله، وأن يخلص لله، قال تعالى: { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [سورة يوسف:4]. وأن يعرف مفاسد العشق وأن أمامه جنة أو نار ففي هذا باختصار علاج للعشق لمن أراد الفكاك منه.
النظر إلى المخطوبة
ومن أهم الأمور قبل العقد رؤية الرجل إلى المرأة التي يرغب أن يتقدم لخطبتها، وهذه الرؤية هي سنة حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فيها من المصالح للرجل والمرأة وأهلهما، يقول أبو هريرة: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليه فإن في أعين الأنصار شيئا (رواه مسلم والنسائي والطبراني).
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل". قال جابر: فكنت أتخبأ لها تحت الكرب حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها.
وعن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأة على عهد رسول الله فقال لي رسول الله: أنظرت إليها؟ قلت: لا، قال: "فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما" (رواه النسائي).
وفي رواية: "أحرى أن يؤدم بينكما)) (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة).
ولكن الناس اليوم انقسموا في ذلك وأصبحوا بين إفراط وتفريط فبعضهم أنكرها وبعضهم لم ينكرها ولكن يرى أنها ليست من العادات والتقاليد وبعضهم غلا فيها فترك الحبل على الغارب والقليل القليل من نهج المنهج الصحيح فيها.
فأما المنكرين فهم على خطر عظيم لأنهم يردون خبرا صحيحا من أخبار رسول الله وهذا خدش في العقيدة.
أما الذين يدعون مخالفتها للعادات فيقال: بئست عادات تخالف أمر رسول الله والواجب الرجوع للكتاب والسنة لا للآباء والأجداد أو العادات أو التقاليد التي ما أوقعنا في كثير من المخالفات الاجتماعية سواها.
وقد يقولون: ربما إذا نظر إليها هذا الرجل تركها وعابها عند غيره والمرأة كالزجاجة لا صلاحية لها إذا خدشت فكيف إذا كسرت، فيقال لهم: نحن معكم ولكن نقول ليس أي رجل تريه ابنتك إلا إن كان موثوقا في دينه وأمانته وبهذا نكون أغلقنا على من احتج بذلك.
قال الغزالي: كان من تقدم من المتورعين لا يخون بناتهم إلا بعد النظر احترازا من الغرور، قال: والغرور يقع في الخلق والخلق جميعا، فيستحب إزالة الغرور في الخلق بالنظر وفي الخلق بالبحث والاستبصار.
ونقول أيضا: لو لم يكن في ذلك فائدة لما أجازه الإسلام ولما حث عليه رسولنا عليه الصلاة والسلام، فإذا عرف السبب بطل العجب، وهذه الرؤية علق عليها رسول الله ديمومة الحياة الهنيئة للزوجين مما يدل على أهميتها.
ثم أسأل ولي المرأة وأرجو أن يكون منصفاً متجردا من الهوى والعادات والعصبيات طالباً الحق. فأقول: أيهما أفضل أن يراها الرجل ثم يقول: لا أرغب فيها (مع السرية التامة طبعا) ولا يحدث شيء من البداية والأمور تبقى كما كانت. أو أن لا يراها الرجل ثم يتزوجها وفي الأيام الأولى من الزواج لا يريدها ويرغب عنها ويقذف في قلبه كراهيتها فيطلقها سريعا وربما كان ذلك من أول ليلة وهي ليلة الزفاف!!. حتما ستقول: الأول دون شك بل أنا أضيف على ذلك: أن ما كنت تخشاه من رؤية الرجل ابنتك وهو أنه إذا رآها ولم يرغب فيها فهو عيب في حقها وحقك فأقول: إنه عندما يطلقها ولا يرغب فيها من أول ليلة هي الفضيحة التى ستنتشر في كل البلد وسيئول الناس ذلك شئت أم أبيت بأن البنت فيها عيب وفيها وفيها، إضافة إلى الخسائر التي تحصل وربما المشاكل. وبهذا تندم أنت ولا ينفعك حينئذ كل من يطبلون ويصفقون للعادات والتقاليد وستعض أصابع الندم وتقول: يا ليته رآها ولم يرغب فيها ولا حدث ما حدث فمن يتزوجها الآن وقد صارت ثيبا أو ظن الناس أن فيها عيبا. ولا ينفع ندم بعد عدم ولا صوت بعد فوت.
{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [سورة البقرة:216]، {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [سورة النساء:19] ولذلك فإن وراء كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وراءه من الحكم الدقيقة المتناهية، أما المفرطون المتساهلون الذين لا يبالون فهؤلاء منسلخون ومنحلون فتراهم يسمحون لكل طارق أن يرى ابنتهم ولو لم يكن موثوقا به، وربما أجلسوها عنده لكي يتحدث معها. وربما اختلى بها ولا يرون بذلك بأسا وفي الحديث عن ابن عمر مرفوعا:"ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يقر في أهله الخبث" (رواه أحمد وهو في صحيح الجامع). وهذه صورة من صور الدياثة وعدم الغيرة.
وإنني أنبه على خطورة عادة سيئة تفشت في بعض البلدان الإسلامية وهي انفراد الرجل ومخطوبته قبل عقد الزواج بقصد التجربة أو الاختبار ليطلع كل واحد منهم على أخلاق الآخر- كما زعموا- وذلك باسم التقدم والمدنية الخداعة التي غرتنا في ديننا وأخلاقنا وصرنا لها أسرى وباسم التقليد الأعمى قبل البعض هذا الوضع الشاذ الذي لا يتناسب مع الخلق والدين.
ويتم الاختلاط بينهما على أبشع صورة بل وتذهب معه وتجيء فترة من الزمن قد تطول أو تقل دون ضمير ولا غيرة ممن يسمحون بمثل ذلك. ولا تسل عن الفضائح التي نجمت من جراء هذا الخزي وكم سمعنا من القصص المؤلمة من هتك العرض وفض العذارى حتى تصير المرأة لقمة سائغة لمثل هؤلاء الوحوش الضارية وقطاع طريق العفة.
أرادت مخالفة الاتجاه                       وإظهار فتنتها المشتهاه
فباغتها الوحش في لحظة                  فيالخسارة تلك الفتاه
وبعد أن يمتص الثعبان رحيق المتعة ويمل منها، فإنه يهجرها بعد وعود كاذبة لا تعرف الوفاء وذلك بإلصاق أي عيب بها فتبقى محطمة تحمل عارا وشنارا وتندم هي وأهلها حيث لا ينفع الندم. ثم يبحث عن فريسة جديدة يمثل معها نفس الدور فتشيع الفاحشة ويبور سوق الزواج فالحذر الحذر حتى لا تكون التجربة قاسية ومؤلمة.
فإذا علم ذلك فإن الرؤية المشروعة هي المقيدة بالضوابط الشرعية، وقد اشترط أهل العلم في ذلك أن يكون الرجل مسلما راغبا في النكاح فعلا موثوقا به حتى لا يفشي سرا أو يعيبها عند عدم رغبته فيها وأن لا يكون فيه ما يمنع من الموافقة عليه، وأن لا يخلو بها ولا يصافحها فهي أجنبية عنه قال عليه الصلاة والسلام: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" (رواه الترمذي).
وقال: "لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلى ومعه رجل أو اثنان" (رواه مسلم).
وقال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" (أخرجه الطبراني). ولا شك أن ذلك من زنى اليد كما قال عليه الصلاة والسلام: "العينان تزنيان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان و الفرج يزني" (رواه أحمد). وهل هناك أطهر من قلب رسول الله ومع ذلك يقول: "إني لا أصافح النساء" (رواه أحمد).
وكل هذا من وسائل الفتنة ووقوع الفحشاء.
ومن الشروط أن يرى الرجل من المرأة ما يدعوه إلى نكاحها سواء علمت أو لم تعلم والأولى أن يتم التنسيق مع وليها لعدم حدوث ما لا يحمد عقباه. قال عليه الصلاة والسلام: "إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليهما إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته وإن كانت لا تعلم" (رواه أحمد).
ولا بأس بأن يحضر الزوج إلى بيت المرأة ويكون معه وليها أو أحد محارمها ثم تدخل المرأة لتحضر مشروبا أو ماء فتضعه وتخرج لكي يرى منها ما يدعوه لنكاحها. أو أن تفتح الباب وتقف لحظات ليراها أو تدعوها أخنه مثلا إلى منزلها فيراها بخفية من ثقب ونحوه كل هذا على سبيل المثال فقط والطرق كثيرة.
ولا بأس أن تتجمل المرأة بل بعض أهل العلم يقول: لو قيل أن تجملها مندوب ما كان بعيدا، فإن النكاح مأمور به النساء كما هو للرجال. وبعضهم يقول: لو قيل إنه واجب لما كان بعيدا، وما لا يتم الواجب أو المندوب إلا به فهو واجب أو مندوب إن عني به أن تجملها للخطاب شرط في وقوع النكاح لا يمكن أن يوجد إلا به.
ومما يدعوه لنكاحها زينتها، وينبغي له هو أن يتجمل كذلك لأن المرأة لها حق في اختيار الزوج ورؤيته فهي مخاطبة كذلك بما يخاطب به الرجل فتسأل عنه ولا حرج في رؤيته لدوام النكاح.
ويذكر أن امرأة اسمها سييعة تعلت من نفاسها بعد وفاة زوجها وتجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال: مالي أراك متجملة لعلك ترجين النكاح إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرا.
والحذر الحذر من الانخداع بالمظاهر، فلا بد للزوج قبل ذلك أن يسأل عن دينها وأخلاقها فإن اطمأن لذلك فيتقدم لخطبته ورؤيتها، وقد سبقت الإشارة إلى أنه لا ينبغي الاقتصار على جمال المرأة أو مالها أو حسبها.
ويروى أنه مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله: "ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح وإن تشفع أن يشفع وإن قال أن يسمع. ثم سكت رسول الله. فمر رجل من فقراء المسلمين فقال رسول الله: ما تقولون في هذا؟ قالوا: هذا حري إن خطب ألا ينكح وإن شفع ألا يشفع وإن قال ألا يسمع، فقال رسول الله: هذا خير من ملئ الأرض من مثل هذا" (رواه البخاري).
وعلى كل حال إن لم يستطع الزوج رؤيتها فلا أقل من أن يرسل إحدى قريباته لكي يصفنها له وما لا يدرك جله لا يترك كله.
ولكن لو أتيحت الفرصة لينظر إليها هو لكان أفضل لأنه هو الذي سيتزوج وليس قريباته وأعين الناس كلهم في كفة وعينه في كفة أخرى وأذكر قصة طريفة حقيقية لرجل أراد الزواج... فذهبت أمه وبعض قريباته إلى المرأة التي وقع عليها الاختيار لكي يرينها ويصفنها لهذا الرجل فلما رأينها لم تعجبهن فعبرن له بأنها لا تصلح له لعدم جمالها وكبر حجم أنفها، فأبى إلا أن يراها، وبالفعل أتيحت له فرصة فرآها، ثم رجع إلى أمه وقريباته وهو يقول: إنني أريدها ومما أعجبني فيها (أنفها).
فسبحان الله الذي قسم الأرزاق بين عباده وجعل لكل منهم ذوقا يختلف به عن غيره.
وإليك فتوى حول رؤية الرجل لمن يريد خطبتها قبل العقد:-
سؤال : إذا تقدم شاب لخطبة فتاة فهل يجب أن يراها وأيضا هل يصح أن تكشف الفتاة عن رأسها لتبين جمالها أكثر لخاطبها. أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب : لا بأس ولكن لا يجب بل يستحب أن يراها وتراه لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر من يخطب أن ينظر إليها لأن ذلك أقرب إلى الوئام بينهما وإذا كشفت له وجهها ويديها ورأسها فلا بأس على الصحيح. وقال بعض أهل العلم يكفي الوجه والكفان ولكن الصحيح أنه لا بأس أن يرى منها رأسها ووجهها وكفيها وقدميها للحديث المذكور ولا يجوز ذلك مع خلوة بها بل لا بد أن يكون معهما أبوها أو أخوها أو غيرهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعهما ذو محرم)) متفق عليه. وقال أيضا:"لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما" رواه مسلم من حديث عمر بن الخطاب.
وروى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة- رضي اللة عنه- أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خطب امرأة فقال له: (( أنظرت إليها )). ؟
وهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على شرعية النظر للمخطوبة قبل عقد النكاح لأن ذلك أقرب إلى التوفيق وحسن العاقبة.
وهذا من محاسن الشريعة التي جاءت بكل ما فيه صلاح للعباد وسعادة المجتمع في العاجل والآجل فسبحان الذي شرعها وأحكمها وجعلها كسفينة نوح من ثبت عليها نجا ومن خرج عنها هلك.
وهذه فتوى أخرى:
سؤال : من أسباب الطلاق يا سماحة الشيخ عدم رؤية الزوج لزوجته قبل الدخول عليها، وديننا الإسلامي قد أباح ذلك فما تعليق سماحتكم حول هذا الموضوع؟
الجواب : لا شك أن عدم رؤية الزوج للمرأة قبل النكاح قد يكون من أسباب الطلاق، إذا وجدها خلاف ما وصفت له، ولهذا شرع الله سبحانه للزوج أن يرى المرأة قبل الزواج حيث أمكن ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: " إذ ا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلا ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، فإن ذلك أحرى إلى أن يؤدم يينهما"... (رواه أحمد وأبو داوود بإسناد حسن وصححه الحاكم من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه).
ومما أنبهك عليه قبل العقد أيضاً ما يلي:-
المال الذي تعده للزواج :
أوصيك قبل إقبالك على الزواج أن تنتخب له بل لهذه العبادة مالاً ونفقة حلالاً حتى يبارك الله لك في زواجك والله تعالى طيب لا يقبل إلا الطيب كما جاء في الحديث الصحيح.
سؤال الناس المال دون حاجة
إنها ظاهرة قبيحة وموت للحياء، يقف الرجل يسأل الناس ليس للحاجة وإنما للزيادة، ولا يهمه ضياع ماء وجهه، ولقد أصبحت هذه الظاهرة السيئة مورداً للتكسب عند بعض ضعفاء القلوب.
إن المسألة قبيحة في حق المسكين فكيف بمن يسأل الناس وطويته منطوية على مكر وخديعة وكذب، قال عليه الصلاة والسلام: "من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خدوشاً أو كدوشاً في وجهه" (رواه أحمد وهو صحيح).
وعن أبي هريرة مرفوعاً: "من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر" (رواه مسلم). وبعض السائلين يجدون المسجد فرصة فيقفون ويقطعون تسبيح المسبحين بشكاياتهم، لا أقول ذلك شماتة بهم، ولكن نريد منهم أن يكونوا من المتعففين الذين قال الله عنهم: { يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً... الآية} [سورة البقرة:273] ولو خافوا الله وتوكلوا عليه لرزقهم من دون أن يخطر ببالهم.
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[سورة الطلاق].
ومنهم من هو قوي يستطيع العمل والتكسب وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام في الصدقة "لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب" (رواه أبو داوود والنسائي وأحمد).
الاستدانة بنية عدم الوفاء :
أخي الزوج هذه الطريقة هي ظاهرة سيئة ومؤلمة فلا تبني حياتك بها وإن للمعصية شؤم عظيم على زوجك وحياتك فطهر نفسك منها:
وصفتها أنه يأتي الرجل وكأنه حمل وديع فيطلب ألفاً وألفين أو أكثر أو أقل والموعد آخر الشهر، مسكين أنت يا آخر الشهر، الظلم تعدى إليك فظلموك وجعلوك شماعة تعلق فيها الذمم الكاذبة الخائنة ويذهب الشهر والشهران والسنة والسنتان وربما أنكر المدين الدين بحجة عدم البينة أو هي الماطلة السيئة وقد جاء في الحديث ((مطل الغني ظلم)) وجاء الوعيد في حق آخذ المال وهو ينوي عدم رده لصاحبه فقال عليه الصلاة والسلام: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" (رواه البخاري).
ويتساهلون في هذا الأمر كأنه ذكاء وحنكة، {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [سورة النور:15]
إن حقوق الله عظيمة ولكن قد يخرج الإنسان منها بالتوبة ما دامت بينه وبين الله، أما الحقوق بين العباد فلا مناص من أدائها قبل أن يأتي يوم لا يتقاضى فيه بالدينار والدرهم إنما بالحسنات والسيئات كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام (رواه البخاري).
والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [سورة النساء:58] بل إن الشهيد مع ما له من المزايا العظيمة والأجر الجزيل والمرتبة العالية لا يسلم من تبعة الدين، ودليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين" (رواه مسلم). والدين من أسباب عذاب القبر، ومن تساهل بالديون فيأخذ ولا يسدد، ويماطل، ففيه سفه كما قال بعض أهل العلم، لأنه غير راشد في تصرفه.
وقد كان رسول الله، لا يصلي على من عليه دين حتى يقضى عنه. إلا بعد الفتوحات الإسلامية، أصبح يقضي عنهم الدين ويصلي عليهم وقد ورد "أن رجلا مات وعليه درهمان فقدموه ليصلى عليه فقال رسول الله: هل عليه دين؟ قالوا نعم، قال صلوا على صاحبكم فتكفل أحد الأنصار بالسداد عنه فصلى عليه رسول الله، فلما كان من الغد قال رسول الله، هل قضيت ما على صاحبك؟ قال: نعم، وفي رواية قال رسول الله: الآن بردت عليه جلدته" (رواه أحمد والحاكم وأبو داوود وابن حبان) أي في القبر.
إن تمطل اليوم الحقوق مع الغِنى                              فغداً تؤديها مع الإفلاس
وإذا أحب الله يوماً عبده                                      ألقى عليه محبة في الناس
وهنا قصتان أسوقهما لنرى ما وصل إليه القدماء من الأمانة وحفظ الحقوق:
القصة الأولى:
اشترى رجل من رجل عقارا فوجد المشتري في العقار جرة فيها ذهب، فأخذه وذهب إلى البائع وقال له: خذ ذهبك إنما اشتريت منك العقار فقط، ولم أشتر منك الذهب، قال البائع: لقد بعتك العقار بما فيه: (كل يريد أن يسلم ويتورع).
فتحاكما إلى رجل فقال لهما، ألكما ولد؟ قال أحدهما: نعم لي ولد، وقال الآخر: لي بنت، قال الحاكم: زوجوا الولد إلى البنت من هذا المال، وما بقي لهما، ففعلا ذلك (رواه البخاري ومسلم).
القصة الثانية:
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني إسرائيل سأل آخر أن يسلفه ألف دينار، فقال له: إئتني بشهداء أشهدهم، قال: كفى بالله شهيداً، قال: إئتني بكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً، قال: صدقت، فأعطاه ألف دينار إلى أجل مسمى.
ذهب الرجل عبر البحر إلى قريته، ولما حان الأجل المسمى كان لزاما على الرجل أن يرد الدين لأنه جعل الله شهيدا وكفيلا، فبحث عن مركب يعبر به البحر فلم يجد، فأخذ خشبة فنقرها وأدخل فيها ألف دينار ومعها ورقة مكتوب فيها كلام لصاحب الدين، ثم وضع الخشبة في البحر وقال: اللهم إنك قد علمت أني استلفت من فلان ألف دينار فسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضي، وسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي، وإني قد جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه بالذي أعطاني، فلم أجد، وإني استودعتك هذا المال، فلما رمى الحشبة إلى البحر ولجت فيه، ثم انصرف وهو يبحث عن مركب، وصاحب الدين خرج إلى البحر ينتظر المدين لعله يأتي على مركب، لأن المدين وعده أن يحضر المبلغ في الموعد، فإذا بالخشبة التي رماها المدين، أمامه فأخذها لأهله ليجعلها حطباً للنار، فلما كسرها وجد المال والورقة، ثم بعد فترة قدم المدين ومعه ألف دينار يريد أن يعطيها صاحب الدين ولم يعلم أن الخشبة وصلت قبله، وقال لصاحب الدين معتذرا عن التأخير: والله ما زلت جاهدا أبحث عن مركب لآتيك بالمال فما وجدت، قال صاحب الدين: هل كنت بعثت إلي بشيء، قال: نعم، قال صاحب الدين: قد وصل وإن الله قد أدى عنك الذي بعثت به في الخشبة فانصرف بألفك راشدا.
وبعد أن علمت أخي الزوج ما ينبغي قبل العقد فأوصيك بما يلي :
وصايا الزوج أثناء العقد أو يومه
إن من التمام أن تكون الأعمال الصالحة في مكان طاهر وزمان فاضل، وذلك لزيادة الحسنات ومضاعفة الدرجات والتفاؤل كذلك.
ولذلك يسن أن يكون العقد في مسجد، وأن يحضره جمع من أهل الصلاح زيادة على الشاهدين.
وقد استحب بعض أهل العلم أن يكون العقد مساء يوم الجمعة لأن فيه ساعة الإجابة.
واستحب بعضهم أيضاً أن يكون الزواج في شهر شوال لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وينى بي في شوال فأي نساء رسول الله كان أحظى عنده مني (رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي).
قال النووي رحمه الله: فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال وقصدت عائشة هذا الكلام الرد على الجاهلية وما كانوا يتخيلونه من كراهة التزوج في شوال، وهذا باطل لا أصل له وكانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع.
ومن السنة كذلك أن يكون قبل العقد خطبة يخطبها العاقد أو غيره من الحاضرين وإن كان هناك من يعقد لهما ويكون عارفاً بأحكام الزواج فهو حسن وهو ما يسمونه اليوم (( مأذون أنكحة )).
وهذه الخطبة هي : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ويقرأ ثلاث الآيات وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [سورة النساء:1].
وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [سورة آل عمران:102]. وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً  * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [سورة الأحزاب:75].
ثم يكون بعد ذلك إيجاب وقبول بأن يقول مثلا الولي زوجتك ابنتي فلانة فيقول الزوج قبلت، ويتم الاتفاق على شروط معينة تكون ملزمة للخاطب ويذكر المهر وغير ذلك.
وبعد الانتهاء من العقد يسن تهنئة الزوج وأن يقال له: (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير) (رواه أحمد وابن ماجة).
وينبغي الانتباه إلى بعض التهاني الغير مشروعة والتي كانت معروفة في الجاهلية وأخذت تنتشر في عصرنا هذا ومنها قول بعضهم للزوج (( بالرفاء والبنين )) يقول ابن حجر: كانت كلمة تقولها، الجاهلية فورد النهي عنها، يقول أحدهم: كنا نقول في الجاهلية (( بالرفاء والبنين )) فلما جاء الإسلام علمنا نبينا أن نقول: ((بارك الله لكم وبارك عليكم)).
ويروى أن عقيل ابن أبي طالب قدم البصرة فتزوج امرأة فقالوا له: بالرفاء والبنين فقال: لا تقولوا هكذا، وقولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لهم وبارك عليهم) (رواه النسائي والطبراني ورجاله ثقات).
والعلة في النهي ظاهرة وهي مخالفة أهل الجاهلية في ذلك ولما فيه من الدعاء للزوج فقط دون الزوجة إضافة إلى الدعاء له بالبنين دون البنات لأنهم يرون في الجاهلية البنت عاراً فيدفنونها حية فلما جاء الإسلام أكرم المرأة ونهى عن إهانتها حتى ولو بمقالة قصيرة كهذا الدعاء، وكذلك فإن هذه التهنئة ليس فيها ذكر لله ولا حمداً له ولا ثناء عليه.
فهي مردودة من كل وجه، ولكنك تعجب من تمسك بعض الناس بأمور نهينا عنها وهجرهم لأمور أمرنا بها وهذا من إغواء الشيطان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن الوصايا: اجتناب حلق اللحية أو شيء منها.
وقد يستغرب البعض فيقول: ما علاقة طرق مثل هذا الموضوع في هذا البحث؟
نقول وبالله التوفيق: إن سبب ذكرنا لهذه العادة في هذا المقام، أنها أصبحت عادة لكثير من الناس قبل نزولهم لأعمالهم أو الذهاب إلى فرح أو غيره أن يحلقوا لحاهم، وهي موجودة أيضاً عند العريس قبل زواجه فلا بد وأن يحلق هذه النعمة التي أنعمها الله عليه، بل هناك ما هو أشر وأهم، فإن بعض الأزواج يكونون من أصحاب اللحى فإذا جاء يوم زواجهم رأيتهم قد حلقوا لحاهم، وإذا سألت أحدهم، قال لك: هي ليلة العمر أو ليلة واحدة، ثم نرجع لتوفير اللحية، وكأن هذه الليلة مسموح فيها بعصيان الله. فلا إله إلا الله، سبحانك هذا بهتان عظيم.
وهذا ولا شك أخي الحبيب من تلبيس إبليس على كثير منهم، وما يدريك يا أخي أن تكون هذه هي آخر ليلة في عمرك؟!
فاتق الله واترك عنك هذا الوسواس، والتزم بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم في كل وقت وفي كل حين.
فلما كان الأمر كما رأيت وجدت أنه من باب الفائدة ذكر بعض الأدلة على تحريم حلق اللحية لعل الله أن ينفع بها المسلمين عامة والمقدمين على الزواج خاصة.
لقد أمرنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بأن نطيع النبي صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين فقال جل شأنه: { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } [سورة النور:54].
ومن الأدلة على تحريم حلق اللحية قوله صلى الله عليه وسلم "خالفوا المجوس احفوا الشوارب وأوفوا اللحى" (رواه البخاري) وفي رواية "خالفوا المشركين" (عند مسلم).
وفي رواية: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس" (رواه مسلم).
ومن الأدلة أن حلقها تغيير لخلق الله قال تعالى عن إبليس {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } [سورة النساء:119].
وكذلك فإن في حلقها رغبة عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشبه بأهل الكفر والله يقول: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النور:63].
وفي حلقها استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين ومجاهرة بالمعصية وفي الحديث (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) (متفق عليه). وقد ذكر بعض أهل العلم أن لإمام المسلمين أن يعزر حالق اللحية وأن يرد شهادته. وفي حلقها تشبه بالنساء قال الإمام الغزالي: وبها - أي اللحية- يتميز الرجال من النساء.
وتقول عائشة رضي الله عنها إذا أرادت أن تحلف: والذي جمل الرجال باللحى كذا وكذا، وتقول أيضا: سبحان من زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب.
وعلى هذه فيحرم حلق اللحية وفاعل ذلك آثم مستوجب لسخط الله تعالى فإن علم بحرمة حلقها وأصر فهو داخل في باب الكبيرة وأمره إلى الله تعالى في الآخرة، ولا يخفى أن مرتكب الكبيرة فاسق لا يؤتمن ولا يصلح للشهادة لأنه متعد لحدود الله معاند لها.
وقد كان رسول الله كث اللحية تملأ صدره وهنا يرز الذين يحبون رسول الله من الذين يدعون محبته والله يقول:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [سورة آل عمران:31].
تعصي الإله وأنت تظهر حبه                           هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته                           إن المحب لمن يحب مطيع
وهذه فتوى للشيخ محمد العثيمين في ذلك:
حلق اللحية محرم لأنه معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يقول: أعفوا اللحى وحفوا الشوارب، ولأنه خروج عن هدي المرسلين إلى هدي المجوس والمشركين، وحلق اللحية كما ذكره أهل اللغة، هي شعر الوجه واللحيين والخدين بمعنى أن كل ما على الخدين وعلى اللحيين والذقن فهو من اللحية، وأخذ شيء منها داخل في المعصية أيضا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "أعفوا اللحى.." وأرخوا اللحى، ووفروا اللحى، وأوفوا اللحى، وهذا يدل على أنه لا يجوز أخذ شيء منها، لكن المعاصي تتفاوت فالحلق أعظم من أخذ شيء منها.
وصدق من قال :
ورد الحديث بقصه أو نهكه
أنظر لصالونات حلق لحائهم
قد دنسوا شرف الرجال بحلقها
فإذا انتهى شرف اللحى وجمالها
والأخذ من شعر العوارض واللحى
فلقد روى الشيخان فيما قلته

أرخوا اللحى واعفوا ولفظ وفروا
والأمر هذا للوجوب صراحة
وكذلكم قص الشوارب واجب
أما الكثير من الرجال فإنهم

حلقوا اللحى جهرا بلا نكران
فيها تهان كرامة الأذقان
ومحوا الرجولة من بني الإنسان
ضاهى الرجال معاشر النسوان
خلاف هدي نبينا العدنان
نص الحديث عليه متفقان
أيضا كذا الإكرام للأذقان
لا يمتري فيه ذو العرفان
بنصوص شرع نبينا العدنان
فامسك هذا النص والبرهان

ومن الوصايا: البعد عن القزع
والقزع هو حلق بعض شعر الرأس وترك البعض، وهو محرم على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم فقد نهى عن القزع كما قال ابن عمر (رواه البخاري ومسلم وأحمد وابن ماجة).
وعنه أيضا قال: رأى رسول الله صبيا قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال: (احلقوه كله أو اتركوه كله) (رواه أبو داوود والنسائي).
ولقد انتشر القزع في هذه الآونة بين الشباب والمقبلين على الزواج تحت مسمى التقدم والمدنية، وإنه والله من المؤسف حقاً أن نرى الشباب الذين هم عماد الأمة يتبعون حضارة الغرب وينعقون خلفها ويصفقون لها ويلتهمون غثها وسمينها فضيعوا ما به عزهم ونصرهم واتبعوا ما به ذلهم وانحطاطهم.
الموضة العارمة اقتحمت الأسوار وأحلت الخزي والعار والدمار وفي النهاية البوار.
صار هم شبابنا اليوم إرسال شعورهم على أعينهم يبارون أهل الزندقة ويجارون النساء وحقاً :
قد قلدوا أهل الضلال بفسقهم
فتشبهوا بفعالهم ولباسهم
وكذا الشباب التائهون تشبهوا
البعض منهم يرتدي باروكة
فإذا رأيت القوم في طرقاتهم
والنص يأمرنا بحلق جميعه
هذا ومن تمثيلهم بشعورهم
ربوا نواصيهم مع حلق القفى
اللبس نوع واحد وشعورهم

شبراً بشبر دونما نقصان
وجميع ما يأتون من نكران
بنسائهم أف لذي الشبان
والبعض كعباً طوله شبران
لا تعرف الأنثى من الذكران
 وكذا الوجوه تشابه الجنسان
فعل التواليتات للصبيان
شبه اليهود وعابد الصلبان
أو تركه من غير ما نقصان


فيا لها من مهزلة يعيشها شبابنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخي الشاب:
قد هيئوك لأمر لو فطنت له                              فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
الوليمة :
لقد شرع الإسلام الوليمة بل من أهل العلم من أوجبها لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بها فلقد رأى رسول الله على عبد الرحن بن عوف أثر صفرة فقال: ما هذا، فقال: تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب فقال رسول الله: بارك الله لك، أولِم ولو بشاة (رواه الجماعة).
بل إن الوليمة من أهم غاياتهم إشهار الزواج واجتماع الأقارب والأصدقاء لإدخال السرور إلى نفوس الجميع وتهنئة الزوج.
وإن من الأمور المنكرة فيها أن يُدعى لها الأغنياء وذوي الجاه ولا يُدعى الفقراء الذين هم أحوج من غيرهم بالدعوة.
يقول عليه الصلاة والسلام: (شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويمنعها المساكين) (رواه مسلم) ويقول: "لا تصاحب إلا مؤمناً و يأكل طعامك إلا تقي) (رواه أبو داوود والترمذي وأحمد والحاكم) ولا يجوز لمن دعي أن يتخلف عنها إلا من عذر لقوله عليه الصلاة والسلام: (ومن لا يجب الدعوة فقد عصى الله و رسوله) (رواه مسلم).
ومما ينبغي التنبيه عليه: أن كثيراً من الأزواج يجعلون الإسراف نبراساً لولائمهم فيبذرون ويتباهون ويخالفون وهذا من تعدي حدود الله وقد قال الله: { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة آل عمران:31].
وقد ذم الله الإسراف في اثنتين وعشرين آية في كتابه من أصرحها وأدلها قوله تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الأعراف:31].
أليس من الحرام أن ننفق أموال طائلة وتهدر في ليلة واحدة وقد يكون الزوج أحوج الناس إليها والواقع شاهد بذلك لماذا لا نعي ونفهم ما يدور حولنا، وإنك والله لتفرح عندما تسمع أن بعض الناس يقتصدون في حفلات الزواج في بعض المناطق ويسعون إلى تخفيف الحمل على الزوج وربما تزوج ثلاثة أو أكثر في ليلة واحدة كل هذا للتوفر فأنعم به من زواج ولكن للأسف إن حصل مثل هذا فهو نادر وقليل.
أخي الزوج لا يهمك كلام الناس وتصفيقهم، فكر قليلاً فأنت الذي تدفع ليس هم ثم تندم عندما تتجمع عليك الديون وترى الذين يشجعونك يتخلون عنك !!
التشريعة :
ولتعلم يا أخي أن من أقبح العادات وأسوئها والتي هي دخيلة على مجتمعنا ما يسمى بالتشريعة وأصبح الناس يتباهون بها وهي أن تلبس المرأة ثوباً أبيضاً كبيراً يحمل ذيولاً من الرقاع والزينة لا تستطيع العروسة أن تمشي به فيحمله معها عدد من النساء وتلبس معه طرحة بيضاء وقفازين أبيضين شفافين وفي يدها شيء من الزهور وهي كاشفة لشعرها وكتفيها ونحرها وشيئا من صدرها. ثم توضع في مكان مرتفع وعلى ملأ من الناس في مكان يسمى المنصة أو الكوشة ثم يدخل عليها الزوج ويسلم عليها أمام النساء وربما قبلها خالعاً ثوب الحياء ثم يتبادل معها أطراف الحديث ويتناولان بعض المشروبات كل هذا هو بمثابة قواعد وضوابط وضعها الناس حتى يكون زواجهم زواجاً محترماً يبلغ صيته الآفاق- كما يزعمون-.
إنها عادة سيئة تلقفها بعض ضعاف النفوس من المسلمين وقلدوا الغرب بها وإنها لمن عادات اليهود والنصارى.
ولا تسأل عن المفاسد التي تحدثها هذه المهزلة الواحد منها يعتبر من كبائر الذنوب. وأنا إذ أتحدث عن هذه العادة كلي أمل في أن تبتعد أخي الزوج عنها وإليك شيئا من مفاسدها:
أولاً: أن هذه العادة ليست من عادات المسلمين البتة بل هي مأخوذة من النصارى في طريقة أعراسهم ومن المعلوم أنه لا يجوز التشبه بالكفار إطلاقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: "من تشبه بقوم فهو منهم" (رواه أبو داوود وصححه الألباني).
ثانياً : ما يحصل من التبذير والإسراف في التجهيز لهذه التشريعة أو النصة.
ثالثاً : ما يحدث من اختلاط الرجال بالنساء خاصة أقارب الزوج وأقارب الزوجة وبعضهم ليس محرماً للمرأة وهذا منكر عظيم قال عليه الصلاة والسلام: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل: أفرأيت الحمو رسول الله؟ قال: الحمو الموت) (رواه البخاري ومسلم)، والحمو: هو أخو الزوج وأقاربه، ووصفهم بأنهم موت لأنهم يتعرضون للفتنة بها ويتيسر لهم من الدخول عليها أكثر من غيرهم.
وينتج عن هذا الاختلاط المحرم محرمات أكبر كرؤية الرجال لمن ليست محرماً لهم بمسمى الفرحة، قال تعالى: {قل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } [سورة النور:30].
وقال عليه الصلاة والسلام "زنى العين النظر" (رواه البخاري).
إن الرجال الناظرين إلى النسا                        مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها                     أكلت بلا عوض ولا أثمان.
وكذلك شم الرجال لرائحة الطيب التي تضعه النساء مما يترك آثار فتنة لديهم وهذا منكر عظيم يقول عليه الصلاة والسلام: "أيما امرأة استعطرت ثم مرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية" (رواه أحمد). وهذا قد تساهل فيه أكثر النساء بل إن الشريعة شددت على من وضعت طيباً بأن تغتسل كغسل الجنابة إذا أرادت الخروج ولو إلى المسجد قال عليه الصلاة والسلام: "أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد ليوجد ريحها لم يقبل منها صلاة حتى تغتسل اغتسالها من الجنابة) (رواه أحمد).
أضف إلى ذلك ما يحدث من مصافحة الرجال لبعض النساء كمصافحة الزوج لأخوات زوجته مثلاً بمسمى الفرحة أيضاً وهذا من المنكرات الكبيرة قال عليه الصلاة والسلام: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له".
ولا شك أن هذا من زنا اليد كما قال عليه الصلاة والسلام: (العينان تزنيان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان والفرج يزني) (رواه أحمد ).
وهل هناك أطهر قلباً من رسول الله ومع ذلك يقول: (إني لا أصافح النساء) (رواه أحمد).
وقال: (إني لا أمس أيدي النساء) (رواه الطبراني في الكبير).
وتقول عائشة: والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام (رواه مسلم).
إلى غير ذلك مما يحدثه هذا الاختلاط المحرم، بل إنه يعقب الدياثة وضياع الحياء ولا تسأل عن شيء إذا ذهب ماء الحياء.
يعيش المرء ما استحيا بخير                            ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خير                            ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
بل وتنعدم المروءة :
مررت على المروءة وهي تبكي                       فقلت علام تنتحب الفتاة
قالت كيف لا أبكي وأهلي                           جميعاً دون خلق الله ماتوا
وإننا والله لنسمع ما يحزن الفؤاد ويكدر النفس من عدم المبالاة باللباس والانفتاح على الموضة وتلقف عادات الغرب الدنيئة.
رابعاً : دبلة الخطوبة:
في البداية يقال إن لبس الدبلة أو الخاتم مباح للرجل والمرأة وذلك في الزينة التي أحلها الله إلا أنه لا بد أن يعلم أن الذهب خاصة لا يجوز أن يلبسه الرجل لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عنه (رواه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد). ولأنه صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده (رواه مسلم) وقال في الذهب والحرير: (إن هذين حرائم على ذكور أمتي حل لإناثهم) (رواه أحمد وابن ماجة).
وهذه العادة السيئة أصبحت مألوفة عند كثير من الناس للأسف الشديد وصارت مظهراً للتقدم والحضارة عند كثير من الأزواج والزوجات وإنها والله شر عادة وتتمثل في جلوس الزوجين أمام الناس على منصة مرتفعة ثم يلبسها الخاتم وتلبسه هي كذلك أمام زوبعة من الرقصات الساقطة.
هذه العادة هي وليدة الحضارة الغربية. وهي إلى الحرام أقرب لما فيها من تشبه لأعداء الإسلام، بل يشتد تحريمها إذا صاحبها اعتقاد يخدش العقيدة.
وهي مع ما فيها من تقليد للكفار أيضاً فإنها سرت إلى المسلمين من النصارى ويرجع ذلك إلى عادة قديمة لهم عندما كان العريس يضع الخاتم على رأس إبهام العروس اليسرى ويقول: باسم الرب ثم ينقله واضعاً له على رأس السبابة ويقول: باسم الابن ثم يضعه على رأس الوسطى ويقول: باسم روح القدس وعندما يقول: آمين يضعه أخيراً في البنصر حتى يستقر.
وقد يعتقد بعض الناس أن فعل ذلك مما يوجد البركة والألفة والوئام بين الزوجين واستمرار السعادة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
خامساً : التصوير :
كثر خوض الناس في حكم التصوير رغم أنهم يسمعون تحريمه في الخطب والمحاضرات ويقرؤون ذلك في الكتب والمنشورات ولكن الهوى يجعلهم لا يبالون بذلك ويتلمسون الطريق لإباحته بكل وسيلة وهذا شيء نراه بأعيننا.
والتصوير المحرم هو تصوير ما فيه روح، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بتحريمه فعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون) (رواه البخاري). وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: (كل مصور في النار يجعل بكل عورة صورها نفس فتعذب في جهنم) (رواه مسلم).
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله: (إن الذين يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) (رواه البخاري ). وعن أبي جحيفة أن رسول الله لعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور (رواه البخاري). وقال ابن عباس: إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس فيه ((أو ما لا روح فيه)).
وإن التصوير اليوم أصبح وسيلة هدم غالباً لما فيه من الافتتان بالصور في المجلات والتلفاز وغيره، بل فرصة سانحة لأعداء الإسلام لكي يوقعوا الشباب في المنكر ويصدوهم عن سبيل الله. ولقد أصبح من الفساد التصوير في ليالي الزفاف فتلتقط الصور للنساء ثم بطريقة أو بأخرى يراها الرجال وإن كل من يرضى لامرأته أو بنته أو قريبته أن تتصور فهو عديم غيرة ومن تأمل المفاسد عرف أن من الحكمة سد باب التصوير والتحذير منه وطمس معالمه إلا لضرورة كإثبات الشخصية والصور الممتهنة والموطوءة بالأقدام لقوله تعالى: {واتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن:16].

وهذه فتوى عن حكم التصوير
لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
السؤال : ما قولكم في حكم التصوير الذي عمت به البلوى وانهمك الناس فيه.
الجواب : الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح والمسانيد والسنن دالة على تحريم تصور كل ذي روح آدمياً كان أو غيره، وهتك الستور التي فيها الصور والأمر بطمس الصور ولعن المصورين وبيان أنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وأنا أذكر لك جملة من الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الباب، وأذكر بعض كلام العلماء عليها وأبين ما هو الصواب في هذه المسألة إن شاء الله. ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة". لفظ مسلم. ولهما أيضاً عن أبي سعيد رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أشد الناس عذاباً يوم القياه المصورون". ولهما في ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون بها يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم" لفظ البخاري.
وروى البخاري في الصحيح عن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب البغي، ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور.
وعن ابن عباس رضي الله عنه سمعت رسول الل صلى الله عليه وسلم يقول " من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ" متفق عليه.
وخرج مسلم عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها، فقال: ادن مني، فدنا منه، ثم قال: ادن مني، فدنا منه، حتى وضع يده على رأسه فقال: أنبؤك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً تعذبه في جهنم" وقال: إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له.
وخرج البخاري قوله: "إن كنت لا بد فاعلاً... الخ" في آخر الحديث الذي قبله، بنحو ما ذكره مسلم انتهى.
سادساً : الغناء
لقد شرع الإسلام كل ما فيه سرور وفرحة ولكن جعل ذلك بقيود وضوابط، ومن المشروع إعلان النكاح وإظهار الفرحة، كما يشرع الحداء الذي ليس فيه منكر ولا دعوة لمحرم ولا استعمال لآلات المعازف، ويشرع للنساء الضرب بالدف إعلاناً للنكاح والفرق بينه وبين السفاح وقد جاءت السنة بذلك فعن الربيع بنت معوذ قالت: جاء رسول الله يدخل حين بنى علي فجلس على فراشي فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف (رواه البخاري)، وعن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال رسول الله: (يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو؟) وفي رواية بلفظ: (فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: تقول ماذا؟ قال تقول:
أتيناكم أتيناكم                        فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحمر                    ما حلت بواديكم
لولا الحبة السوداء                    ما سمنت عذاريكم
(رواه الطبراني)
وعن أبي بلج يحيى بن سليم قال: قلت لمحمد بن حاطب: تزوجت امرأتين ما كان في واحدة منهما صوت ((يعني دف))! فقال محمد قال رسول الله: (فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف) (رواه النسائي والترمذي وابن ماجه، والحاكم والبيهقي و أحمد).
وقال عليه السلام: (أعلنوا النكاح) (رواه ابن حبان والطبراني وصححه الألباني).
وهنا بعض الوقفات حول الدف وشروط استعماله:
1- لابد أن يكون المضروب به هو الدف وهو إطار مستدير يوضع على إحدى جهتيه جلد أو نحوه ويكون مفتوحاً من الجهة الأخرى أما بقية الأدوات والآلات الموسيقية فلا يجوز استخدامها لأنه لم يأت نص من الشرع بإباحتها فهي باقية على أصل التحريم.
2- يلزم أن يكون الكلام المنشد أو المغني به خالياً من الميوعة والفحش والكلمات المثيرة ونحو ذلك بل يقتصر على محاسن الكلام وأطايب الأشعار.
3- أن لا يصل صوت النساء أو المنشدات إلى الرجال، فلا تستعمل مكبرات الصوت ونحوها، ولا يكون مكان النساء قريباً من الرجال في تلك الحال لعدم الافتتان.
4- أن لا يستغرق ضرب الدف وقتاً طويلاً وأن لا يكون سبباً في السهر وفوات صلاة الفجر، وأن لا تبعثر الأموال بالإنفاق عليه أو على ضاربات الدف، كما هو الحال الأغلب في الأعراس.
5- أن يكون ضرب الدف ضرباً خفيفاً لا إزعاج فيه ولا أذية لأحد.
6- أن يتولى ذلك النساء لا الرجال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- ((... ولما كان الضرب بالدف والتصفيق بالكف من عمل النساء، كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال المغنيين مخانيثاً، وهذا مشهور في كلامهم)).
7- أن يكون الضرب بدف لا جلاجل فيه ويحرم كل ملهاة سواه، كمزمار وناي ورباب وعود وطنبور وقانون وكمان وقضيب وبوق، وكل الآلات الموسيقية الحديثة، الضرب بها وسماعها حرام لدى جمهور أهل العلم.
أما الطبل فلا يجوز ضربه للرجال والنساء.
ولقد ابتلينا هذه الأيام بهذه المعازف ومكبرات الصوت والموسيقى والتي لا يشك عاقل في تحريمها ويشتد التحريم إذا صاحبها كلام حب وغزل وعشق وغرام أو دعوة لمنكر أو رذيلة أو انحلال أو افتخار بمحرم أو وصف الجمال وذكر الفجور قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [سورة لقمان:7]. وقد فسر ابن مسعود هذه الآية بأن لهو الحديث هو الغناء.
وقال عليه الصلاة والسلام: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف" (رواه البخاري) ويقول أبو بكر رضي الله عنه: الغناء والعزف مزمار الشيطان.
ويقول الإمام مالك بن أنس رحمه الله: الغناء إنما يفعله الفساق عندنا.
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله: الغناء باطل ومحال.
ويقول الإمام أحمد رحمه الله: الغناء ينبت النفاق في القلب ولا يعجبني.
ويقول أصحاب أبي حنيفة: استماع الأغاني فسق.
ويقول: عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: الغناء بدؤه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن.
ويقول القرطبي رحمه الله: الغناء ممنوع بالكتاب والسنة.
ويقول ابن الصلاح رحمه الله: الغناء مع آلة الإجماع على تحريمة.
ويقول أحد السلف: الغناء بريد الزنى.
وعده بعض أهل العلم من الكبائر.
ولا ينبغي الاغترار بمن يفعله من الناس فالرجال يعرفون بالحق لا الحق يعرف بالرجال ولا يغرك قلة السالكين وكثرة الهالكين كما قال الفضيل بن عياض.
فإلى أولياء الأمور والمسئولين في الدولة والغيورين يقال: إن مثل هذا الغناء والموسيقى ومكبرات الصوت التي تجلب الفتنة وتلهب الشهوة ولاسيما ظهور أصوات النساء منكر عظيم يجب أن يوقف وأن يتخذ فيه الحزم بشدة وخصوصاً الذين يجلبون المغنين والمغنيات ليحيوا ليلهم في معصية الله. وإني أشيد بجاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقوفهم الجاد في محاربة مثل ذلك وإنه ليشكر لهم ما يبذلون من جهد وأسأل الله أن يعينهم ويوفقهم للقضاء على المنكرات، وأن يجعل أعمالهم في موازين الحسنات.
وهذه فتوى في حكم الغناء
لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
إن الاستماع إلى الأغاني حرام ومنكر، ومن أسباب مرض القلوب وقسوتها وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة. وقد فسر أكثر أهل العلم قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} بالغناء وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقسم على أن لهو الحديث هو الغناء. وإذا كان مع الغناء آلة لهو كالربابة والعود والكمان والطبل صار التحريم أشد. وذكر بعض العلماء أن الغناء بآلة لهو محرم إجماعا. فالواجب الحذر من ذلك وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف" والحر هو الفرج الحرام، يعنى الزنا، والمعازف هي الأغاني وآلات الطرب.
وأوصيك وغيرك بسماع إذاعة القرآن الكريم وبرنامج نور على الدرب ففيها فوائد عظيمة، وشغل شاغل عن سماع الأغاني وآلات الطرب. أما الزواج فيشرع فيه ضرب الدف مع الغناء المعتاد الذي ليس فيه دعوة إلى محرم ولا مدح لمحرم في وقت من الليل للنساء خاصة لإعلان النكاح والفرق بينه وبين السفاح كما صحت السنة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الطبل فلا يجوز ضربه في العرس، بل يكتفى بالدف خاصة، ولا يجوز استعمال مكبرات الصوت في إعلان النكاح وما يقال فيه من الأغاني المعتادة لما في ذلك من الفتنة العظيمة والعواقب الوخيمة وإيذاء المسلمين ولا يجوز أيضاً إطالة الوقت في ذلك بل يكتفى بالوقت القليل الذي يحصل به إعلان النكاح لأن إطالة الوقت تفضي إلى إضاعة صلاة الفجر والنوم عن أدائها في وقتها وذلك من أكبر المحرمات ومن أعمال المنافقين انتهى.
يقول القحطاني رحمه الله:
لا خير في صور المعازف كلها
إن التقي لربه متنزه
وتلاوة القرآن من أهل التقى
وحنينه في الليل أطيب مسمع
أشهي وأوفى للنفوس حلاوة


والرقص والإيقاع في القضبان
عن صوت أوتار وسمع أغانٍ
سيما بحسن شجا وحسن بيانِ
من صوت مزمار ونقر مثانِ
من نغمة النايات والعيدانِ

سابعاً : نثر الفلوس والحلوى وغيرها
ويسميه أهل العلم ((النِّثار)) وهو ما يقوم به بعض أولياء الزوج أو الزوجة من نثر الأموال أو الحلوى تعبيرا منهم عن شدة الفرحة فيتزاحم الناس الحاضرون من النساء والأطفال غالباً على هذه الأموال المنثورة ويحصل من بعضهم التنافس والخصام على أمور لا تستدعي مثل ذلك.
وهذا منهي عنه، كما جاء في حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم في النهبة والمثلة. (رواه البخاري)
قال ابن قدامة : ولأن فيه (( أي النثار )) نهباً وتزاحماً وقتالاً.
وربما أخذه من يكره صاحب النثار لحرصه وشرهه ودناءة نفسه، ويحرمه من يحب صاحبه لمروءته وصيانة نفسه وعرضه، والغالب هذا، فإن أهل المروءة يصونون أنفسهم عن مزاحمة سفلة الناس على شيء من الطعام أو غيره، ولأن في هذا دناءة والله يحب معالي الأمور عن مزاحمة سفاسفها، والخلاف إنما هو في كراهة ذلك وأما إباحته فلا خلاف فيها ولا في الالتقاط لأنه نوع إباحة لماله فأشبه سائر الإباحات قال الشوكاني: الأحاديث عن النهي ثابتة وتقتضي تحريم كل انتهاب وقال ابن حجر: وكره مالك وجماعة النهب في نثار العرس.
ثامناً : افتتان الرجال والنساء بما يبديه الزوج والزوجة من عروض وقبلات ومداعبة ونحوها أمام الناس مما يطرق نوافذ القلب ويدغدغ العواطف ويثير الشهوة. إلى غير ذلك في المفاسد التي تحدث في هذه العادة السيئة وما خفي كان أعظم.
تاسعا : ضياع الوقت
الوقت الذي اعتنى به السلف الصالح وشغلوه فيما يرضي الله لأنهم علموا أنهم مسئولون أمام الله تعالى عنه، فحفظوا أوقاتهم وعمروها بما ينفعهم، ولكن نحن أضعناه بالسهر واللعب والمجالس والكلام الذي لا حاجة له فأهدرنا هذه النعمة العظيمة وهذا حاصل في ليالي الأفراح وما استجد من الانفتاح على الدنيا.
والوقت أنفس ما عنيت بحفظهِ                         وأراه أسهل ما عليك يضيع
والأعظم من هذا ضياع صلاة الفجر بعد سهر طويل ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عاشراً : ضياع الجهد :
فيتعبون أنفسهم ويكلفونها ما لا تطيق من أعمال في ليلة الفرح فإذا أنهكوا من التعب ضيعوا العبادات والواجبات، والطامة الكبرى أن يكون هذا التعب مصدره ضرب بطبول وعزف على مزامير.
حادي عشر : التصفيق والتصفير :
وهما من العادات الجاهلية التي جاء الإسلام بإنكارها لما فيها من الصد عن الله واللهو الحرام والتشبه بأهل العصيان قال تعالى ذاماً هاتين العادتين ومنكراً لهما: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً } [سورة الأنفال:35] فالمكاء : هو التصفير   والتصدية : هو التصفيق.
ثاني عشر : رقص النساء في الأعراس والحفلات:-
أعني الرقص الذي يكون بين النساء فحسب دون أن يكون للرجال أو الصبيان البالغين إطلاع عليه، الرقص في هذه الحالة فيه عدة محاذير:-
1- أن بعضاً من النساء عندما ترقص تكشف عما لا يجوز كشفه، وذلك بلبس الملابس الفاضحة سواء منها المفتوحة من أسفل أو من أعلى أو القصيرة الشفافة أو الضيقة فحكم الرقص في هذه الحال محرم والنظر إليه من قبل النساء الأخريات محرم أيضا والدليل على ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن رسول الله قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد" (صحيح مسلم). قال الإمام النووي: فيه تحريم نظر المرأة إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، وهذه لا خلاف فيه...
2- أن بعضا من النساء تقوم بتقليد الراقصات العاهرات من الكافرات وغيرهن في طريقة رقصها لتأجيج الشهوات واستثارة الغرائز، وهذا داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" وهو من التعاون على الإثم والعدوان وقد قال الله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [سورة المائدة:2] وحكم الرقص والنظر إليه في هذه الحالة محرم أيضا.
3- زيادة على ذلك فإن بعض النساء تتعرض للإصابة بالعين حال رقصها وعرض مفاتنها وتثنيها بين النساء، وذلك لتعلق قلوب بعض النساء بشيء يعجبهن في تلك الحالة وينسين التبريك عليها وذكر الله، فيصبنها بالعين أو النظرة حينئذ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين..." (رواه مسلم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر من يموت بعد قضاء الله وقدره بالنفس" قال الراوي: يعني بالعين (رواه البزار وحسنه ابن حجر)، إذن فالمسلمة في غنى عن التعرض لهذه المشكلات ولن تحصل مقابلها إلا قول النساء الأخريات: رقص فلانة حسن، ورقص علانة سيئ!! هذا علاوة على احتمال وجود كاميرات التصوير المخفية أو الظاهرة، وهذا فيه من الشرور والمفاسد ما لا يعلمه إلا الله، وتحريم ذلك واضح بين.
فالذي يجدر بالمسلمة العاقلة، أن تتنزه عن التعرض لهذه المحذورات متذكرة سوء عاقبة التمادي أو التساهل بها.
ثالث عشر : الغفلة عن الله :
في بعض ليالي الأفراح التي لا تقوم على ذكر الله يكثر فيها المنكر والغفلة عن الله مما يؤدي إلى ضعف القلب في صموده أمام الشيطان فيدخل إبليس ليوسوس ويفتن ويعكر الصفو، ويكثر أعوانه من شياطين الإنس والجن فهي فرصتهم للإيقاع بالفريسة، ولا زلنا نسمع كثيراً عن السحر والمس والعين وغير ذلك كما سبق وأكثره ينتج في هذه الليالي التي يشغلها غالباً الغفلة عن الله.
وأكثر ما يصاب بذلك النساء لأنهن الورقة الرابحة لدى هذا الطبقة من الضلال والمخربين.
فكم من امرأة ندمت بعد أن أسفرت عن شعرها وأخذت ترقص في الميدان فأصابتها عين حاسدة وسهم من إبليس.
وكم من امرأة تحسرت بعد مشاركتها في رفع الصوت والطبل، فأصابتها ساحرة بسحرها.
وكم من شابة استغل الجن زينتها وجمالها وغفلتها فدخل أحدهم بها حباً لها وشوقاً إليها.
فتصبح المرأة طريحة الفراش تئن وتذهب من مكان إلى مكان للعلاج وتنفق الأموال الطائلة في سبيل الشفاء وقد كان السبب هو الغفلة عن الله فنقول لها: (يداك أوكتا وفوك نفخ).
والوقاية خير من العلاج، وللإحاطة لا يفهم من كلامي تحريم الفرحة وضرب الدف للنساء ولكن البعد عنه أفضل تفادياً للسلبيات التي ذكرنا، فإن خلا منها فلا بأس به ومن أهل العلم من رأى أن رقص النساء مكروه لاسيما في وضعنا الحالي الذي لا يخفى على أحد فإن كان فيه منكر كإدخال أصوات الموسيقى فلا يشك عاقل في تحريمه.
وهذه فتوى هيئة كبار العلماء في حكم المنصة ((الكوشة))
فتوى رقم 8854 وتاريخ 8/9/ 1405 هـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم إلى سماحة الرئيس العام والمحال إليها برقم 3046 في 9/7/1405هـ ونصه:
(( يسأل عن الحكم الشرعي في حفلات الزواج حينما يزف العروس إلى عروسه في محفل من النساء ويظهر فيه الرجل على ((منصة)) ويجلس بجوار عروسه كي يشاهده النساء ومن الطبيعي هو أيضاً أن يشاهد النساء الأجنبيات وهن بكامل زينتهن فهل يجوز مثل هذا العمل الذي يسمى ((منصة العروسين)) وإذا كان من العادة أن يذهبن النساء للمشاركة في الدف والطبول الشرعي لإعلان الزفاف.. فكيف نتصرف نحن الرجال الذين نغار على نسائنا من تكشف- الرجل المتزوج- الأجنبي عنهن.. عندما يصعد إلى منصة الحفل.. إذ لا بد من دخوله للمنصة حسب التقاليد فكيف يفعل النساء الأجنبيات عنه في هذه اللحظة.
أرجو من سماحتكم إيضاح الحكم في ذلك وإرشادنا لما فيه الخير والصلاح. عن طريق فتوى مكتوبة ليقرأها الجميع ليكونوا على بصيرة من دينهم وأخلاقهم وعادتهم الحميدة)).
فأجاب بما يلي:
ظهور الزوج على المنصة بجوار زوجته أمام النساء الأجنبيات عنه اللاتي حضرن حفلة الزواج وهو يشاهدهن وهن يشاهدنه وكل متجمل أتم تجميل وفي أتم زينة لا يجوز، بل هو منكر يجب انكاره، والقضاء عليه من ولي الأمر الخاص للزوجين وأولياء أمور النساء اللاتي حضرن حفل الزواج فكل يأخذ على يد من جعله الله تحت ولايته، ويجب إنكاره من ولي الأمر العام من حكام وعلماء وهيئات الأمر بالمعروف كل بحسب حاله من نفوذ أو إرشاد، وكذلك استعمال الطبول وسائر المحرمات التي ترتكب في مثل هذا الحفل، نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه رضاه وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن انتهى.
وهذه فتوى في حكم التشريعة والزفة أيضاً
أجاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عن زف العريس والعروس أمام النساء في الأفراح وجلوسهم في المنصة أو ما يسمى التشريعة قائلاً:
ومن الأمور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة العروس بين النساء يجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات وربما حضر معه غيره من أقاربه أو أقاربها من الرجال.
ولا يخفى على ذوي الفطر السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة النساء الفاتنات المتبرجات وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة فالواجب منع ذلك والقضاء عليه حسماً لأسباب الفتنة وصيانة للمجتمعات النسائية مما يخالف الشرع المطهر.
وإني أنصح جميع إخواني المسلمين في هذه البلاد وغيرها بأن يتقوا الله ويلتزموا شرعه في كل شيء وأن يحذروا كل ما حرم الله عليهم وأن يبتعدوا عن أسباب الشر والفساد في الأعراس وغيرها التماساً لرضا الله- سبحانه وتعالى- وتجنباً لأسباب سخطه وعقابه...
وأسأل الله الكريم أن يمن علينا وعلى جميع المسلمين باتباع كتابه الكريم والتمسك بهدي نبيبا صلى الله عليه وسلم، وأن يعصمنا من مضلات الفتن واتباع لشهوات النفوس وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه خير مسئول.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ونبيه محمد وآله وصحبه. انتهى.
وهذه فتوى أخرى:
س) فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين- حفظه الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
فضيلة الشيخ، إنه في الآونة الأخيرة وبمناسبة بدء الإجازة الصيفية كثرت الأخطاء في مناسبات الزواج في المنازل أو قصور الأفراح وفي القصور أشد وأقبح: مثل الضرب بمكبرات الصوت والغناء من النساء والتصوير بالفيديو والأشد من ذلك الرجل المتزوج يقبل زوجته أمام النساء فأين الحياء والخوف من الله؟ وعتد إسداء النصح من الغيورين على محارم الله يجابهون بالقول: الشيخ الفلاني أفتى بجواز الطبل. وإذا كان هذا صحيحاً أليس لهذا الطبل ضوابط وحدود توضح للناس ليقف عندها هؤلاء المتهورون؟ نرجو من فضيلتكم إيضاح الحق للمسلمين. وجزاكم الله خيراً ونفع بعلمكم، والله يوفقكم والسلام عليم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ج. الحق في الدف أيام العرس أنه جائز أو سنة إذا كان في ذلك إعلان النكاح، ولكن بشروط:
1- أن يكون الضرب بالدف وهو ما يسمى عند بعض الناس ب(الطار) وهو المختوم من وجه واحد، لأن المختوم من الوجهين يسمى (الطبل) وهو غير جائز، لأنه من آلات العزف، والمعازف كلها حرام إلا ما دل الدليل على حله وهو الدف حال أيام العرس.
2- ألا يصحبه محرم كالغناء الهابط المثير للشهوة فإن هذا ممنوع سواء كان معه دف أم لا، وسواء كان في العرس أم لا.
3- ألا يحصل بذلك فتنة كظهور الأصوات الجميلة للرجال، فإن حصل بذلك فتنة كان ممنوعاً.
4- ألا يكون في ذلك أذية على أحد، فإن كان فيه أذية كان ممنوعاً مثل أن تظهر الأصوات ولا يخلو من فتنة أيضاً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المصلين أن يجهر بعضهم على بعض في القراءة لما في ذلك من التشويش والإيذاء فكيف بأصوات الدفوف والغناء؟!!
·   أما تصوير المشهد بآلة التصوير فلا يشك عاقل في قبحه، ولا يرضى عاقل فضلاً عن مؤمن أن تلتقط صور محارمه من الأمهات والبنات والأخوات والزوجات وغيرهن لتكون سلعة تعرض لكل واحد أو ألعوبة يتمتع بالنظر إليها كل فاسق.
·   وأقبح من ذلك تصوير المشهد بواسطة الفيديو لأنه يصور المشهد حياً بالمرأى والمسمع، وهو أمر ينكره كل ذي عقل سليم ودين مستقيم، ولا يتخيل أحد أن يستبيحه من عنده حياء وإيمان.
·   وأما الرقص من النساء فهو قبيح لا نفتي بجوازه لما بلغنا من الأحداث التي تقع بين النساء بسببه، وأما إن كان من الرجال فهو أقبح، وهو من تشبه الرجال بالنساء ولا يخفى ما فيه، وأما إن كان بين الرجال والنساء مختلطين كما يفعله بعض السفهاء فهو أعظم وأقبح لما فيه من الاختلاط والفتنة العظيمة لاسيما وأن المناسبة مناسبة نكاح ونشوة عرس .
·       وأما ما ذكره السائل من أن الزوج يحضر مجمع النساء ويقبل زوجته أمامهن فإن تعجب فعجب أن يحدث مثل هذا من رجل أنعم الله عليه بنعمة الزواج فقابلها بهذا الفعل المنكر شرعاً وعقلاً ومروءة!! وكيف يبيح لنفسه أن يقوم بهذا الفعل أمام النساء وفي نشوة العرس الذي هو مثار الشهوة؟! ثم كيف يمكنه أهل الزوج من ذلك؟! أفلا يخافون أن يشاهد هذا الرجل في مجتمع هؤلاء النساء من هي أجمل من زوجته وأبهى فتسقط زوجته من عينه ويدور في رأسه من التفكير الشيء الكثير، وتكون العاقبة بينه وبين عرسه غير حميدة ؟!
·   إنني في ختام جوابي أنصح إخواني المسلمين من القيام بمثل هذه الأعمال السيئة، وأدعوهم إلى القيام بشكر الله على هذه النعمة وغيرها وأن يتبعوا طريق السلف الصالح فيقتصروا على ما جاءت به السنة ولا يتبعوا أهواء قوم ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل.
·
وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإخواني المسلمين لما يحبه ويرضاه، ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه قريب مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. انتهى.

الـمـهـر
المهر واجب للزوجة وهو الصداق سواء كان مشروطاً عند العقد أو غير مشروط، ويعرفه أهل العلم بأنه: المال المدفوع للزوجة بسبب عقد النكاح.
والمهر إما أن يكون مالاً أو عيناً أو منفعة وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة برجل على أن يعلمها شيئاً من القرآن (رواه الجماعة).
ولئن كان الإسلام يوجب المهر للمرأة فإنه ينهى عن المغالاة فيه واليوم أصبح الناس يتباهون به ويفتخرون لذا تركت هذه الظاهرة السيئة آثاراً غير حميدة على مستوى الأفراد والمجتمعات لذا نزعت البركة في كثير من أفراحنا ودبت الخلافات والنزاعات بين كثير من الأزواج.
وقد ضرب لنا رسول الله وصحبه الكرام أروع الأمثلة في تخفيف المهر ويسر الزواج، يقول عمر رضي الله عنه:ألا لا تغالوا في صدقات النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تكوى كان أولاكم بها رسول الله وما أصدق رسول الله امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية. (رواه أحمد والترمذي وهو صحيح)
وهذا رجل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: إني تزوجت امرأة، قال رسول الله: كم أصدقتها؟ قال: أربع أواق، فقال رسول الله: على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل.(رواه مسلم)
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة خميلاً ووسادة حشوها اذخر (أي قش)، وعن جابر قال: حضرنا عرس فاطمة فما رأينا عرساً أحسن منه، حشونا الفراش ليفاً، وأتينا بتمر وزبيب فأكلنا وكان فراشها ليلة عرسها إهاب ((أي جلد كبش)).
الله أكبر أين هذه البساطة واليسر، مما ذكره التاريخ من أعراس بنات الملوك والأمراء وزوجاتهم التي تستنزف مالية الدولة وتعرضها للإفلاس بل كان يخلط لبعض العرائس المسك مع الطين ليمشين عليه.
جاء عن أبي حدرد الأسلمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه في امرأة فقال رسول الله له: كم أمهرتها؟ قال: مائتي درهم فقال رسول الله: لو كنتم تغرفون من بطحاء ما زدتم (رواه أحمد).
الآثار السيئة المترتبة على غلاء المهور
ومن هذه الآثار السيئة منع كثير من الشبب من الزواج وعزوفهم عنه لقلة ذات اليد وبالتالي عنوسة الكثير من الفتيات لعدم التقدم لخطبتهن.
ونشأ عن ذلك التزوج من بلدان أخرى دون النظر في العواقب فالمهم لديهم أن الكلفة أيسر ويكون الزوج بعد ذلك ضحية عدم الوفاق في الطبائع وتحمل أعباء الدين عند كل زيارة لأهلها وقد تكون ذات خلق سيئ فينعكس على أولادهم ولو حصل فراق بينهما كان الأولاد هم الضحية.
ومن الآثار السلبية أن المرأة التي أعزها الإسلام أصبحت مهانة في ظل كونها سلعة يتاجر بها وليها ويساوم عليها، وهذه هي النظرة التجارية الجاهلية فلا يلتفت إلا إلى المال الذي يسيل لأجله لعاب الكثيرين ويضربون ما سواه عرض الحائط.
ومن الآثار كذلك لجوء الجنسين لإشباع الرغبة الغريزية لديهم بطرق محرمة فانتشر الزنا واللواط والعادة السرية وغيرها والسبب هو المغالاة في المهور.
ومن الآثار أيضاً الإسراف والبذخ وتبديد الأموال، إضافة إلى إرهاق الزوج بديون يحملها ويرى أنها كالجبل يثقل كاهله، مما يؤدي إلى سوء العلاقة الزوجية وتضخيم الزوج لأمور تافهة تصدر من الزوجة مضمراً في قلبه كراهية لوليها الذي حمله الدين وقد يغزو ذلك لها، وعندما تشتد الخلافات فإنه قد لا يمسكها بمعروف ولا يسرحها بإحسان، وغير ذلك من الآثار التي نراها تجسد مشكلات واقعية في كثير من الأسر.
فيا ليت الناس يحاولون تلافي هذه السلبيات والآثار السيئة ويقتصدوا في تكاليف المهور والزواج حتى تكون أفراحنا مباركة نجني ثمارها يانعة طيبة ويقضى على كثير من المشاكل الاجتماعية والجنسية وتحصل الراحة والاطمئنان للشباب والشابات وبالتالي للمجتمع، وهذا لا يتأتى بالتمني فقط، بل بالتكاتف للقضاء على هذه الظاهرة ووضع حد للمهور وتعاون الجميع مواطنين وحكام وعلماء وأهل حسبة وأولياء أمور وهذا ما طالبت به هيئة كبار العلماء في قرارها المنعقد لعلاج المغالاة في المهور ووضع الحدود وإليك نص القرار.
قرار هيئة كبار العلماء
رقم 52 وتاريخ 4/4/ 1397هـ
في تحديد مهور النساء
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
فإن مجلس هيئة كبار العلماء قد اطلع في دورته العاشرة المعقودة في مدينة الرياض فيما بين يوم 21/3/ 1397هـ و 4/4/ 1397 هـ على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة من هيئة كبار العلماء في موضوع تحديد مهور النساء بناء على ما قضى به أمر سمو نائب رئيس مجلس الوزراء من عرض هذا الموضوع على هيئة كبار العلماء فإفادة سموه بما يتقرر وجرى استعراض بعض ما رفع للجهات المسئولة عن تمادي الناس في المغالاة في المهور والتسابق في إظهار البذخ والإسراف في حفلات الزواج وبتجاوز الحد في الولائم وما يصحبها من إضاءات عظيمة خارجة عن حد الاعتدال ولهو وغناء بآلات طرب محرمة بأصوات عالية قد تستمر طول الليل حتى تعلو في بعض الأحيان على أصوات المؤذنين في صلاة الصبح وما يسبق ذلك من ولائم الحطوبة وولائم عقد القران كما استعرض بعض ما ورد في الحث على تخفيف المهور والاعتدال في النفقات والبعد عن الإسراف والتبذير فمن ذلك قوله تعالى: { وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً  * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً }.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال سألت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشأ قالت: أتدري ما النش قلت: لا قالت: نصف أوقية فذلك خمسمائة درهم.
وقال عمر رضي الله عنه ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج امرأة رجلاً بما معه من القرآن.
وعن عمر رضي الله عنه قال لا تغالوا في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وإن كان الرجل ليبتلى بصدقة امرأته حتى يكون عداوة في نفسه وحتى يقول كلفت لك علق القربة والأحاديث والآثار في الحض على الاعتدال في النفقات والنهي عن تجاوز الحاجة كثيرة معلومة وبناء على ذلك ولما يسببه هذا التمادي في المغالاة في المهور والمسابقة في التوسع في الولائم بتجاوز الحدود المعقولة وتعدادها قبل الزواج وبعده وما صاحب ذلك من أمور محرمة تدعوا إلى تفسخ الأخلاق من غناء واختلاط الرجال بالنساء في بعض الأحيان ومباشرة الرجال لخدمة النساء في الفنادق إذا أقيمت الحفلات فيها مما يعد من أفحش المنكرات ولما يسببه الانزلاق في هذا الميدان من عجز الكثير من الناس عن نفقات الزواج فيجرهم ذلك إلى الزواج من مجتمع لا يتفق في أخلاقه وتقاليده مع مجتمعنا فيكثر الانحراف في العقيدة والأخلاق بل قد يجر هذا التوسع الفاحش إلى انحراف الشباب من بنين وبنات، ولذلك كله فإن مجلس هيئة كبار العلماء يرى ضرورة معالجة هذا الوضع معالجة جادة وحازمة بما يلي:
1. يرى المجلس منع الغناء الذي أحدث في حفلات الزواج بما يصحبه من آلات اللهو وما يستأجر له من مغنين ومغنيات وبآلات تكبير الصوت لأن ذلك منكر محرم يجب منعه ومعاقبة فاعله.
2. منع اختلاط الرجال بالنساء في حفلات الزواج وغيرها ومنع دخول الزوج على زوجته بين النساء السافرات ومعاقبة من يحصل عندهم ذلك من زوج وأولياء الزوجة معاقبة تزجر عن مثل هذا المنكر.
3. منع الإسراف وتجاوز الحد في ولائم الزواج وتحذير الناس من ذلك بواسطة مأذوني الأنكحة وفي وسائل الإعلام وأن يرغب الناس في تخفيف المهور ويذم لهم الإسراف في ذلك على منابر المساجد وفي مجالس العلم وفي برامج التوعية التي تبث في أجهزة الإعلام.
4. يرى المجلس بالأكثر معاقبة من أسرف في ولائم الأعراس إسرافاً بيناً وأن يحال بواسطة أهل الحسبة إلى المحاكم لتعزير من يثبت مجاوزته الحد بما يراه الحاكم الشرعي من عقوبة رادعة زاجرة تكبح جماح الناس عن هذا الميدان المخيف لأن من الناس من لا يمتنع إلا بعقوبة، وولي الأمر وفقه الله عليه أن يعاج مشاكل الأمة بما يصلحها ويقضي على أسباب انحرافها وأن يوقع على كل مخالف من العقوبة بما يكفي لكفه.
5. يرى المجلس الحث على تقليل المهور والترغيب في ذلك على منابر المساجد وفي وسائل الإعلام وذكر الأمثلة التي تكون قدوة في تسهيل الزواج إذا وجد من الناس من يرد بعض ما يدفع إليه من مهر أو اقتصر على حفلة متواضعة لما في القدوة من التأثير.
6. يرى المجلس أن من أنجح الوسائل في القضاء على السرف والإسراف أن يبدأ بذلك قادة الناس من الأمراء والعلماء وغيرهم من وجهاء الناس وأعيانهم وما لم يمتنع هؤلاء من الإسراف وإظهار البذخ والتبذير فإن عامة الناس لا يمتنعون من ذلك لأنهم تبع لرؤسائهم وأعيان مجتمعهم فعلى ولاة الأمر أن يبدأوا في ذلك بأنفسهم ويأمروا به ذوي خاصتهم قبل غيرهم ويؤكوا على ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم واحتياطاً لمجتمعهم لئلا تتفشى فيه العزوبة التي ينتج عنها انحراف الأخلاق وشيوع الفساد وولاة الأمر مسئولون أمام الله عن هذه الأمة وواجب عليهم كفهم عن السوء ومنع أسبابه عنهم وعليهم تقصي الأسباب التي تثبط الشباب عن الزواج ليعالجوها بما يقضي على هذه الظاهرة، والحكومة أعانها الله ووفقها قادرة بما أعطاها الله من إمكانات متوفرة ورغبة أكيدة في الإصلاح أن تقضي على كل ما يضر بهذا المجتمع أو يوجد فيه أي انحراف وفقها الله لنصرة دينه وإعلاء كلمته وإصلاح عباده وأثابها أجزل الثواب في الدنيا والآخرة وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
وبين يديك أخي الشاب أضع تنبيهات عن بعض
الأنكحة التي ينبغي التدقيق فيها أكثر وأكثر لتلافي السلبيات :
ومن هذه الأنكحة: الزواج من الأقارب :
لقد تكلم أهل العلم عن الزواج من الأقارب ولا يختلف أحد في جواز ذلك ولكن حديثهم عن الأفضلية وعدمها، فخلاصة الكلام: إن الزواج من الأقارب زيادة في الصلة وتقليل للكلفة وتجانس للعادات والطباع وتآلف للأرواح والذين لم يحبذوه تعللوا بأن الخلاف بين الزوجين يؤدي إلى القطيعة بين الأقارب.
وذكر الفقهاء من الصفات المرغوبة أن تكون أجنبية لأن ولدها يكون أنجب ولأنه لا يأمن الطلاق فيفضي مع القرابة إلى قطيعة الرحم.
إضافة إلى ظهور أولاد يحملون نفس صفات العائلة إذا كان فيها صفة غير حسنة والوراثة لها دور في ذلك.
ومن العلل التي ذكرها أهل العلم أن ابنة العم ونحوها من ذوي القرابة القريبة لا تقع من نفس الزوج موقع الغريبة إما لألفته لها ودوام النظر إليها وإما لأنه يقع بينه وبينها من الحشمة والخجل ما تكسل به همته وتضعف شهوته، والولد لا يكمل خلقه وتتم قوته إلا بتمام الشهوة وقوتها ولهذا قالوا: من استحيا من امرأته لم ينجب له ولد.
وجاء منصور بن رمان الفزاري إلى حسن بن حسن وهو جده لأمه فقال له: لعلك أحدثت بعدي أهلا؟ قال: نعم، تزوجت بنت عمي الحسين فقال له: بئس ما صنعت، أما علمت أن الأرحام إذا التقت أضوت، كان ينبغي أن تتزوج في البعداء، قال: قد نكحت وقد رزقني الله منها ولدا.. الخ..
ويقال أن الرجل إذا تزوج ابنة عمه أصاب ولده ضوى :
أنذر من كان بعيد الهم                           في الناس تزويج بنت العم
ليس بناج من ضوى وسقم
وقال أحدهم في تفضيل الغريبة على القريبة:
فتى لم تلده بنت عم قريبة                         فيضوي وقد يضوى رديد الغرائب
تعلم من أعمامه البأس والندى                   وورثه الأخوال حسن التجارب
هو ابن غريبات النساء وإنما                      ذوو الشأن أبناء النساء الغرائب
ومن الطرائف أن عمارة بن عقيل كان دميماً داهياً فتزوج امرأة حسناء رعناء من غير قرابته ليكون أولاده في حسنها وجمالها وفي ذكائه ودهائه فجاؤوا في رعونتها ودمامته فسبحان الله ؟
وسئل المغيرة بن شعبة عن صفة النساء فقال: بنات العم أحسن مواساة والغرائب أنجب.
صفات من يستحب الشرع خطبتها
صبية ذات دين زانه أدب
فيها أحاديث جاءت وهي ثابتة
غريبة لم تكن من أهل خاطبها
 
جلوتها الأولى الألباب مختصراً
بكر ولود حكت في نفسها القمرا
 تلك الصفات التي أجلو لمن نظرا
أحاط علماً بها من في العلوم قرا


وعلى كل حال أنا لا أحارب شيئاً أحله الله ورسوله أبداً ولكن أقول كما قال أهل العلم: إنه ينبغي التدقيق في ذلك فلا يتزوج الرجل المريض مثلاً بمرض ظاهر وراثي من امرأة قريبة له، فيها نفس المرض فينتقل هذا المرض لأولادهما.
والإسلام حث على النسل وعلى أن يكون فيه صفات مرغوبة يكتسبها المولود من أبويه وهذا أفضل بلا شك ولا ينازع فيه أحد.
والوراثة لها تأثير في المولود ولهذا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله: إن امرأتي ولدت غلاماً أسوداً ((وقصده كيف يكون أبواه أبيضين وهو أسود اللون؟ وكأنه يشك فيها))
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم، قال: فأنى لها ذلك؟ قال: نزعها عرق. فقال رسول الله: ابنك هذا لعله نزعه عرق فدل هذا على أن للوراثة تأثيرا.
وعلى كل حال لو كان الرجل يرغب في إحدى قريباته ولم تكن هناك أمراض ظاهرة فلا بأس أن يتزوجها لاسيما إن كانت ذات دين وخلق.
وإليك هذه الفتوى في ذلك للشيخ محمد العثيمين.
الزواج من الأباعد أفضل
س. تقدم لي أحد الأقارب لكنني سمعت أن الزواج من الأباعد أفضل من حيث مستقبل الأطفال وغير ذلك فما رأيكم في ذلك ؟
ج. هذه القاعدة ذكرها بعض أهل العلم وأشار إلى ما ذكرت من أن للوراثة تأثيرا، ولا ريب أن للوراثة تأثيرا في خلق الإنسان وفي خلقته، ولهذا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود ((يعرض بهذه المرأة كيف يكون الولد أسود وأبواه كل منهما أبيض))، فقال له الرسول صلى الله وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر. قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم. قال: فأنى لها ذلك؟ قال: لعله نزعها عرق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ابنك هذا لعله نزعه عرق. فدل على أن للوراثة تأثيرا ولا ريب في هذا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر الدين تربت يداك .
فالمرجع في خطبة المرأة إلى الدين، فكلما كانت أدين وكلما كانت أجمل فإنها أولى سواء كانت قريبة أم بعيدة، وذلك لأن الدينة تحفظه في ماله وفي ولده وفي بيته، والجميلة تسد حاجته وتغض بصره ولا يلتفت معها إلى أحد. انتهى.
وإن كان ولا بد من الزواج بالقريبة فلينتبه إلى مسألة الرضاع وليتفحص فيها قبل العقد.
لأن الناس اليوم خاصة في القرى والمدن الصغيرة لا تخلو العوائل من علاقات رضاع قديمة قبل توفر أنواع الحليب الصناعي فكانت الأم إذا شعرت بأن ثديها ليس فيه لبن أو كان هذا اللبن غير كاف لطفلها أو عند سفرها أو مرضها أو غير ذلك فإنها تدفعه إلى امرأة أخرى لا رضاعه سواء بأجرة أو غير أجرة فتجد امرأة واحدة مثلاً أرضعت عشرين ولداً وبنتاً أو أكثر فكلهم إخوان من الرضاع ثم إذا كبر الأولاد وأرادوا الزواج فإن المسألة لا بد تؤخذ بدقة فقد يكون هذا الشاب أخ للمرأة التي يريد نكاحها.
ويتهاون بعض الناس في هذا فربما بعد زواجهما تأتي عجوز بحنان وعطف الأمومة وجهل المعرفة فتقول: وفقهما الله لقد رضعا من ثديي سوياً فتهرع العائلة ويحدث الانفصال بينهما، فيعالج الأمر ولو تحرينا في البداية لكان أفضل والوقاية خير من العلاج، والقصص في هذا معروفة عند الكثيرين. وفي الحديث: (يحرم من الرضاع ما حرم من النسب) (رواه البخاري ومسلم والنسائي).
ولك أن تتصور فتاة رضعت من أربعين امرأة وعلى هذا فأولاد هذه المرضعات وبناتهن هم إخوان لهذه المرأة وتخيل أن لكل مرضعة على الأقل خمسة أولاد ذكور وبعد ذلك يكبر الأولاد والبنات ويتفرقون وتنطمس الأدلة بموت كبار السن المعايشين للإرضاع وتندثر الأخبار وربما تزوج ولو ابن واحد من أخت له من الرضاع.
الزواج من الخارج
ذكر الكثيرون من أهل العلم والحكمة والمعرفة أن زواج الرجل من بلده أفضل وذلك بحكم التجربة والواقع شاهد بذلك حيث الاتفاق في المشرب والذوق والعادات والعرف والطبيعة والملاءمة من جميع الجوانب وعدم التاثر بأمور دخيلة من خارج بلده والكلام على الزواج من الخارج من شقين فأما الأول فهو الزواج من غير البلد والموطن ((الدولة)).
والكلام ليس من جهة الحكم إذ لا يجهل أحد جواز ذلك ما دام الزوجان مسلمين محافظين ولكن الكلام هنا على العواقب والمؤثرات وإن كان الإنسان لا يجزم بذلك ولكن الوقائع والأحوال شاهدة في كثير من الأحيان.
والذي ينبغي للرجل أن يتزوج من أهل بلده لتلافي سلبيات كثيرة وهي معروفة.
وأما الشق الثاني فهو الزواج من امرأة كافرة ولكنها من أهل الكتاب ((اليهود أو النصارى)).
ولقد أباح الله تعالى الزواج من الكتابية وقد تكون الحكمة في ذلك الرحمة والشفقة بهذه المرأة ولعل أن يكون في الزواج منها رجعة إلى دين الفطرة فتحيى حياة طيبة في دنياها وأخراها.
ولقد كان لإباحة ذلك أعظم الأثر في دخول كثير من الكتابيات في الإسلام ولكن هل الظروف قديماً كظروف عصرنا اليوم؟ بالتأكيد لا.
ولذلك فمن الحكمة أن يقال: إن الزواج بنساء أهل الكتاب مباح ليس على الإطلاق وإنما مقيد بضمان تربية الأولاد تربية إسلامية وصيانة البيت من مظاهر الشرك، لئلا تسري العدوى إلى الأبناء والبنات والقاعدة الفقهية تقول: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) والقاعدة الأخرى تقول: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
وقد ذكر بعض الصحابة أن الزواج بالكتابيات يوم كان المسلمات قليلات، (طبعا ليس هذا دليل على حرمة الزواج منهن) ولكن المقصود أن الأفضل منعه إذا خشي منه بوار المؤمنات.
والحمد لله إن في البلدان الإسلامية نساء مؤمنات أفضل بكثير من الكتابية وليس من الضرورة أن نزوج بالكتابيات خاصة في ظل هذه الحضارة العمياء.
يقول أحد الكتاب :
لا تتزوجوا يا إخواني بأجنبية، إن أجنبية يتزوج بها مسلم هي مسدس جرائم فيه ست قذائف!
الأولى : بوار امرأة مسلمة وضياعها بضياع حقها في الزواج.
الثانية : إقحام الأخلاق الأجنبية على طبائعنا وفضائلنا.
الثالثة : دس العروق الزائفة في دمائنا ونسلنا.
الرابعة : التمكين للأجنبي في بيت من بيوتنا يملكه ويحكمه ويصرفه كما شاء.
الخامسة : إيثار الأجنبية على الأخت المسلمة وإلقاء السم الديني في الذرية المقبلة.
السادسة : الزوج يؤثر أسفله على أعلاه ويستبدل الأدنى بالذي هو خير.
زد على ذلك أن هؤلاء الأجنبيات هن كتابيات بالاسم، ولكن أغلبهن مشركات ملحدات فكيف يمكن الجمع بينهن وبين الرجال المسلمين.
وإن كن مشركات فلا يحل الزواج منهن قال تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } [سورة البقرة:221].
وذلك لاستحالة اجتماع الزوجين على عقيدتين متنافرتين مما يسبب نزاعهما ويؤدي إلى المخاطر بعقيدة الأولاد وفسادهم حتما.
فإذا ترتب من الزواج بالكتابية هذا المحذور الرهيب كما هي الحال الآن رجع الحكم إلى أصله بالتحريم.
وللأسف أكثر من يتزوج بالأجنبيات قصار النظر الذين لا يحسبون للمستقبل حسابا ولا يفكرون ولا يفرضون ولا يقدرون، فهم أهل ظواهر فقط عقولهم ضعيفة ونظرهم قاصر.
والناس أكثرهم فأهل ظواهر                          تبدوا لهم ليسوا بأهل معان
فهم القشور وبالقشور قوامهم                        واللب منه خلاصة الإنسان
وأغلب الأجنبيات الكتابيات من أهل سفور واستهانة بالأزواج وكثرة الخروج واستطالة اللسان على الزوج وضعف الدين أو عدمه حتى ولو مع إسلامهن، وصاحبات غلظة على الأولاد وتكليف الزوج بالمصاريف الباهظة حتى ربما جلس على بساط الفقر ولهذا نسمع أن بعض الذين اغتروا بالحضارة والمدنية الزائفة وتزوجوا هن يئنون ويتمنون الخلاص وهيهات الخلاص بعدما امتلأ البيت من الأولاد وإن هموا بالطلاق راودهم الشعور بمستقبل الأولاد إذا فالوقاية خير من العلاج.
وإليك هذه القصة المؤلمة التي نشرتها إحدى الجرائد المحلية لرجل فقد أبوته وزوجته وأطفاله خارج وطنه عنوانها: (زوجتي الأجنبية نصرت ابنتي سهيلة وسمية)
لا يزال ضحايا الزواج من أجنبيات يتساقطون ويدفعون الثمن غالياً حرمانا من الأبناء وفقدانا للوظيفة وتشتيتا و"دوخة" بين أروقة الشرطة والمحاكم والسفارات والقنصليات ودوامة من الهموم  والآلام لم تنته بعد.. بينما كان المواطن "ع. أ" يواصل دراسته في إحدى الدول الأجنبية تزوج من إحدى الفتيات بموافقة الأهل ورزق منها بطفلة جميلة وبعد انتهاء الدراسة عاد إلى المملكة ليدخل في منعطف جديد في حياته. حصل على وظيفة براتب لم يكن يغطي مصاريف حياته وبعد مضي عام من المعاناة والضغوط بحث عن عمل آخر وانظم إلى شركة كبيرة في المنطقة الشرقية وتحقق حلمه الذي طال انتظاره. وبعد عام ابتعث مرة أخرى للدراسة بنفس الدولة الأجنبية لمدة أربعة عشر شهرا أنجبت خلالها زوجته طفلتها الثانية. ونظرا لعدم توفير الشركة سكنا عائليا اضطر إلى العودة والسكن مع أحد أقاربه بالجبيل في بيت يبعد كثيرا عن مقر عمله، يغادر عائلته في الخامسة والنصف صباحا ويعود في السادسة والنصف مساءا ويضيف "ع. أ" تحملت المعاناة حتى خصصت الشركة لي بيتا من غرفة وصالة نصفها مطبخ وبسبب تسرب الماء إليه وعدم صلاحيته للسكن طلبت الإخلاء ودخلت معاناة أخرى مع زوجتي غيرت مجرى حياتي وبينما كنت أقاوم الضغوط والإحباط أصبت بورم في الجيوب والخياشيم الأنفية وقرر الأطباء تحويلي إلى أمريكا لإكمال علاجي ويتابع المواطن قائلا: غادرت وزوجتي وطفلتاي مطار الظهران متجهين إلى بلادها عبر امستردام وفي مطار امستردام حدث ما لم يكن بالحسبان قذفت زوجتي بالعباءة على الأرض وانتزعت الحجاب من فوق رأسها ووجهها وأخذت تردد الشتائم لي ولأهلي ولوطني وصاحت: لن أعود أبدا إلى المملكة.. فاستغربت ذلك منها واعتقدت أنها أصيبت بحالة هستريا وطلبت من مكتب الخطوط الهولندية تحويل رحلتنا إلى المملكة ولكنني فوجئت بزوجتي تحضر اثنين من رجال أمن المطار وتتهمني زورا وبهتانا بأنني أريد قتلها وطفلتيها.
أقاطعه وماذا فعلت؟
فيجيبني بحسرة وألم.. خيرني مسؤلو أمن المطار بين مواصلة الرحلة إلى بلادها أو العودة إلى المملكة بدون زوجتي وطفلتي فاخترت المواصلة على أمل أن تعود زوجتي إلى صوابها وخلال الرحلة ظلت توجه لي وابلا من الكلمات النابية حتى وصلنا إلى مطار هيوسق وهناك فوجئت بثلاثة من رجال الشرطة يسألون زوجتي عما إذا كانت في خطر.. فأجابت بالنفي وعندما سألوها عن ادعاءاتها بمطار امستردام أجابت: كنت أخشى أن يأخذ الطفلتين إلى المملكة.. ثم أخذوا عنوان الفندق الذي سننزل به وتركونا نواصل السير دون اتخاذ أي إجراءات يصمت المواطن برهة ثم يواصل والألم يعصر قلبه. في اليوم الثاني أجريت بعض الفحوصات التي أتيت من أجلها وقبل دخولي المستشفى لإجراء الجراحة بيوم حضر ثلاثة من رجال الشرطة إلى غرفتنا بالفندق وبدون إذن مني قاموا بتفتيش الغرفة والحقائب وأخذوا زوجتي وطفلتي وجوازي سفر الطفلتين من صندوق الأمانات بالفندق دون موافقتي وبعد أيام من مغادرتي المتشفى تلقيت أمرا من المحكمة يمنعني من الاقتراب من طفلتي أو التحدث إليهما إلا بحضور الشرطة ويضيف المواطن الذي فقد أبوته وزوجته خارج بلاده: مكثت خمسة أشهر أصارع المرض والآلام الجسدية والنفسية وأجريت ثلاث عمليات جراحية أخرى وطلبت إجازة من عملي بدون راتب لمدة ستة أشهر لمتابعة القضية وإقناع زوجتي بالعدول عن موقفها المتعنت ولكن الشركة لم توافق على ذلك فقدمت استقالتي ودخلت في دوامة أخرى لم أخرج منها بعد.. ففي تلك الأثناء ظلت زوجتي ومحاميها يماطلان في الجلسات واضطررت إلى العودة للملكة مكسور الخاطر بدون طفلتي وخسرت كل شيء.
ويواصل "ع. أ" عرض مأساته.. أمضيت عاما ونصف العام أبحث عن عمل حتى عثرت على وظيفة يعادل راتبها ربع راتبي السابق ووصلني إشعار من المحكمة يفيد بحصول زوجتي على حق الحضانة الدائمة للطفلتين ويمكنني رؤيتهما فقط بموافقتها...
أما المصيبة الأخرى فهي ما سمعته عن زواج زوجتي التي لم أطلقها شرعا من رجل غير مسلم أنجبت منه وعلمت أنها ارتدت عن الإسلام وقامت بتنصير فلذتي كبدي " سمية " وسهيلة" اللتين أبعث إليهما 2200 ريال شهريا حسب قرار المحكمة.. وما زالت مأساتي مستمرة..
انتهت القصة..
وهذه قصة رجل تزوج من الخارج قبل نحو ثلاثة أشهر قد أفهم زوجته مرارا وتكرارا بالكف عن شرب الدخان نهائيا واستجابت لطلبه بادئ الأمر وامتنعت بالفعل عن شربه ولكنه لاحظ في الآونة الأخيرة رغبتها في العودة إليه وطلبت منه أكثر من مرة أن يقوم بإحضاره لها وأمام هذا الإلحاح المتزايد خرج الزوج عن طوره وانفلتت أعصابه لينهال عليها ضربا بكل جهده وعلى كل جزء من جسدها حتى فقدت وعيها وحملت إلى أحد المراكز الصحية بالأسياح الذي قام بإبلاغ الشرطة عن الحادث والتي قامت بإحضار المعتد، وقد وصفت آثار الاعتداء بتلك الإصابات التي تنتج عن حوادث السيارات ولا زالت الزوجة ترقد في إحدى مستشفيات بريده متأثرة بجراحها العميقة بينما خرج الزوج المعتدي من السجن بالكفالة بعد اعترافه بجميع ما نسب إليه وبالاعتداء على زوجته المذكورة ضربا. انتهت القصة.
وهذه أمثلة فقط وإلا فالمشاهد كثيرة جدا.
النكاح بنية الطلاق
هذه المسألة خاض فيها الناس بين مجيزين ومانعين وقد تتحقق غالبا في الذين يغتربون عن أوطانهم إما لجهاد أو طلب علم أو علاج أو دراسة ونحوها. فهل يجوز لهم أن يتزوجوا وفي نيتهم الطلاق عندما يرجعون إلى بلادهم؟!
وقد يكون بعضهم يرغب في ذلك لصون عفته وعدم وقوعه في المنكر.
وقبل الإجابة : لا بد أن نتصور المسألة لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما قال علماء أصول الفقه.
وعند التصور لا بد أن نحرر محل الخلاف والنزاع ويدور خلافهم على كونه نكاح متعة أو، لا ولذلك لا بد من أخذ تصور عن نكاح المتعة فالقائلين بأنه متعة حرموه لأجل ذلك وأما القائلين بأنه ليس متعة اختلفوا في جوازه ومنعه فمنهم من كرهه ومنهم من حرمه قياسا على نكاح التحليل ومنهم من أجازه والتفصيل في المسألة أن نقول إن النكح بنية الطلاق لا يخلو من حالين:
الأولى : إما أن يشترط الرجل في العقد بأنه يتزوجها لمدة معينة إما شهر أو سنة أو إلى أن تنتهي الدراسة أو المهمة التي سافر لأجلها أو غير ذلك فهذا لا خلاف في تحريمه وهو داخل في نكاح المتعة لأن الزوج يتمتع بها إذا انتهت المدة المشروطة ينفسخ العقد بينهما تلقائيا وبدون طلاق.
الثانية : أن ينوي الرجل عند الزواج أنه سيطلقها بعد مدة عينها في نفسه ولكن دون أن يكون هناك اشتراط حين العقد ودون علم المرأة فقيل هو (مكروه) وهو رواية في مذهب أحمد وهذا هو القول الأول وقيل (حرام) وهو المشهور عند الحنابلة وأن العقد فاسد وغير صحيح وهو القول الثاني وعللوا ذلك من وجهين الوجه الأول : أن المنوي كالمشروط وهذا الرجل الذي نوى أن يطلقها بعد انتهاء الغرض كأنه اشترط هذه المدة ولو لم يذكرها حين العقد فهو متعة وقد قال عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
والوجه الثاني:
قياساً على نكاح التحليل والذي هو نكاح الرجل للمرأة لأجل أن يحللها لزوجها الأول الذي طلقها ثلاثاً فقالوا: لو أن رجلاً تزوج امرأة مطلقة ثلاثاً وهو ينوي بنكاحه لها أن يطلقها ليحللها لزوجها الأول فإن النكاح فاسد ولو لم يشترط هذا الرجل أن يطلقها لتحل لزوجها الأول لأن المنوي كالمشروط فإذا كانت نية التحليل تفسد العقد فكذلك نية المتعة تفسد العقد هذا هو قول الحنابلة وهو رواية في مذهب أحمد ومروي عن الأوزاعي وقيل أنه (يصح) أن يتزوج الرجل المرأة وفي نيته أن يطلقها إذا انتهت المدة المحددة في نفسه كرجوعه من الغربة أو الدراسة في الخارج ونحو ذلك. وهذا هو القول الثالث.
لأن هذا الرجل لم يشترط في العقد أن يتمتع بها إلى وقت معين فلا يصير ذلك نكاح متعة. وقالوا: يوجد فرق بين نكاح المتعة والنكاح بنية الطلاق وهو أن نكاح المتعة إذا تم الأجل والوقت المحدد المشروط حصل الفراق بينهما وانفسخ العقد شاء الزوج أو أبى أما النكاح بنية الطلاق فإنه لا ينفسخ بنهاية المدة، ولأنه يمكن أن يرغب فيها الزوج وتبقى عنده ولا يطلقها وهذا حاصل- والواقع يشهد له- وإذا كانت كتابية ربما أسلمت وحصل لها خير كبير.
وهذا القول هو قول الجمهور وأحد القولين لشيخ الإسلام ابن تيمية وهو رواية في مذهب أحمد والخلاصة: أن يقال (الصحيح) أن النكاح بنية الطلاق نكاح صحيح وجائز وليس نكاح متعة لأنه لا ينطبق عليه تعريف المتعة وإن كان هناك حرمة فإنها لا ترجع للعقد إذ هو صحيح ولكن ترجع إلى شيء آخر وهو من جهة أنه غش للزوجة وأهلها وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الغش والخداع لأن الزوجة لو علمت بأن الرجل لا يريد أن يتزوجها ويبقي معها إلا لهذه المدة ما تزوجته ولا رضيت لا هي ولا أهلها وقد يجر ذلك عليها مشاكل أخلاقية بعد مفارقته لها أو أنه لا يتزوجها أحد فيكون هذا الرجل قد ظلمها وكذب عليها إضافة إلى أنه لو جاءهما أولاد لكانوا هم الضحية وقد تصرفهم أمهم عن الإسلام إن كانت كتابية ويحصل هذا فساد كبير.
وكذلك فإن هذا الرجل لا يرضى أن يتزوج شخص ابنته وهو في نيته أن يطلقها إذا انتهت حاجته منها فكيف يرضى لنفسه أن يعامل غيره بمثل ما لا يرضاه لنفسه وهذا خلاف الإيمان لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". (متفق عليه) وهذا هو الأحوط والذي تسد به الذريعة وإنه لو أبيح ذلك لذهب الكثيرين وخاصة الشباب إلى الخارج للزواج والتمتع فقط ثم الرجوع ولا يخفى على عاقل ما يحدث ذلك من المفاسد من ضياع الشباب وضياع أموالهم وجفاء زوجاتهم وعنوسة الفتيات وغير ذلك ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ولو أردنا ضبط ذلك وأنه لا يحل النكاح بنية الطلاق إلا لمن كان له حاجة في غير بلاده ويريد العفة وعدم الوقوع في المحرم لصعب علينا مثل هذا وما أكثر الناس الذين يحاولون العثور على أي رخصةٍ أو طريق إلى إشباع رغباتهم وقد يصوغون أسئلتهم بصياغة فيه لبس على المفتي ليقولون: أفتانا هذا فلان وهو في الحقيقة أفتاهم على حسب سؤالهم ولكنه لا يعلم عن خبث نواياهم. فسد هذا الباب أولى وأفضل وبعض الناس فيهم جهل وقد لا يمنعهم شيء في تعدي محارم الله. وعلى كل حال فإن كل هذه السلبيات لا تجعل النكاح باطلاً بل هو كما أسلفت صحيح وأرجو أن يكون فيما قلت بياناً مختصراً شافياً لهذه المسألة.
نكاح المسيار
وقد شاع لدى الناس وصار حديث المجالس وأخذ الناس يخوضون في حكمه.
ويقصد الناس به هو: أن يعقد الرجل على امرأة ويتزوجها بشروط يذكرونها ومنها على سبيل المثال:
أن الزوج لا ينفق عليها أو لا يوفر لها سكنا فتسكن مع أهلها أو في مكان آخر أو أن لا يعدل بينها وبين زوجته الأخرى، أو أن يأتيها نهارا دون الليل أو لا قسم لها في المبيت أو لا مهر لها عند العقد أو لا ترثه إذا مات أو غير ذلك من الشروط.
ويطلقون عليه زواج ((المسيار)) أو ((السيار)) أو نحوه وهو في الحقيقة إلغاء لجميع مقومات النكاح فالمقصد من هذا الزواج هو الاستمتاع فقط.
وللأسف الشديد أن الناس اليوم يأخذون الأحكام الشرعية من المجالس والقنوات الفضائية، فيقول أحدهم للآخر مثلا: هل سمعت عن زواج المسيار لقد حللوه في التلفاز أو في المجلس الفلاني أو...
ويا ليتهم يرجعون في ذلك لأهل العلم ولا يخوضون ويفتون ويتقولون على الشريعة فهذا من المحرمات بل قرنه الله بالشرك فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } [سورة الأعراف:33] ولك أن تعجب حينما ترى مجموعة من الرجال والنساء يناقشون قضية عبر أستديوهات وتلفاز وحضور من بعض الناس فيجتمع طبيب ورجل يدعي العلم ويرى أنه شيخ وامرأة كاشفة ماجنة يحوارهم ثم يخرجون بنتيجة وفتوى عن موضوع زواج المسيار أو غيره ولا حول ولا قوة إلا بالله يفتون بلا علم فيضلون ويضلون.
لا أدري هل خلا المجتمع من الرجال حتى يجلسون امرأة متبرجة وبجوار الشيخ المزعوم (للسخرية والنيل من أهل الدين).
وإن هذا الشيخ الذي يجلس ويناقش امرأة بهذه الطريقة فإنه مزور كاذب غشاش، ولو أفتى وقال: عندي الحكم كذا وكذا فأحسن ما يقال له:
يقولون هذا شيء عادي عندنا                     قلت ومن أنتم حتى يكون لكم عند
ونبقى الآن مع حكم "نكاح المسيار".
قبل الشروع في ذلك لا بد من تصوره واستعراض ماله وما عليه والحكم على الشيء فرع عن تصوره كما سبق
ولا بد من الوقوف على الشروط في النكاح عموما لنعرف بعد ذلك حكم هذا النكاح ومدى موافقته للشريعة، فبقال : إن الشروط في النكاح نوعان:
أولا : شروط شرعية وهي رضا الزوجين وحضور الولي للزوجة والشاهدين والتعيين وقد سبق الكلام عنها في أول الكتاب.
فهذه اشترطها الشارع في صحة النكاح فإذا فقد واحد منها فالنكاح باطل من أصله.
ثانيا : شروط جعلية:
وهي ما تشترطه المرأة وأولياؤها عند العقد أو الزوج ويكون فيها منفعة لأحدهما.
وهذه الشروط معتبرة وملزمة إذا كانت لا تخالف الشريعة لقوله تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا } [سورة البقرة:177] وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق الشروط أن توفوا بما استحللتم به الفروج".
وقوله: "المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا".
ومثال ذلك: أن تشترط الزوجة عدم منعها من إكمال الدراسة فإذا رضي الزوج به فيجب عليه الوفاء وإذا لم يوف جاز للمرأة طلب فسخ النكاح وإن تنازلت أو سكتت فالنكاح باق على صحته. وقد يرد الشرط صريحا منصوصا عليه في العقد فيجب العمل به.
وقد لا يرد الشرط منصوصا عليه ولكن العقد يتضمنه العقد أو العرف يدل عليه فيجب العمل به.
ومثال النصوص عليه: لو اشترطوا على الزوج أن لا يسافر بها لمكان معين ومثال غير المنصوص عليه لكن يتضمنه العقد أو العرف يدل عليه.
زف العروسة إلى العريس هل في بيته أو بيت أهلها.؟
والعرف الذي يعمل به هو الموافق للشريعة.
أما الأعراف المخالفة للشرع فلا يجوز العمل بها.
والشروط التي في النكاح تنقسم إلى قسمين:
الأول : شروط صحيحة وهي نوعان:
1. شروط يقتضيها العقد كتسليم المرأة للزوج وتمكينه من الاستمتاع بها فلا يحتاج إلى شرطه لأن الشارع شرطه.
ولو ترافعا إلى القاضي سيلزمها على تسليم نفسها وإن لم يكن مشروطاً في العقد.
2. شروط نفع معينة يشترطها أحد الطرفين على الآخر وهي شروط جعلية ملزمة للآخر إذا رضي بها ولم تكن مخالفة للشرع مثل لو شرط عليها عدم إكمال دراستها أو وظيفتها.
أو هي شرطت عليه أن تكمل دراستها أو وظيفتها فيجب الوفاء بها.
الثاني: شروط فاسدة وهي نوعان:
1. شروط فاسدة بنفسها مع بقاء العقد صحيحا كأن يشترط أن لا مهر لها أو لا نفقة لها وغير ذلك، فالعقد صحيح والشروط باطلة لا يعمل بها.
2. شروط فاسدة بنفسها مفسدة للعقد مثل اشترط الزوج أن يتزوجها مدة معينة فهذا زواج متعة فالزواج باطل كله، أو أن يشترط عليها أن يتزوجها ليحللها لزوجها الأول أو هي شرطت ذلك فهذا نكاح التحليل وهو محرم باطل أو أن يشترط الولي على الزوج أن يزوجه أخته أو بنته فهذا نكاح الشغار وهو محرم وهكذا...
والآن بعد استعراض الشروط والأمثلة نقف عند زواج المسيار ونرى الشروط في عقده هل هي شرعية أو جعلية؟ وهل هي منصوص عليها أو لا؟ وهل هي داخلة في عرف مقبول شرعا أو لا، وهل هي صحيحة أو فاسدة؟ وإن كانت فاسدة فهل تفسد النكاح كله أو هي فاسدة بنفسها مع بقاء العقد على صحته؟!
فإذا استعرضنا كيفية زواج المسيار وشروطه التي ذكرناها قبل قليل وجدتها أنها شروط فاسدة بنفسها فقط مع بقاء العقد والنكاح صحيحا وعلى هذا نقول: الخلاصة أن نكاح المسيار- كما يسمونه- عقده صحيح.
ولكن شروطه التي ذكرناها فاسدة باطلة لاغية، وعليه فإذا اشترط الزوج مثل هذه الشروط فإن المرأة ليست ملزمة بالوفاء بها بعد العقد لمخالفتها الشريعة ولفسادها في نفسها ولها الحق أن تطالبه بعكس كل شرط منها فتأخذ المهر إذا أرادت وتلزمه بالنفقة عليها والسكنى والعدل والإرث سواء رضي أو لم يرض لأن ذلك مما أوجبه الشارع لها فإن أبى فلها طلب فسخ عقد النكاح والقاضي يقف معها في كل ما تطلبه بعد العقد، إلا إن تنازلت عن حقها أو سكتت عنه فلها ذلك والعقد صحيح.
وفي التنازل ورد حديث صحيح وهو أن سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم " أراد رسول الله أن يطلقها أو خافت ذلك قالت: يا رسول الله: أمسكني وأهب يومي لعائشة، فصار رسول الله إذا جاءت ليلة سودة ذهب إلى عائشة (رواه البخاري وأبو داوود)، وأرادت سودة أن تحوز على الفضل ببقائها عند رسول الله وتحت ذمته وتكون زوجة له في الدنيا والآخرة.
وأضع بين يديك أنكحة أخرى تصادم ديننا الحنيف
والواجب عليك أن تحذرها لأنها محرمة منهي عنها فاجتنبها حفاظ على دينك وأخلاقك وحرمتها ترجع لأصلها أو وقتها أو مكانها أو مقصدها.
أذكرها لك من باب معرفة الشر لاجتنابه وعدم الوقوع فيه والوقاية خير من العلاج كما سلف يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:
كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني (رواه الشيخان).
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه                  ومن لم يعرف الخير من الشر يقع فيه
ومنها:
نكاح الرهط
وهو وطء الجماعة للمرأة أي أن يجتمع رجال عدة فيجامعون امرأة واحدة ثم تحمل وإذا أنجبت تختار بنفسها رجلا منهم ليكون أبا لهذا المولود وهذا الرجل الذي وقع عليه الاختيار لا يستطيع رد ذلك، فيكون أبا له طوعا أو كرها، وهذا النكاح كان معروفا في الجاهلية، وقد أخبرت عنه عائشة رضي الله عنها حيث قالت: كان الرهط دون العشرة يدخلون على المرأة فيصيبونها فإذا اجتمعوا عندها تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع عنه الرجل (رواه البخاري).
لعمر الله إن في ذلك امتهان للمرأة في الجاهلية إلى أبعد الحدود فلله الحمد والمنة فلقد أكرم الإسلام المرأة وجعلها تسمو وترتفع عن مثل هذه الدناءة والفجور.
نكاح الاستبضاع
وهو أحد الأنكحة الجاهلية، وصورته أن يأخذ الرجل زوجته ويبحث عن رجل معين فيه صفات عالية كأن يكون رئيسا أو شجاعا أو كريما ونحو ذلك فيجعله يجامعها لكي تحمل منه فتنجب ولداً يحمل صفات عالية كصفات الرجل الذي جامعها.
وتحدث عنه عاثشة أيضاً بقولها: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى تتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد (رواه البخاري).
نعوذ بالله من الدياثة والخزي، وإن هذا الفعل القبيح لتتنزه منه بعض الحيوانات فضلا عن بني الإنسان وصدق الله { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [سورة الفرقان:44].
نكاح الخدن
وهو النكاح السري، وقد كان في الجاهلية معروفا وكانوا يقولون: ما استتر فلا بأس، وما ظهر فهو لوم. وقد قال الله فيه: {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } [سورة النساء:25].
نكاح البدل
وهو أن يقول الرجل للرجل: اترك لي زوجتك أي تنازل عنها وأتنازل لك عن امرأتي مدة محددة وهذا محرم وهو من الدياثة.
النكاح بالشراء
وهو أن يشتري الرجل الفتاة من أبيها كالسلعة تماما وهو بيع محرم ونكاح قبيح.
النكاح بالوراثة
كان الرجل إذا مات وتحته امرأة أستبق إليها ورثته فأيهم وضع عليها ثوبه فهي له ويتصرف فيه كيف يشاء وقد قال الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً } [سورة النساء:19].
نكاح السفاح والبغاء علنا
وهو أحد صور الفساد الظاهري الذي يجهر فيه أمام الناس دون حياء ولا شرف ولا غيرة كما تفعل البهائم في تلقيحها لبعضها، وهو شبيه بنكاح الرهط إلا أنه أخلع منه فنكاح الرهط يجتمع فيه رجال أقل من العشرة فيجامعون المرأة وقد يكون سرا أما نكاح السفاح والبغي فليس للرجال الذين يزنون بالمرأة حدود فهي قابلة وراضية أن ينكحها عشرات من الرجال بل تدعوهم إلى ذلك أمام الناس وهذا النكاح من أنكحة الجاهلية والذي يوجد في هذه الزمان بعض آثاره ولكن مع التخفي والاستتار غالباً، ويوجد في بعض الأماكن ما هو علني كبيوت الدعارة والفنادق التي تجلب العاهرات والسافرات في تلك الليالى الحمراء كما يسمونها والتي يحلو لهم فيها جمع الراقصات وشرب الخمور ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وتحدث عائشة أيضاً عن هذا فتقول: ونكاح يجتمع الناس الكثير فيه فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها وهن البغايا، كن ينصبن على أبواهن رايات تكون علماً، فمن أرادهن دخل عليهن، وإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطته به.
لا يمتنع من ذلك فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.
نكاح المتعة :
نكاح المتعة من الأنكحة المحرمة، سمي بذلك لأن قصد الرجل من الزواج التمتع بالمرأة فقط، إلى وقت محدد في العقد فإذا انتهى هذا الوقت المحدد طلقت المرأة منه. وبما أن هذا النوع من الأنكحة شاع جوازه عند بعض الفرق كفرقة الأمامية وهي من فرق الشيعة أو عند الإفرنج والذين يسمونه نكاح التجربة أو عند غيرهم ممن يسمونه النكاح العرفي فرأيت الاستطراد فيه وذكر الأدلة الشافية والوافية لتحريمه والرد على المبيحين له ودحض حججهم الواهية.
فمن أدلة تحريمه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر (رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة).
وقول سبرة: أمرنا رسول الله بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنه (رواه مسلم).
وقد يشكل على البعض وقت تحريم نكاح المتعة لاختلاف الزمن في هذين الحديثين وللعلماء كلام وخلاف وحاول بعضهم الجمع فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المتعة يوم خيبر ثم رخص فيها بعد ذلك ثم حرمها عام الفتح مرة أخرى ولم يبلغ الترخيص فيها راوي الحديث الأول وهو علي رضي الله عنه قال ابن القيم رحمه الله: وفي حديث سبرة روايات أخرى بأن النهي كان في حجة الوداع وفي روايات شاذة والراجح رواية عام الفتح ومما يدل على ذلك أن إياس بن سلمة قال: قال لأبيه رضي الله عنه رخص رسول الله عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنه (رواه مسلم).
وهذا تصريح بأن المتعة أبيحت يوم فتح مكة ثم حرمت.
وقد تكلم أهل العلم في معنى هذا النكاح وبيان حكمه، وقال ابن قدامة:
معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهرا أو سنة أو إلى انقضاء الموسم... ثم قال: وهذا نكاح باطل نص عليه أحمد فقال: نكاح المتعة حرام.
قال الشافعي رحمه الله: وجماع نكاح المتعة المنهي عنه: كل نكاح كان إلى أجل من الآجال، قرب أو بعد، وذلك أن يقول الرجل للمرأة: نكحتك يوما أو عشراً أو شهراً... ثم قال: وكذلك أي نكاح إلى وقت معلوم أو مجهول، فالنكاح مفسوخ. وقال ابن حزم رحمه الله: ولا يجوز نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل، وكان حلالاً على عهد رسول الله ثم نسخها الله على لسان رسوله نسخاً باتاً إلى يوم القيامة وقال الحافظ بن حجر رحمه الله: قول ((باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة أخير)).
تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة.
وقد ذكر بعض أهل العلم الإجماع تحريمه وبطلانه.
قال الخطابي رحمه الله: تحريم نكاح المتعة كالإجماع بين المسلمين وقد كان ذلك مباحاً في صدر الإسلام ثم حرمه.. إلى أن قال: فلم يبق اليوم فيه خلاف بين الأئمة إلا شيئاً ذهب إليه الروافض.
ونظم في تحريم المتعة أبو الغنائم محمد بن علي الندسي الكوفي فقال:
فهي من كل إنسان
ومن قال حلال هي
كذبتم لا يحب الله
زوجان في طهر
إذا فارقها هذا
ألا يا صاح فأخبرني

بما قد قيل في المتعة
كمن قد قال في الرجعة
شيئاً يشبه الخدعة
وفي طهر لها سبعةِ
أخذها ذلك بالشفعة
لها في رحمها متعةِ


حجج المبيحين لنكاح المتعة
احتجوا بحديث جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع كما جاء عن البخاري أيضا قالا: كنا في جيش فأتانا رسول الله فقال: إنه قد أذن لكم أن تستمعوا فاستمتعوا (رواه البخاري) والرد عليه:
أن جابر ومن تمتع في عهد أبي بكر وعمر من الصحابة لم يبلغهم التحريم الوارد في حديث علي أو حديث سبرة المتقدمين.
وأيضا كان عمر نهى عن المتعة عن لسان جابر كما عند مسلم، وعمر خليفة راشد فنحن مأمورين باتباع سنته.
واحتجوا أيضا بأن ابن عباس أباح نكاح المتعة، والرد عليه :
هذا الكلام صحيح فإن ابن عباس رضي الله عنه أفتى بجواز المتعة ولكن لم يفتي بالجواز على الإطلاق وإنما قيد ذلك بالضرورة كأن يكون الشخص يخشى على نفسه الوقوع في المحرم ثم أنكر الصحابة عليه إذ هو بشر يصيب ويخطئ فتراجع عن قوله وإليك ما قاله ابن القيم قال: وأما ابن عباس فإنه سلك هذا المسلك في إباحته عند الحاجة والضرورة ولم يبحها مطلقاً فلما بلغه إكثار الناس منها رجع وكان يحمل التحريم على من لم يحتج إليها.
وقال الخطابي: في المنهال ابن جبير قال: قلت لابن عباس: هل تدري ما صنعت وبما أفتيت؟ قد سارت بفتياك الركبان، وقال الشعراء عنك:
قد قلت للشيخ لما طال محبسه                              يا صاح هل في فتيا ابن عباس؟
هل لك لي رخصة الأطراف آنسة                         تكون مثواك حتى رجعة الناس؟
فقال ابن عباس: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما هذا أفتيت ولا هذا أردت ولا أحللت إلا مثل ما أحل الميتة والدم ولحم الخنزير، وما تحل إلا للمضطر.
قال إسحاق بن راهوية: عن ابن عباس قال: كانت المتعة في أول الإسلام متعة النساء فكان الرجل يقدم بسلعته البلد، ليس له من يحفظ عليه شيئه ويضم إليه متاعه فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنه يقضي حاجته وقد كانت تقرأ {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }حتى نزلت{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}إلى قوله{مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [سورة النساء:23-24] فتركت المتعة وكان الإحصان إذا شاء طلق وإذا شاء أمسك ويتوارثان وليس لهما من الأمر شيء قال ابن القيم: فهاتان الروايتان المقيدتان عن ابن عباس تفسران مراده من الرواية المطلقة.
قال الخطابي: فهذه الرواية الأولى عن ابن عباس تبين لك أنه إنما سلك فيه مسلك الناس وشبهه بالمضطر إلى الطعام، وهو قياس غير صحيح لوجود الفارق، لأن الضرورة في هذا الباب لا تتحقق كهي في باب الطعام الذي به قوام النفس وبعدمه يكون التلف وإنما هذا من باب غلبة الشهوة ومصابرتها ممكنة، وقد تحسم مادتها بالصوم والصلاح، فليس أحدهما في حكم الضرورة كالآخر.
نكاح الشغار
نكاح الشغار هو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته لرجل آخر على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته ولا مهر بينهما، وهذا النوع محرم فهو مبادلة بدون مهر، سواء اشترطا ذلك أو سكتوا عنه لكن مقصدهم واضح وسمي شغارا لخلوه عن العوض ومنه قولهم: شغر المكان إذا خلا، وقيل: من شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول، فشبه قبحه بقبح بول الكلب ودليل تحريمه حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق (متفق عليه) وفي رواية لمسلم: لا شغار في الإسلام.
ويذكر أن العباس بن عبد الله أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته فكتب معاوية إلى مروان ففرق بينهما: وقال معاوية: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله (رواه أحمد) قال شيخ الإسلام: من قال إن النكاح يصح مع نفي المهر فقد أسقط ما أوجبه الله. قال النووي: أجمع العلماء على أن نكاح الشغار منهي عنه.
نكاح المحلل ((التحليل))
ونكاح المحلل محرم وسمي محللاً لقصده الحل. والمقصود أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقا بائنا فلا تحل له إلا إذا نكحها زوج آخر ثم طلقها هذا الزوج فإنها تحل بعد ذلك للزوج الأول كما في قوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [سورة البقرة:235] الآية.
وعن عائشة قالت: طلق رجل امرأته ثلاثا، فتزوجها رجل، ثم طلقها قبل أن يدخل بها فأراد زوجها الأول أن يتزوجها فسئل رسول الله عن ذلك فقال: لا، حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول (متفق عليه واللفظ لمسلم).
وصورة هذا النكاح أن يندم الرجل لطلاق زوجته طلاقا بائنا فيتفق مع رجل آخر ليتزوجها ثم يطلقها لتعود إلى زوجها الأول فيكون هذا النكاح المقصد منه تحليل المرأة بعد طلاقها لزوجها الأول.
وأدلة تحريمه: حديث ابن مسعود قال: لعن رسول الله المحلل والمحلل له (رواه أحمد والترمذي).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له" (رواه ابن ماجة والحاكم).
إياك والتيس المحلل إنه                                    والمستحل لردها تيسان
لعن النبي محللا ومحللا                                    فكلاهما في الشرع ملعونان
قال ابن مسعود : المحلل والمحلل له ملعونان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
قال عمر بن الخطاب وهو يخطب: والله لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما فكلاهما زان.
وروى نافع عن ابن عمر أن رجلا قال له: امرأة تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني ولم يعلم، قال: لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكها وإن كرهتها فارقها وإن كنا نعده على عهد رسول الله صلى اللة عليه وسلم سفاحا.
قال الشافعي: نكاح التحليل ضرب من نكاح المتعة.
قال ابن قدامة: وهو في الجملة حرام باطل وسئل ابن تيمية عنه فقال: هو محرم وفاعله ملعون.
زواج خامسة حرة "الجمع بين أكثر من أربع نساء حرائر"
لقد أباح الشرع للرجل أربعة من النساء الحرائر فقط ولا يجوز أن ينكح امرأة خامسة ما دام في عصمته أربعة إلا أن يطلق واحدة أو يتوفاها الله فيحق له أن يتزوج أخرى يقول تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } [سورة النساء:3].
وفي عهد النبي عليه الصلاة والسلام أسلم غيلان الثقفي وعنده عشرة نساء فأمره رسول الله أن يختار منهن أربعاً ويفارق البواقي (رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد ومالك في الموطأ).
وقال قيس بن الحارث: أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: اختر منهن أربعاً.
ولو قال قائل: لماذا هذا التحديد بأربع؟ فيقال له: إن إطلاق العنان للرجل أن يتزوج ما شاء يؤدي إلى الفوضى والظلم وعدم المقدرة على القيام بحقوق النساء. وكذلك حصر الرجل على زوجة واحدة يفضي إلى الشر وقضاء الشهوة بطرق محرمة وهذا العدد (أربع) هو العدد الذي يتمكن به الرجل من تحقيق العدل والقيام بحق الزوجية وسد حاجة الرجل إن احتاج إلى أكثر من واحدة.
ولو قال قائل: لماذا رسول الله تزوج بأكثر من هذا العدد فيقال: إن ذلك خصوصية لرسولنا صلى الله عليه وسلم وفيه اتساع أفق ونظر بعيد منه فكان أهم مقاصده من ذلك الدعوة إلى الله عن طريق رؤساء القبائل لربطهم على كلمة الله وقد تحقق له ذلك صلوات الله وسلامه عليه ولم يكن شهوانياً كما ادعى بعض الفلاسفة الضالين ولذلك كان كل نسائه من الثيبات إلا عائشة رضي الله عنها.
زواج كافرة من غير أهل الكتاب
لقد حرم الله تعالى الزواج من الكافرة مطلقاً إلا إن كانت من أهل الكتاب ((اليهود والنصارى)) مع التقيد بالضوابط الشرعية قال الله تعالى:{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [سورة البقرة:221].
وذلك لاستحالة اجتماع الزوجين على عقيدتين متنافرتين مما يسبب نزاعهما والمخاطرة بعقيدة الأولاد وفسادهم إلا إن كانت الزوجة كتابية بشرط تلافي السلبيات الخطيرة كما ذكرنا سابقاً.
وقال تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } [سورة الممتحنة:20].
الجمع بين الأختين أو القريبتين المحرَّم الجمع بينهما
لا يجوز أن يجمع الرجل بين ما حرم الله ورسوله الجمع بينهما قال تعالى بعد ذكر المحرمات: {وأن تجمعوا بين الأختين} [سورة النساء:13].
وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تجمعوا بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" (متفق عليه).
وقد ذكر أهل العلم قاعدة في ذلك وهي: "لا يجمع الرجل بين امرأتين لو كانت أحدهما رجلا لم يصح له أن يتزوج الأخرى". وإليك مثال ليتضح به المقال: امرأة وبنت بنتها هل يجوز لرجل أن يجمع بينهما؟ الجواب: لا، لأن المرأة لو كانت رجلاً فهل يجوز أن يتزوج من بنت بنته؟ لا فهو جدها فما دام أنه لا يجوز زواجه منها إذا لا يجوز الجمع بين هذه المرأة وبنت بنتها وهكذا.
فإن لم تنطبق القاعدة فيجوز الجمع وإليك مثال على ذلك: امرأة وبنت خالتها هل يجوز لرجل أن يجمع بينهما؟ الجواب: نعم، لأن المرأة لو كانت رجلا فهل يجوز له أن يتزوج من بنت خالته؟ نعم، فما دام أنه يجوز زواجه منها إذا يجوز الجمع بين هذه المرأة وبنت خالتها.
الزواج عند تخلف أحد شروطه
كأن يكون الزواج بغير رضى من أحد الزوجين أو عدم حضور ولي المرأة عند من يشترطون ذلك أو عدم تعيين الزوجة أو عدم وجود شاهدين فهذا يجعل الزواج باطلا والعقد غير صحيح وقد رتب بعض أهل العلم على ذلك أن هذا الزواج سفاح وليس نكاح بل قال بعضهم إن كان الزوج عارفا بذلك وعالما به فإن جماعه لها يعتبر زنى نسأل الله السلامة وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.
نكاح المرأة وهي في عصمة رجل آخر
لا يجوز مثل هذا النكاح ما دامت المرأة لا تزال تحت زوج ولا يسمح الإسلام أبداً بمبدأ تعدد الأزواج أما في الجاهلية فكان سائدا كما سبق.
نكاح الزانية
يحرم نكاح المرأة الزانية لقوله تعالى: { )الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [سورة النور:3].
نكاح المرأة بعد الطلاق البائن
أي لا يجوز للرجل إذا طلق زوجته ثلاث طلقات وبانت منه أن ينكحها إلا إذا نكحها رجل آخر رغبة فيها وليس نكاح تحليل فقط ويشترط دخول الآخر بها ومجامعتها ثم إذا طلقها فيجوز عندئذ أن يعقد زوجها الأول النكاح عليها قال تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا } [سورة البقرة:235]. وأما اشتراط دخول الزوج الثاني بها حديث ((حتى يذوق من عسيلتها ما ذاق الأول)) كما سبق.
عقد النكاح أثناء الإحرام
يحرم على الرجل النكاح ما دام محرما بحج أو عمرة فهو من محظورات الإحرام لأن ذلك ينافي معنى الإحرام.
ولقوله عليه الصلاة والسلام: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" (رواه مسلم).
نكاح المعتدة
لا يجوز للرجل أن ينكح امرأة لم تخرج من عدتها لأن المرأة لها عدة تنتظر فيها إذا طلقها زوجها أو توفي عنها وذلك للتأكد من خلو المرأة من الحمل وإتاحة الفرصة للزوج لمراجعة زوجته ما دامت في العدة وكان الطلاق رجعيا.
وأما إذا كانت المرأة حائضا فلا يمنع من عقد النكاح عليها دون الجماع حتى تطهر بشرط أن تكون خرجت من عدتها ولم يكن هناك مانع شرعي من النكاح.
نكاح المرأة المحرم
فلا يجوز إطلاقا للرجل أن يتزوج امرأة من محارمه وسيأتي الكلام عن المحرمات، ومن فعل ذلك فهو زان والزنى من كبائر الذنوب والزاني إن كان محصنا فإنه يقتل وإن كان غير محصن فإنه يجلد مائة جلدة كما ذكر الله بقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ  } [سورة النور:2].
قل إن رجم الزانيين كليهما                            فرض إذا زنيا على الإحصان
والرجم في القرآن فرض لازم                          للمحصنين ويجلد البكران
والذي يزني بأحد محارمه فجرمه أعظم بكثير من الزاني بغير أحد محارمه بل ذكر أهل العلم أن الذي يزني بإحدى محارمه يقتل مباشرة سواء كان محصنا أو غير محصن واستنبطوا ذلك من قول الله تعالى في حق الزنى عموما { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [سورة الإسراء:22] وأما في حق زوجة الأب والتي هي من المحارم فقال: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً} [سورة الإسراء:32] ففي الآية الثانية أضاف مقتا مما يدل على عظم الزنى بالمحارم.
والمحرمات كالتالي :
المحرمات بالنكاح
لقد حرم الله تعالى على الرجل أن ينكح جملة من النساء إما تحريما دائما أو مؤقتاً وإليك تفصيل ذلك:
أولا: محرمات دائما :
وهن ثلاثة أصناف :
الصنف الأول : المحرمات بالنسب
وهن سبع ذكرهن الله بقوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ...} الآية. [سورة النساء:23]
1. فالأمهات: يدخل فيهن: الأم، والجدات سواء كن من جهة الأب أم من جهة الأم.
2. والبنات: يدخل فيهن: بنات الصلب، وبنات الأبناء، وبنات البنات، ((وإن نزلن)).
3. والأخوات: يدخل فيهن: الأخوات الشقيقات، والأخوات من الأب، والأخوات من الأم.
4. والعمات: يدخل فيهن: عمات الرجل، وعمات أبيه، وعمات أجداده، وعممات أمه، وعمات جداته.
5. والخالات: يدخل فيهن: خالات الرجل، وخالات أبيه، وخالات أجداده، وخالات أمه، وخالات جداته.
6. وبنات الأخ: ويدخل فيهن: بنات الأخ الشقيق، وبنات الأخ من الأب، وبنات الأخ من الأم، وبنات أبنائهم وبنات بناتهم ((وإن نزلن)).
7. وبنات الأخت: يدخل فيهن: بنات الأخت الشقيقة، وبنات الأخت من الأب، وبنات الأخت من الأم، وبنات أبنائهن وبنات بناتهن، ((وإن نزلن)).
الصنف الثاني: المحرمات بالرضاع: ((وهن نظير المحرمات بالنسب))
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)).
ولكن الرضاع المحرم، لا بد له من شروط منها:
1. أن يكون خمس رضعات فأكثر، فلو رضع الطفل من المرأة أربع رضعات، لم تكن أما له.
لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان ((فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يتلى من القرآن)).
2. أن يكون الرضاع قبل الفطام، أي يشترط أن تكون الرضعات الخمس كلها قبل الفطام، فإن كانت بعد الفطام أو بعضها قبل الفطام وبعضها بعده لم تكن المرأة أما له.
وإذا تمت شروط الرضاع، صار الطفل ولداً للمرأة وأولادها إخوة له، سواء كانوا قبله أم بعده، وصار أولاد صاحب اللبن إخوة له أيضاً، سواء كانوا من المرأة التي أرضعت الطفل أم من غيره.
وهنا يجب أن نعرف بأن أقارب الطفل المرتضع سوى ذريته لا علاقة لهم بالرضاع ولا يؤثر فيهم الرضاع شيئاً، فيجوز لأخيه من النسب أن يتزوج أمه من الرضاع أو أخته من الرضاع.
أما ذرية الطفل، فإنهم يكونون أولاداً للمرضعة، وصاحب اللبن كما هو أبوهم من الرضاع كذلك.

الصنف الثالث : المحرمات بالصهر:
1. زوجات الآباء والأجداد: وإن علوا سواء من قبل الأب، أم من قبل الأم، لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ }. فمتى عقد الرجل على امرأة صارت حراماً على أبنائه، وأبناء أبنائه، وأبناء بناته، وإن نزلوا، سواء دخل بها، أم لم يدخل بها.
2. زوجات الأبناء: وإن نزلوا لقوله تعالى: { وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ}.
فمتى عقد الرجل على امرأة، صارت حراماً على أبيه، وأجداده، وإن علوا سواء من قبل الأب أم من قبل الأم، بمجرد العقد عليها، وإن لم يدخل بها.
3. أم الزوجة وجداتها: وإن علوا، لقوله تعالى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} فمتى عقد الرجل على امرأة، صارت أمها وجداتها حراماً عليه بمجرد العقد، وإن لم يدخل بها سواء كن جداتها من قبل الأب أم من قبل الأم.
4. بنات الزوجة: وبنات أبنائها، وبنات بناتها، وإن نزلن، وهن الربائب وفروعهن، لكن بشرط أن يطأ الزوجة، فلو حصل الفراق قبل الوطء، لم تحرم الربائب وفروعهن لقوله تعالى: { وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ }
فمتى تزوج الرجل امرأة ووطئها، صارت بناتها، وبنات أبنائها، وبنات بناتها، وإن نزلن، حراماً عليه سواء كن من زوج قبله أم من زوج بعده، أما إن حصل الفراق بينهما قبل الوطء، فإن الربائب، وفروعهن لا يحرمن عليه.
ثانياً : المحرمات إلى أجل
وهن أصناف منها :
1. أخت الزوجة وعمتها وخالتها: حتى يفارق الزوجة فرقة موت، أو فرقة حياة، وتنقضي عدتها لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ }. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها".
2. معتدة الغير: أي إذا كانت المرأة في عدة لغيره، فإنه لا يجوز له نكاحها حتى تنتهي عدتها، وكذلك لا يجوز له أن يخطبها إذا كانت في العدة حتى تنتهي عدتها وقد سبقت الإشارة إليه.
3. المحرمة بحج أو عمرة: لا يجوز عقد النكاح عليها حتى تحل من إحرامها انتهى.
وقد سبقت كذلك الإشارة إليه.
أخي الزوج بعد ما علمت ما ينبغي أثناء العقد وقبله فإليك هذه الوصايا لما بعد العقد
وصايا للزوج بعد العقد
إذا انتهت الأمور وفق ما جاء به الشرع فاحمد الله تعالى على نعمة التوفيق والإعانة فهو المستحق للحمد سبحانه وتعالى، واشكر الله تعالى على هذا التيسير وقلب بصرك فهناك الكثير من أترابك وأصحابك لم يتيسر لهم الزواج إما لعدم القدرة المالية أو لظروف مرضية أو عائلية أو لمشاكل اجتماعية، وإن من عظيم حمد الله أن تسجد سجود الشكر على ما تفضل به وأنعم وهذا السجود يشرع عند حضور أمر سار وقد هجره أكثر المسلمين اليوم إما كسلا أو جهلا، وقد ورد في مشروعيته قول سعد بن أبي وقاص خرجنا مع رسول الله من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريباً من عزوراء نزل ثم رفع يديه فدعا الله ساعة، ثم خر ساجداً فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا - فعله ثلاثا- وقال: إني سألت ربي، وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجدا لربي شكرا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدا لربي ( رواه أبو داوود)...
تحديد ليلة الزفاف
ومن الأمور المهمة بعد العقد والبديهية تحديد موعد ليلة الزفاف، والناس اليوم جعلوا موعدا للعقد ويعملون احتفالا وطعاما ثم بعده بفترة طالت أو قصرت يجعلون موعدا آخر لليلة الزفاف ويعملون كذلك احتفالا وطعاما ولو جعلوا موعدا واحدا لكفاهم ولوفر ذلك عليهم ولكن العادات والتقاليد مع بالغ الأسف ضربت أطنابها ولا يهم إرهاق الزوج بدفع الأموال لكن المهم أن تسود العادة وهذا من المغالطات في باب النكاح.
وعلى كل حال فإنه لا بد من تحديد ليلة الزفاف والأمر الذي ينبغي معرفته هو أن بعض الناس يتشاءمون من بعض الشهور أو الأيام وهذا محرم في شريعتنا وهو تقليد لأهل الجاهلية مناف لكمال التوحيد كذلك النكاح في شهر صفر أو ترك النكاح في يوم الأربعاء في آخر أسبوع من كل شهر ويقولون: إنه يوم نحس مستمر يقول عليه الصلاة والسلام: "ليس منا من تطير أو تطير له" (أخرجه الطبراني وصححه الألباني). ولا مانع من إشراك الزوجة في تحديد هذه الليلة فهي كالزوج معنية بها وهذه الليلة قد تصادف فترة حيضها فيحرم الزوج من استمتاعه بفرجها لحرمة الجماع أثناء الحيض من قبل الفرج. وعلى كل حال هذا من باب المشورة والمصلحة.
الفحص الطبي
والمقصود به أن يعرض الزوجان نفسيهما على الطب للتأكد من الحلو من الأمراض المعدية أو التي تسبب نتائج سيئة لأحدهما أو لأولادهما، والإسلام يؤيد هذا- والشريعة تحرص دائما على السلامة ومنع الضرر وجاءت بحفظ النفس.
والذين تكلموا عن هذا الموضوع من أطباء وغيرهم يرون أن خضوع الزوجين للفحص لا بد أن يكون قبل الزواج والعقد لتلافي الوقوع فيما لا تحمد عقباه من فشل الزواج أو حدوث أمراض ونحوها، وبعض الأمور لا تتأتي معرفتها إلا هذا الفحص وبدونه كيف نعرف أن أحدهما عقيما أو عنينا أو به جنونا.
واليوم تساهل المجتمع في هذه القضية وقرب الزوجان منها ولم يعد لها ذكر في الساحة نتيجة لهذا التساهل أو خوفا من الوقوع في الإحراج أو للجهل بأهمية ذلك والأخير هو الغالب.
والزوجان إذا ارتبط ببعضهما وتم العقد بينهما فلا أقل من عمل هذا الفحص قبل ليلة الزفاف، وأقل القليل أن بكون ذلك ولو بعد ليلة الزفاف ودخول الزوج بها هذا ما ذكره الطب وعلماؤه.
والذي أحب أن يفهمه الناس أن يعرفوا أهمية ذلك ولو بعد ليلة الزفاف بفترة، بل وحتى لو لم يعملوا به، أقول هذا لأن بعض الناس هداهم الله إذا لم يناسب عقله هذا الموضوع أو غيره تجده يسب القائلين به ويتهمهم في المجالس بالسذاجة أو الجهل أو... وهذا تطاول ظاهر.
فإن لم يقتنع الزوجان بهذا محتجين بصعوبة الوضع في عرف الناس، فإن كانا سليمين ظاهريا فإن الخوف لا زال موجودا وهو ضرر الجنين.
والأفضل عندي وهو وجهة نظري بالنسبة لوضع الجنين أن تعرض المرأة نفسها على الطب عند حملها وعند ذلك سيتم الفحص عليها تلقائيا لمعرفة اتفاق فصائل الدم للزوجين أو اختلافهما ولتلافي ظهور العيوب الخلقية على الجنين وذلك عن طريق الحقن الطبية وغيرها، مما يعلمه أهل المهنة.
وهذا قد يكون أسهل للزوجين على أقل تقدير، ولكن المشكلة باقية كما أسلفت في الزوجين وسلامتهما من الأمراض المعدية والعيوب الخافية، فإن تم النكاح ودخل بها الزوج وانتهى الموضوع بسلام فالحمد لله وكذا الغالب في الناس اليوم وهو توفيق من الله ونعمة تستحق الشكر.
أما إن كان هناك عيوب لم تعرف إلا بعد ليلة الزفاف فيتحمل الزوجان والأهل والأولياء بل المجتمع نتيجة فشل الزواج أو صعوبة التآلف بين الزوجين والمشكل الناتجة عن ذلك.
وهذا الموضوع- الفحص- جعلته من الوصايا بعد العقد مع أن الأطباء يرون ضرورة كونه قبل العقد لماذا؟
لأنني أعرف أنه من الصعب إقناع الناس بالفحص قبل العقد ولن يكون مقبولا لديهم لصعوبته في عرفهم،وكونه بعد العقد قد يكون أدعى للقبول ولو من النزر اليسر من الناس، رغم صعوبته أيضا عندهم. ولكن لابد من كونه بعد العقد وقبل أن يدخل بها على أقل تقدير. وأختم هذا الموضوع بقاعدة شرعية هامة بل حديث نبوي عظيم له أبعاد كبيرة جدا تدل على حكمة الشارع وبعد نظره في كل ما يضمن المصلحة للناس وهي: "لا ضرر ولا ضرار" (رواه ابن ماجه والدار قطني) ومما قالوا:((الوقاية خير من العلاج)). أرجو أن يعرف مقصودي ولا يحمل كلامي على غير محمله فهو اجتهاد على كل حال لتوخي السلامة واتقاء الضرر والحق لا بد أن يقال ولو لم يلتفت إليه الناس.
الجهاز
ويطلق الناس أو بعضهم هذه العبارة على ما يهديه الزوج لزوجته وأهلها بعد العقد غالباً من مطعومات وملبوسات وهدايا أخرى تعبرا عن الفرحة وإكراما للزوجة وقد أصبح هذا الشيء عرفا سائدا عند بعض المناطق وحكمه الجواز بل هو أمر محمود إن قصد الزوج به وجه الله لاسيما إن كان أهل الزوجة فقراء وله أجر كبير ولكن عندما يخرج الجهاز عن الحد فإنه يكون مذموما خاصة إذا كان فيه بذخ وإسراف وضياع أموال ومجاملات وغيرها.
وعند ذلك يجب إنكاره والذي يتضرر هو الزوج فيجلب أشياء لا حاجة لها ويتكلف ويستدين لأجل ذلك فيكون عبئا ثقيلا عليه، وقد ترسخ عند البعض حتى صار مسلماً لديهم بل من ضروريات الزواج و به يقيسون كرم الزوج وخلقه ورجولته... فإن أحضر الزوج الجهاز وكان كثيرا وفيه حقائب لا يكاد الواحد يفتحها -كما يقولون- من عظم ما فيها فإن هذا الزوج سيكون له المكانة العالية في القلوب وأنه يحب خطيبته أما إن لم يحضره أو لم يكن كثيرا وضع الزوج في القائمة السوداء وينقده الناس فإن كان الجهاز بهذه المثابة لدى الناس فإنهم أخطأوا الفهم والإدراك، وكم حصلت منازعات ومشاكل من وراء هذه العادة، ولا أقول ذلك من نسج الخيال ولكن الواقع يشهد على ذلك وقد رأينا وسمعنا من أولياء الأمور من يتكلم في المجالس ويغتاب خطيب ابنته لأنه لم يحضر إلا القليل من الجهاز وبعضهم قام بترجيع الجهاز للزوج بحجة أنه غير كاف، والمواقف كثيرة.
إن ذلك والله لنقص في العقل فما أدري متى نتجاوز هذه الأمور ونيسر المهور لتتبارك الأفراح وتفوح بالسرور فأدعو كل زوج وولي أمر أن يتعقلوا المسألة ويبتعدوا عن مثل هذه العادات التي فيها كلفة وإرهاق لمن يريد الزواج وفي الآونة الأخيرة تعارف بعضهم على أن الزوج يدفع للمرأة مبلغا تجهز نفسها منه وتشتري جميع ما يلزمها بما فيه المهر وأتوقع أن هذا أفضل من غيره إذا خلا من المغالاة فيما يعطى للمرأة ولم يكن هناك إسراف وبذخ.
وقفة مع الزوج
أخي الزوج لنقف قليلاً بعد أن أصبحت ربا لأسرة وعلى عتبة مرحلة جديدة في حياتك فلا بد أن تكون واعيا لمستقبلك ومقدرا حجم الأمانة والمسئولية التي صرت مكلفا بها ولئن كنت بالأمس وحدك فالآن أتى من يشاركك ولئن كنت في الماضي تفكر لنفسك فالآن تفكر لك ولغيرك ومنذ العقد وإلى أن تخلوا بزوجتك ليلة زفافك فإنه يحدوك الأمل المشرق والمستقبل الباسم والتفكر في السعادة لذلك فهذه الفترة فترة استراحة لا بد أن تنتبه إلى أمر مهم غفل عنه كثير من الأزواج.
اعلم أخي الزوج أنه من حين العقد أصبحت المرأة زوجتك وفي عصمتك لك أن تراها وأن تكلمها وأن تخلو بها، وهذا شيء لا يجهله أمثالك ولكن لدي كلام لم يألفه بعض شبابنا خاصة هذه الأيام التي يطلق عليها بالحضارة والتقدم ، وأرجو أن يفهم مقصودي ولا يحمل على غير محمله.
أخي الزوج : إن كثيرا من الشباب على عتبة الزواج يرون أن أيام الخطوبة وقبل الدخول بالزوجة أياما عظيمة تتربى فيها الفرحة ويطير فيها الفؤاد محلقا في سماء المشاعر والأنس وحياة تنطق بالأمل المشرق والأحلام السعيدة.
وطيلة هذه الفترة طالت أو قصرت فإنه مشغول بالحب والغرام عن أمور مهمة في حياته رماها خلف ظهره في سبيل إشباع رغبته، من رؤية حبيبته والتسلي معها بلذيذ الحديث والعبارات اللطيفة وأحلام المستقبل بل ويرى نفسه كعصفور ظل حبيس الحرية في قفص وفجأة يخرج منه إلى الفضاء إلا من رحم الله وكل ذلك مباح شرعا، إذا خلا من المنكرات، ولكن ليس كل مباح نتركه دون ضوابط وتوجيهات، فإليك أخي ما لمسته من سلبيات لدى الكثيرين في هذه الأيام لعلك أن تستفيد والسعيد من وعظ بغيره ، وأذكرها باختصار:
·   ضياع الوقت وإهداره في الجلوس معها والسهر الطويل المفرط أو عبر الهاتف وقد ينجم عن ذلك ضياع لصلاة الفجر وأمور أخرى.
·    الإسراف وضياع الأموال في سبيل التقرب منها وشراء ما يزيد عن الحاجة في سبيل كسب ثنائها من هدايا وغيرها وربما أثقل أهله بالديون منذ البداية وبعضهم تصل إليه فاتورة الهاتف وفيها آلاف الريالات.
·   تجاهل المسؤلية والبعد عن أداء الحقوق الواجبة للنفس والوالدين وصلة الرحم فليس هناك وقت ((والمشغول لا يشغل)) والأشد من ذلك هجر الدعوة إلى الله وهذا ما يقصدونه من قولهم: ((الزواج مقبرة للدعاة)).
·   كثرة التفكير وما يصحبه من هموم وإخفاق في جوانب عديدة في الحياة لا سيما في مجال الدراسة والمعاملة مع الناس وربما يتبع ذلك ضعف البنية وقد يحدث أمراضا نفسية وعصبية وعضوية خاصة إذا تخلل هذه الأيام بعض الصدمات الغير متوقعة أو مشاكل أسرية والواقع يشهد بذلك.
·   ذهاب الوقار والهيبة أو شيئا منهما في سبيل هذه اللذة والوقوع في إحراجات ومغالطات أو مهاترات كان الأولى تجنبها مما يوجه أنظار الناس وكلامهم وسقط مأخذهم لاسيما السفهاء ومحترفي أكل لحوم الناس والتفكه بأعراضهم.
·   لا ينتبه بعض الشباب إلى أن كثرة المجيء إليها في بيت أهلها وتكرار الاتصال هاتفيا وفي أوقات غير مناسبة يضايق أهلها شعر بذلك أم لم يشعر، وقد يطلع على عورات البيت وأسرار المنزل في تكرار المجيء.
·   قد يجلب ذلك مشاكل على نفسه هو في غنى عنها لاسيما مع المتعصبين للعادات الذين يرون أن رؤية المرأة حتى ولو بعد العقد عليها عيبا وفضيحة، فضلا عن رؤيتها قبله، بل يرونه طعنا لكرامة القبيلة. والشيطان يوسوس لهم وقد يحدث ما لا تحمد عقباه من ضرب وقتل وغيره.
·   انطفاء لذة ليلة العرس والزفاف وذهاب هيبتها وذلك بعد التعود على الملاقاة والحديث وقد يقول بعضهم: إن من حسنات المجيء لرؤية المخطوبة ومكالمتها ذهاب رهبة هذه الليلة مما يجعل الأنس بين الزوجين أكثر وفيه سلامة من عيوب عدم انتصاب الذكر والخوف، الذي يؤدي إلى الارتباك وقد يفضي إلى فشل الزواج فيقال: هذا قد يكون صحيحا ولكن لا بد أن نعلم أن التعود على رؤيتها ومكالمتها قبل هذه الليلة قد يزيل بعض الأمور المستحبة في هذه الليلة، من وضع يده على ناصيتها وقراءة الأدعية الواردة والصلاة معا فإن بعض الأزواج قد يفعل هذه المستحبات ولو عن طريق الخجل منها فيلجأ إلى الأذكار والصلاة حتى يكون في ذلك زوال للرهبة الحاصلة منهما أو من أحدهما أما إن تعودوا على الملاقات قبل هذه الليلة فقد تضيع مثل هذه السنن لديهم.
·   حصول التساهل والضعف أمام المرأة وطاعتها في كل ما تريد طاعة عمياء وقديما قالوا: ((المقبل على الزواج مجنون)) يقصدون بذلك أنه يضيع ما في عقله من اتزان وما في يده من أموال وما في نفسه من أعمال وقد تحصل المجاملة على حساب الدين والرضى بما تفعله المرأة أو ما يحصل من مخالفات تصدر منها أو منه باسم الحب ويرى كل منهما أنه وقع بين نارين فيفضل الوقوع في أحدهما ويكون أخطأ التصرف على نفسه أو على الآخر وهذا من منافذ الشيطان ومن هذا الطريق فتح الباب على مصراعيه لإقناع الزوجة بكشف وجهها عن إخوان زوجها وهذا محرم.
·   الشيطان عدو الإنسان فلا يعجبه توافق المرأة مع زوجها فيفتح لهما باب المعاتبة المصطنعة حتى يعقبها الرضى وكمال اللذة، والعامة يقولون ((فلان يتغلى)) أي لا ينقاد بسرعة ويجعل الناس يطلبون منه الشيء وهو لا يطاوعهم حتى يكسب خضوعهم ورجاءهم له فيسعد بعد ذلك. وأحيانا لا يحصل بين الزوجين رضى بعد المعاتبة أو تتفخم التوافه من لا شيء فتقع المشاكل والنفرة من البداية وقد يطلب منها أشياء لا تستطيع فعلها أو العكس فتتغير النفوس على بعضها وبعد صفائها يدخلها ما يعكرها وكل ذلك كان لأجل الدعابة في البداية والمعاتبة ولكن يحصل ما ليس في الحسبان.
·   قد يتكرر مجيء الزوج إلى بيت أهلها ويراهم ويرونه ثم بعد ذلك تعقد الجلسات الغير مرئية من الأهل وتكون هناك خلوة بينهما ومداعبات وقبلات وكل هذا ليس محرما فهي زوجته شرعا لكن المصيبة فيما إذا خرج من عندها وهو مشبع بهذه النشوة وهو شاب في أوج شبابه وعنفوان شهوته فكيف يفرغ هذه الشهوة العارمة فإما أن يتجرع لهيب الصبر فيرهق نفسه بالتفكير والتخبط فيزداد لقاؤه بها أو يقع في الحرام بفعل العادة السرية أو اللواط أو الزنا نعوذ بالله من ذلك.
خاصة إن لم يكن هناك وازع ديني والنفس بطبيعتها إن لم تشغلها بطاعة الله أشغلتك بمعصية الله وهذا من أكبر نوافذ الشيطان لاسيما في وقت الصيام.
·   إن لم يحصل ما سبق من دفع الشهوة أو الوقوع في المنكر فهناك شيء آخر قد لا يجد الزوج سبيلا آخر إلا هو فيقنعها به للسلامة من التبعات ويعلل نفسه بأنه زوجها وليلة الزاد قريبة، وعند غياب الرقيب يقوم بوطئها فتحمل الزوجة قبل ليلة الزفاف وطبعا هو في حل من جهة الخالق فهو زوجها ولكن كيف يتحلل من مخالب الناس وأنيابهم وعاداتهم فيكون ذلك حديث المجالس والمنتديات، فأين يدس الزوج رأسه.
فإن حصل الزفاف قريبا انتهى الإشكال ولكن هب أنه مات عنها فماذا يقول الناس حتما سيقولون: إنها زانية أو تخبرهم بالحقيقة المرة، ولكن أين تدس رأسها، وهب أنه طلقها نتيجة مشاكل أسرية وما أكثرها فكيف يكون الموقف أيضا.
·   المفارقة دون أن يدخل عليها طامة كبرى تحزن الأسرتين بسبب ذلك وتتلوع المرأة زمنا طوبلاً فقد جلس معها وقبلها ورأى ما في قلبها قبل ما في جسمها وكشف الأسرار المخبأة طويلا وأهدر أوقاتا غالية وأموالا طائلة، إنه موقف لا يحسد أحد عليه وما أكثر ما يحصل في زمننا هذا والقصص المأساوية كثيرة لا ينتبه إليها إلا بعد وقوعها وربما صار عند المرأة عقدة نفسية من الأزواج كلهم فتتدمر حياتها، وتكون حبيسة البيت رهينة التفكر والوساوس.
فلا بد إذن من أن نبدأ الحياة بجد ونقضي على ما يحول بيننا وبين السعادة ونغلق كل باب يفضي إلى الشر.
دعونا من الأعراف السائدة والعادات السقيمة البالية ولنفكر في الحل ولكن ما هو الحل؟
الحل المقترح أن لا يعقد الزوج إلا قرب الزفاف فيكون بينهما أسبوعاً أو شهراً على الأقل (ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، وعندئذ نُخفف من حدة السلبيات على الأقل إن لم نتلافاها بالكلية، لأنه قد يصعب ذلك فالشاب يريد أن يرى مخطوبته ويتحدث معها ولو مجاراة لأقرانه وكذلك الشابة.
وأتوقع أن هذا رأي فيه توسط فلا يمنع الزوج من رؤيتها ومكالمتها بتاتاً ولا يترك الحبل على الغارب أيضاً أما أن يعقد عليها والزفاف بعد سنة أو سنتين أو أكثر فهذا لا داعي إليه ولا فائدة منه، والحل الأكمل أن نيسر الزواج فتعم البركة وإذا تقدم الزوج وكان ذا دين وخلق ورضينا به ما المانع أن يقال له أعقد وخذها معك دون تكاليف باهظة مرهقة فتزف إليه مباشرة فلا ننظر لتكميل دراسة أو كثير مهر ونفقة أو وليمة للخطبة وأخرى للزفاف وغيرها للزيارة، وليكن قدوتنا السلف الصالح رضوان الله عليهم فكانوا هم يخطبون لبناتهم الرجل الكفء وإننا في هذا الزمان أحوج منهم إلى تطبيق هذه النظرية بل القاعدة التي ينبغي أن تدرس حتى في الجامعات ويتطرق إليها في الخطب والمحاضرات والندوات والمجالس والمنتديات حتى نسلم من شر التبعات ويسعد الشباب والشابات وتقل المنكرات وهتك العورات ويدوم الوفاق وتكون تجارة رابحة مع الله تعالى بدل أن تكون المرأة سلعة تساوم الناس في شرائها فتكون مهانة وقد أعزها الإسلام.
أعود مرة أخرى في ختام هذه النقطة فأقول: أرجو أن لا يحمل كلامي على غير محمله فلا أحرم على الخاطب الرؤية والمكالمة لخطيبته أبدا بل أدعو إلى الانضباط فيه وتلافي السلبيات لتعم الفائدة للجميع.
ومن الأمور المهمة لك أخي الزوج قراءة المفيد من الكتب وسماع النافع من الأشرطة حول موضوع الزواج واحرص على قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في الزواج ولا يمنع أن تسأل من تثق بعلمه وأمانته حول ليلة الزفاف ليحصل لك بذلك المعرفة بما يتعلق في هذه الليلة من أمور شرعية وكذلك ما يتعلق بالأمور الخاصة بين الزوجين إضافة إلى انقشاع حاجب الرهبة والخوف الذي فرضه الناس على كل عريس فلا تجدهم إلا ويأمرونه بالاستعدادات لهذه الليلة تارة وتارة أخرى يحكون له قصصا لبعض الأزواج الذين لم يحسنوا التعامل في هذه الليلة والتي قد تكون أشياء نادرة.
وكل يوم يطرق أذنه طارق يرهبه من هذه الليلة فيعيش العريس صراعا دائما وتفكيرا مستمرا مضمونه: (كيف يتصرف مع زوجته) بل ربما يفرض افتراضات في عقله ثم يحاول الإجابة عليها وغير ذلك فيقع المسكين حبيس الأوهام وقد تعرقل هذه الأوهام لذة ليلة الزفاف فليحذر كل عريس من الاستجابة لكلام بعض الناس الذي لا يجنى من ورائه أي ثمرة.

خاتـمـة
إذا أنهيت أخي الزوج كل ما يتعلق بالعقد ((قبله وأثناءه وبعده)) فأشكر الله تعالى أخرى على نعمة التيسير ثم أودعك الآن على أمل أن ألقاك بإذن الله وأنت على عتبة غرفة الزفاف فأتحدث معك عن هذه الليلة المشهودة من ليالي العمر التي لن تنساها إلا عندما تدخل إلى غرفة أخرى هي القبر في ليلة هي أول منازل الآخرة وكأني بك تستعد لليلة الزفاف ألا لا تنس الاستعداد لليلة القبر.
وبعد أن تحدثنا عما ينبغي أن تفعله قبل هذه الليلة سأتحدث معك عما ينبغي أن تفعله فيها وذلك في كتاب سينشر قريبا إن شاء الله عنوانه ((مشروع نفيس في ليلة زفاف العريس)) كما أسلفت...
ولا أدعي معاذ الله أني أتيت بشيء جديد أو أني أعطيت الموضوع حقه ولكن هي مشاركة أحتسب أجرها عند الله تعالى ولتعلم أخي القارئ أن هذا البحث المتواضع هو جهد بشر قابل للصواب والخطأ ومن وجد أي ملاحظة فأرجو أن لا يبخل في إسدائها إلي.
أسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يجعل أفراحهم في ظل هدي سيد المرسلين وأن يوفقهم لتطبيق ما جاء في هذا الدين وأن يجنبهم فعال الكفار المغرضين آمين. ألا هل بلغت اللهم فاشهد، ألا هل بلغت اللهم فاشهد، ألا هل بلغت اللهم فاشهد... وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الـمؤلف





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire