dimanche 3 mars 2013

رعاية الزوجة لبيت الزوجية


رعاية الزوجة لبيت الزوجية



تأليف : د . عبد الله بن فهد بن إبراهيم الحيد
الأستاذ المشارك بقسم الثقافة الإسلامية
كلية التربية ـ جامعة الملك سعود







بسم ا لله الرحمن الرحيم
رعاية الزوجة لبيت الزوجية

عبد الله بن فهد الحيد

أستاذ مشارك ، قسم الثقافة الإسلامية ، كلية التربية ـ جامعة الملك سعود ،
الرياض ، المملكة العربية السعودية

ملخص البحث : أَولى الإسلام عنايةً بالغةً بالأسرة والعلاقات الزوجية ، فبيَّن مسؤوليات وواجبات الزوجين ؛ لتسعد الأسرة ، ويستقيم حالها ومن ثم المجتمع .
ولمَّا كان من أهم واجبات الزوجة : القيام على شؤون بيت الزوجية ورعايته ، فإن الحاجة ماسة لبيان جوانب وأحكام هذه المهمة العظيمة والرسالة الجليلة ، وهي : مسؤولية الزوجة المسلمة عن رعاية بيتها ، وحفظه ، وحسن تعهده . 
ومن هنا تظهر أهمية موضوع : (( رعاية الزوجة لبيت زوجها )) ؛ لعلاقته الوثيقة بنظام الإسلام الاجتماعي ، وهديه في قضية خطيرة ، لها دورٌ كبير في صلاح المجتمع ، وسعادته .
وقد اشتمل البحث على : مقدمة تُبين أهمية الموضوع ، وخطته ، وعلى تمهيد فيه : مشروعية النكاح ، ومعنى الرعاية وبيت الزوجية ، ومن هي الزوجة المكلفة بالرعاية ، كما اشتمل البحث على أربعة فصول : الأول : قيام الزوجة على بيت الزوجية ، الثاني : رعاية عرض الزوج وحقوقه المتعلقة بالبيت ، الثالث : رعاية أهل البيت من الأولاد والأقارب والخدم ، وقد حوت هذه الفصول جملة من المباحث ، الرابع : رعاية البيت من المنكرات . 
ثم كان في نهاية البحث : خاتمته التي فيها خلاصة البحث وأهم نتائجه ، وذيل البحث بفهارس : للآيات والأحاديث والأعلام والمراجع والموضوعات .




المقدمـة
إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً . 
أما بعد فقد أولى الإسلام عنايةً كبيرةً بالأسرة التي تُعد اللبنة الأولى في بناء المجتمع ؛ ولهذا أهتم بالزواج الذي هو أصل الأسرة ، وعمادها الثابت ، فبين المسؤوليات الأسرية وواجبات كل من الزوجين في توزيع عادل يتفق مع الفطرة ، ويتناسب مع التكوين النفسي والجسدي لكل من الرجل والمرأة ، ويتحقق من خلاله مصالح الأمة وسعادتها.
فجعل الإسلام عمل الرجل وواجبه الأساسي الانتشار في الأرض للكسب ، وطلب المعيشة خارج البيت ، وواجب المرأة الأساسي القيام بأمور البيت ورعايته ، والسياسة لشؤونه الداخلية ، وهذه مهمة ٌعظيمةٌ ، ورسالةٌ نبيلةٌ لا تقل في الشأن والخطورة عن عمل الرجال ، ومن هنا تظهر أهمية هذا الموضوع : (( رعاية الزوجة لبيت الزوجية )) ؛ لعلاقته الوثيقة بنظام الإسلام الاجتماعي في قضية جليلة لها دور كبير في صلاح المجتمع، وهي : مسؤولية الزوجة المسلمة عن بيتها الذي أُمرت بالقرار فيه ، والذي هو محل الراحة والسكن للزوج، وفيه يجتمع أفراد الأسرة من الزوجين والأولاد ، ويقوم كل فرد بواجباته، وحقوق أهله ، والذي يُعد من جانب آخر المدرسة التأسيسية الأولى لتربية الأولاد وتنشئتهم ، فكانت الحاجة ماسة إلى إبراز هدي الإسلام في واجب الزوجة ، ومسؤوليتها الأسرية في رعاية بيت الزوجية وحفظه . 

وقد سرت في هذا البحث على الخطة التالية :
المقدمة ، ثم التمهيد الذي اشتمل على مايلي :
أولاً : مشروعية الزواج وأهميته ومنافعه .
ثانياً : معنى الرعاية ، ومفهوم بيت الزوجية .
ثالثاً : من هي الزوجة المكلفة بالرعاية ؟


الفصل الأول : قيام الزوجة على بيت الزوجية . 
المبحث الأول : الرعاية لمال الزوج .
المطلب الأول : حفظ مال الزوج .
المطلب الثاني : عدم الأخذ من ماله إلا بإذنه .
المطلب الثالث : الأخذ من ماله للنفقة بالمعروف .
المطلب الرابع : تدبير مصروفات البيت . 
المبحث الثاني : خدمة الزوج .
الفصل الثاني : رعاية عرض الزوج وحقوقه المتعلقة بالبيت .
المبحث الأول : حفظ عرض الزوج أن يُدنس .
المبحث الثاني : القرار في البيت ، وعدم الخروج منه إلا لحاجة بعد إذن الزوج .
المبحث الثالث : أن لا تأذن لأحد بدخول البيت إلا بإذن الزوج .
المبحث الرابع : حفظ أسرار البيت .
المبحث الخامس : الشكر للزوج ، وترك التسخط .
المبحث السادس : البقاء في بيت الزوجية وقت العدة .
الفصل الثالث : رعاية أهل البيت من الأولاد والأقارب والخدم .
المبحث الأول : رعاية الأولاد ، وتربيتهم .
المبحث الثاني : رعاية أقارب الزوج .
المبحث الثالث : رعاية الخدم .
الفصل الرابع : رعاية البيت من المنكرات .
خاتمة البحث . 
الفهارس . 






التمهيد
أولاً : مشروعية الزواج وأهميته ومنافعه . 
شَرَعَ الإسلام الزواج ، فأمر به ورغَّب فيه ، وبيَّن أهميته ومنافعه . وقد دل على مشروعية النكاح : القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وإجماع العلماء ؛ أما القرآن فآيات منها : قوله تعالى : (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع...)) ( )، وقوله تعالى: (( وأَنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم )) ( ) . 
وأما السنة فأحاديث منها : قوله صلى الله عليه وسلم : (( يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج...)) متفق عليه ( ) ، وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم : (( الدنيا كلها متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة )) ( ) ، وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون على مشروعية النكاح ( ) .
والزواج له أهمية كبيرة ، ومكانة عظيمة في حياة الأفراد والمجتمعات والأمم ؛ إذ أن الزوجية هي سُنَّة الخلق في الإنسان وغيره من المخلوقات ،كما قال تعالى: (( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ))( )، والزواج علاقة وثيقة وسامية بين الرجل والمرأة تليق برقي الإنسان وكرامته ، وإذا كان المجتمع يتكون من مجموع الأسر ، والأسرة هي قاعدة الحياة البشرية ، وهي الوحدة الأولى في بناء المجتمع ، فإن الزواج هو أصل الأسرة ، وعمادها الثابت ، كذلك فإن الزواج الشرعي يلبي حاجات الإنسان الفطرية والاجتماعية والجسمية ، ويحقق مصالح عظيمة ومنافع كبيرة وثمار طيبة ، ومن أهمها باختصار مايلي :-
1- أن الزواج خيرُ طريق لإيجاد الأولاد الصالحين، وحفظ نسل الأمة وتكثيرها في الدنيا والآخرة. 
2- تحصين الدين وإحرازه ؛ لما في ذلك من إحصان النفس وإعفافها ، للرجال والنساء ، فإن النكاح أغض للبصر ، وأحصن للفرج كما في الحديث السابق . 
3- إشباع الجوانب الفطرية والاجتماعية المتمثلة في المحبة والرحمة والأنس ، والسكون العاطفي والنفسي .
4- تحصيل الشهوة الغريزية واللذة والاستمتاع عن طريقٍ مشروع .
5 - تقوية الروابط الأسرية في المجتمع .
6- مجاهدة النفس بالرعاية والقيام بحقوق الأهل ، والسعي في مصالحهم ، وما يتبع ذلك من إحسان النية ، والشعور بالمسؤولية ، والنشاط والجد في العمل ، والتعاون على البر والتقوى ، والصبر على الأذى ، وبروز معاني التضحية والبذل والإيثار ( ) . 
7 - الأجر والثواب الجزيل لاتباع سنة النكاح التي هي من سُنن المرسلين ، قال تعالى : (( ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية )) ( ) . 
وهذه المنافع وغيرها تدل على عِظَم شأن ومنزلة الزواج .

ثانياً : معنى الرعاية ، ومفهوم بيت الزوجية .

الرِّعاية في اللغة : مصدر رَعى يَرْعَى رَعْياً ، وهي بمعنى الحفظ ، والراعي يرعى الماشية أي : يحوطها ويحفظها . وأصل الرَّعي : حفظ الحيوان ، ثم جُعل للحفظ والسياسة ، فكل من وَليَ أمرَ قومٍ بالحفظ والسياسة يُسمى راعياً ، ولذا يقال للوالي : الراعي والجمع رُعاة ، ويقال للقوم والعامة رَعِيَّة والجمع رعايا . وراعَيْت الشيء مُراعاةً : لاحظته محسناً إليه ، ومنه مراعاة الحقوق ، واسترعاه إياهم : استحفظه ( ) . وهذا المعنى للرعاية يتفق مع المعنى الشرعي ، وهو أن الرعاية : الحفظ والملاحظة ، ورعاية الشيء : حفظه وحسن التعهد له ، والراعي: كُلُّ من وَلِيَ أمراً لقوم ، وهو : الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه، والرعية : كل من يشمله حفظ الراعي ونظره ( ). 
أما مفهوم بيت الزوجية فإنه : البيت الذي يجب على الزوجة سكناها فيه مع زوجها ، ويُسمى بيت الطاعة . 
فإن قيام الزوجة بوظيفتها الأساسية ، ومهمتها العظمى لا يتحقق إلا بانتقالها إلى منزل الزوجية ، والقرار فيه ؛ لتؤدي واجباتها ومسؤلياتها الزوجية ، ولتتفرغ لما شُرع الزواج لأجله من إنجاب الأولاد وتربيتهم والعناية بهم ، والقيام برعاية الأسرة وتهيئة وسائل الراحة لأفراد الأسرة جميعاً، ولتنهض الزوجة بأداء رسالتها السامية نحو المجتمع على أحسن وجه وأتمه ، ولهذا كان انتقال المرأة إلى بيت الزوجية ، والسكنى والقرار فيه واجب وحق من حقوق الزوج ( رب الأسرة ) .
وقد ذكر العلماء أن شروط انتقال الزوجة إلى بيت الزوجية ما يلي :
1- أن يُهيء لها الزوج المسكن الشرعي المناسب .
2- أن يُؤدي لها المهر كاملاً ، أو المعجل منه . 
3- أن يدعوها إلى الدخول في طاعته .
4- عدم وجود المانع الشرعي ( ) .
فإذا تحققت هذه الشروط وجب انتقال الزوجة إلى بيت زوجها المُعد لسكنى الزوجين والأولاد ، وقد يشاركهم في سكناه أقارب الزوج كالأم والأب أو الخدم .

ويتبع البيت مافيه من مال وطعام ومتاع وحيوان وزرع ، كذلك يُلحق به مايشتمل عليه من مرافق وأفنية وملاحق . 


ثالثاً : من هي الزوجة المكلفة بالرعاية ؟
الزوجة المكلفة برعاية بيت الزوجية هي : من عَقد عليها زوجها عقد نكاح شرعي تام ، وهو : العقد المستوفي لأركان النكاح وشروطه ، الخالي من الموانع ، والذي يترتب عليه آثار عقد النكاح من : حل الاستمتاع ، ووجوب حسن المعاشرة بين الزوجين ، ووجوب النفقة والمهر على الزوج ، ووجوب الطاعة ولزوم البيت على الزوجة .
وأصل النكاح في اللغة : الضم والجمع والتداخل ، أما في الاصطلاح فإن النكاح هو : عقد يَحِلُ به استمتاع كلٍّ من الزوجين بالآخر على الوجه المشروع ( ) .
والنكاح آية من آيات الله في خلقه ، كما بين الله عز وجل في قوله تعالى : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )) ( ) .
والنكاح هو الطريق الشرعي للاجتماع بين الرجل والمرأة ؛ ولخطورة هذا الاجتماع وأثره في النظام الاجتماعي فقد اهتم الإسلام بعقد النكاح ، وحرص على رعايته وحمايته بوضع قواعده وحدوده ، وتفصيل أحكامه وآدابه ، حتى تتحقق مقاصد النكاح ومصالحه، ولتظهر منافعه وآثاره الحميدة على الأفراد والمجتمعات ؛ ولهذا سَمَّى الله عقد النكاح ميثاقاً غليظاً ، فقال تعالى: (( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً )) ( ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ((...فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله )) ( ) . 


الفصل الأول : قيام الزوجة على بيت الزوجية .
المبحث الأول : الرعاية لمال الزوج :

المطلب الأول : حفظ مال الزوج .
المرأة مسترعاة على ما في بيت زوجها ، ومأمورة بتمام حفظه وحسن تعهده ، وهي أمانة عظيمة كُلِّفت بها الزوجة ، وهي مسؤولة عنها كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام الأعظم الذي على الناس راعٍ وهومسؤول عن رعيته ، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم ، وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه ، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)) متفق عليه ( ).
والراعي هو : الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره ، ورعاية المرأة : حسن التدبير في بيت زوجها ، والنصح له ، والأمانة في ماله وفي نفسها . 
وقد أفاد الحديث : أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه ، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته ، وهو مسؤول عنه ، فإن وفَّى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر ، وإن كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعيته بحقه الذي ضيعه ( ) ، ومما يدل على عِظم مسؤولية الرعاية ، والتحذير من إضاعتها والغش فيها : ما ثبت في الحديث الصحيح من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( مامن عبد يسترعيه الله رعية ويموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )) ( ) . فيجب على الزوجة حفظ مال الزوج الذي استودعه إياها وجعله تحت يدها من الضياع والتلف ، والمحافظة عليه من الخسارة والهدر والتبذير ، وكلَّما كانت الزوجة حريصة على حفظ مال الزوج وبيته كانت أجدر بثقته واطمئنانه ومحبته .

فعلى الزوجة أن تنصح للزوج في ماله وذلك في حضوره وغيبته ، فتقوم بإصلاحه وتوفيره ، ولا تتصرف فيه بغير حق ، أو تفعل فيه شيئاً يكرهه ، أو تفرط في حفظه مما يؤدي إلى إضاعته ؛ لأن ذلك سبب لضعف الإلفة بين الزوجين وذهاب بهجتها ، ومبدأ الشقاق والنفور بينهما .
ومال الزوج : جميع ما يملكه أو يختص به الزوج مما يمكن الانتفاع به سواء كان منقولاً أو غير منقول ، وسواء كان نقوداً أوطعاماً مدخراً أم مأكولاً ، أو أثاثاً أو ملابساً أوغير ذلك . فإذا أدخل الزوج قوتاً للبيت أو طعاماً فإن زوجته أمينة على ذلك ، ومسؤولة عنه ( ). 
وقد مدح الله سبحانه الزوجات الحافظات لأزواجهن حال غيبته بالقيام بحقه في نفسها وماله ، فقال تعالى: (( فالصالحات قانتات ٌحافظاتٌ للغيب بما حفظ الله )) ( ) .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (( الرجال قوَّامون على النساء )) ( ) : يعني أمراء عليهن أي : تُطيعه فيما أمرها به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله ( ). 
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى عليه وسلم قال : (( خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالها )) ( ) . ومدح النبي صلى الله عليه وسلم نساء قريش بحفظ مال الزوج والإبقاء عليه كما ثبت ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( خير نساء ركبن الإبل

صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده )) متفق عليه ( ) . 
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال في الحديث المتفق عليه : (( إن الله كَرِهَ لكم ثلاثاً : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال )) ( ) . 

المطلب الثاني : عدم الأخذ من ماله إلا بإذنه .

من رعاية الزوجة لمال زوجها أن لاتأخذ شيئاً من ماله إلا بإذنه ورضاه ؛ لأن جميع ما في بيت الزوجية من مال الزوج هو ملك له ، وأمانة عند الزوجة يتعين عليها حفظه ، والنصح فيه للزوج ، وعدم تفويته عليه إلا بطيب نفس منه . 
وقد أمر الله تعالى بأداء الأمانة ، فقال عزوجل : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ))( )، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا في شهركم هذا )) متفق عليه( )، وفي الحديث الآخر مرفوعاً : (( لا يحل مال امرىء إلا بطيب نفس منه )) ( ) ، وورد النهي عن إنفاق المرأة من بيت الزوجية بغير إذن الزوج في قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تنفق المرأة شيئاً من بيتها إلا بإذن زوجها قيل : يارسول الله ولا الطعام ؟ قال : ذلك أفضل أموالنا )) ( ) ، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي النساء خير ؟ قال: (( الذي تَسره إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر، ولاتُخالفه فيما يكره في نفسها وماله )) أخرجه أحمد ( ) . 
ويستثنى من الأصل السابق وهو: أن الزوجة لا يحل لها أن تأخذ من مال زوجها إلا بإذنه ما يلي : 
1- أخذ زوجة البخيل من ماله لحاجتها ، أولحاجة أولادها بالمعروف . فإن المرأة المبتلاة بزوج بخيل أو شحيح لا ينفق عليها أبداً ، أو لا يعطيها كفايتها وحاجتها هي وأولادها من النفقة والكسوة يحل لها أن تأخذ من مال زوجها مايكفيها هي وأولادها من غير علم الزوج وبغير إذنه ، والعمدة في ذلك حديث هند بنت عتبة رضي الله عنها أنها قالت : يارسول الله ، إن أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ ، وليس يعطيني ما يكفيني ووَلَدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال : (( خُذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )) متفق عليه ( ) . 
وقد دل هذا الحديث على أن نفقة الزوجة والأولاد واجبة على الزوج ، وأنها مقدرة بالكفاية ، وأنه يباح للزوجة أن تأخذ كفايتها هي وأولادها من مال زوجها الذي في بيته سراً وهو لا يعلم ، فإن النفقة لا غنى عنها ، وهي تتجدد شيئاً فشيئاً وتشق المرافعة فيها والمطالبة بها في كل الأوقات ( ).
وهذه المسألة من مظاهر العدل واليسر ، ومنع الحرج في الشريعة الإسلامية ، وهي من جانب آخر مظهر من مظاهر إكرام الإسلام للمرأة وحفظها ورفع الظلم عنها ، وتهيئة أسباب الوئام بين الزوجين ، وأن تتفرغ الزوجة لأداء وظيفتها الأساسية ورسالتها الحقيقية؛ إذ أنه من الظلم والحرج والمشقة على من ابتليت بزوج يمنعها حقها الواجب لها، أو حق أولادها أن تترك وظيفتها الأساسية، وتخرج من بيتها كل يوم أو حتى كل أسبوع لترفع أمرها إلى القضاء، وتُظهر سراً من أسرار بيتها، فتشتكي زوجها وتطالبه بالنفقة ، وقد تتعرض في سبيل ذلك إلى الإذلال والامتهان، ويترتب على ذلك تضييعها لبعض واجباتها نحو أولادها وبيتها ، فلله أتم حمد وأكمله .
2 - الصدقة من مال زوجها إذا علمت إذنه ورضاه بذلك ولو بطريق الإجمال ، أوكانت الزوجة على علمٍ بأن الزوج لو اطلع على ذلك لم يكرهه ، فتتصدق بما جرى العرف بالتسامح فيه كالشيء اليسير الذي لايؤبه له ، ولايظهر به النقصان مثل : قليل التمر ، والخبز ، والملح ، أو الطعام الذي يُسرع إليه الفساد ، فإن هذه الصدقة من النفقة التي تؤجر عليها الزوجة لإنفاقها ، ويؤجر عليها الزوج لاكتسابه كما صرح به حديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مُفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب ، وللخازن مثل ذلك ، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً )) ( ).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(( إن الله قد أوجب لها بها الجنة )) أخرجه مسلم( ). وورد في الحديث أنه : (( لمَّا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قامت امرأة فقالت:يا نبي الله ، إِنَّا كَلٌّ على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم؟فقال:(( الرَّطْبُ تأكلنه وتُهدينه)) ( ).
وعن أسماء رضي الله عنها قالت : قلت : يارسول الله مالي مالٌ إلا ما أدخل عليَّ الزبير، فأتصدق؟ قال: تصدقي ولا تُوعِي فيوعَى عليك)) ، وفي رواية : (( إِرضخي ما استطعت )) ( ). 
وقد جاء الأمر بإطعام الطعام كما في الحديث المرفوع : (( يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا 
الطعام ، وصِلوا الأرحام ، وصلُّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام )) ( ) .
وهذا ليس من التضييع والإفساد لمال الزوج بل هو من الإعانة للزوج على فعل الخير ، ومن النصح له للحصول على الأجر ؛ فإن الصدقة من الكسب الطيب رغَّب فيها الإسلام وهي من العمل الذي يبقى ثوابه للمسلم ذُخراً ،كما دل عليه خبر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما بقي منها ؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها قال : (( بقي كلُّها غير كتفها )) ( ) ، فقد تصدقوا بالشاة كلِّها إلا كتفها ، ولمَّا علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لم ينكر عليهم بل أقرهم وأيد عملهم وشجعهم عليه ؛ حيث بين أن ما تصدقوا به هو الذي بقي لهم .
ومثل الصدقة : الهدية والمجازاة عليها ، أو المكافأة على صنيع المعروف للجيران والأقارب والأصحاب ؛ فإن ذلك مشروع كما دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها :(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها )) ( ) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : (( تهادوا تحابوا )) ( ). 

المطلب الثالث : الأخذ من ماله للنفقة بالمعروف .
من رعاية الزوجة لمال زوجها : أن يكون أَخْذُها من ماله للنفقة والكسوة عليها وعلى أولادها بالمعروف، من غير تقتير، ولا إسرافٍ ، أو تبذير أو إفسادٍ ، أو تكليفٍ للزوج بما لايطيق.
فالمشروع للزوجة الاقتصاد في النفقة ، ومراعاة حال الزوج ومقدرته المالية ، وعدم التوسع 
في الكماليات والحُلي ، أو التكلف في مصروفات التجمل والزينة والسفر وغيره مما تَتباهى به بعض النساء ، وأن تتصف الزوجة بالرضا والقناعة بما يُعطيها الزوج من مال يكفيها، ويفي بحاجتها هي وأولادها في : المأكل والمشرب والملبس والمسكن والأثاث ونحو ذلك ، وأن تترك المطالبة بما وراء الحاجة ( ) .
فإذا كان على الزوج السعي في طلب الرزق ، والإنفاق على الزوجة والأولاد وتوفير العيش الكريم لأفراد أسرته ، فإن هذا الإنفاق الواجب محددٌ في الشرع بالمعروف ، كما قال سبحانه وتعالى: (( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)) ( ) ، وقال تعالى : (( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتُضيِّقوا عليهن وإن كن أُولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروفٍ وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ـ لينفق ذو سعةٍ من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً )) ( )، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : (( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف )) ( ) . وقد سبق حديث هند بنت عتبة رضي الله عنها وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها : (( خُذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )) متفق عليه ( ) ، كذلك سبق أن الله سبحانه وتعالى مدح الزوجات الحافظات لأزواجهن حال غيبته بالقيام بحقه في نفسها وماله في قوله تعالى : (( فالصالحات قانتات ٌحافظاتٌ للغيب بما حفظ الله)) ( ) .
وقال البخاري في صحيحه : ( باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده والنفقة ) ، وذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه : (( خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده )) متفق عليه ( ) . وقد جاء ذم الإسراف والتبذير والنهي عنهما ، كما قال تعالى : (( وكلوا واشربوا ولا تُسرفوا إنه لا يحب المسرفين )) ( ) ، وقال تعالى : (( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تُبذر تبذيراً ـ إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً )) ( ) ، وقال تعالى : (( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما ً محسوراً )) ( ) ، وهذا مثل قوله تعالى : (( والذين إذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً )) ( ) . والإسراف : هو تجاوز الحد المعتاد في الإنفاق، وذلك يكون بالزيادة على القدر الكافي والشَّرَه في المأكولات الذي يُضر بالجسم ، أوبزيادة التَّرَفُّهِ في المأكل والمشرب واللباس ، أو بتجاوز الحلال إلى الحرام ( ) ، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال والسرف في إنفاقه ، كما في الحديث السابق : (( إن الله كره لكم ثلاثاً :
قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال )) متفق عليه ( ).
فلا يجوز للزوجة أن تُبذِّر إذا أنفقت من مال زوجها في حضوره أوغيبته ، ولو كان لنفقة عياله ؛ لأنها مؤتمنة على ماله ، وتبذيرها مخالف لما وجب عليها من الرعاية ( ).

المطلب الرابع : تدبير مصروفات البيت . 

تقوم الأسرة ، ويُبنى بيت الزوجية على وفاء كل واحد من الزوجين بواجباته ومسؤولياته الشرعية ، وعلى التعاون والنصح والتفاهم المشترك بين الزوجين ، ومن ذلك أن تُعين الزوجة زوجها على إصلاح أمور المعاش ؛ وذلك بحفظ مال الزوج والاقتصاد في النفقة وأن يكون الإنفاق بالمعروف ، كذلك بحسن التدبير لمصروفات الأسرة وبيت الزوجية ، وكما قيل : الاقتصاد في النفقة نصف العيش ( ) . 
وقيام الزوجة بهذا العمل واهتمامها به فيه منفعة عظيمة ، وآثار مباركة على إصلاح معاش الأسرة وبيت الزوجية في هذه الحياة بعد توفيق الله ؛ وذلك لأن الزوجة أقرب إلى معرفة حاجات البيت والأسرة ، وتفاصيل مصروفاتها ، ونفقاتها المتجددة من الرجل الذي يقضي غالب وقته خارج المنزل لطلب المعيشة، أو القيام بالمصالح العامة ، أما المرأة فإنها تقضي غالب وقتها في بيت الزوجية ؛ إضافة إلى أن هذا يدخل في معنى الرعاية المأمورة بها الزوجة لمال الزوج وبيته ، والتي قررهاحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق : (( والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم )) متفق عليه( )، فإن رعاية المرأة : هي حسن التدبير في بيت زوجها والنصح له ، والأمانة في ماله وفي نفسها كما سبق( ). 
ومما يدل على أن الزوجة لها شأن وتصرف في تدبير النفقة ، وتنظيم مصروفات البيت والأسرة ماسبق في قصة هند رضي الله عنها أنها قالت: يارسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يَكفيني ووَلَدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم . فقال : (( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )) متفق عليه ( ) ، قال ابن حجر عن الحديث : واُستدل به على أن للمرأة مدخل في القيام على أولادها، وكفالتهم والإنفاق عليهم ا.هـ يعني : من مال أبيهم كما ذكره النووي( ). 
كذلك يدل عليه ما رواه البخاري في ( باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه ) من حديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مُفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ، ولزوجها أجره بما كسب ، وللخازن مثل ذلك ، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً )) ( ) ، فإنه يدل على أن الزوجة هي التي أمرت الخازن بالنفقة . 
فإذا كان الزوج مأمور بالسعي في الأرض لطلب الرزق ، وتحصيل الكسب والقوت الطيب الحلال ؛ للإنفاق على أهل بيته وسد حاجاتهم وتوفير أسباب الحياة الكريمة لهم ، فإن على الزوجة إكمال ذلك الدور ، وإعانة الزوج بحسن التدبير والتقدير في الإنفاق ، مع حسن التنظيم والترتيب للمصروفات ، وإتقان التخطيط وجودة التنفيذ ، والمتابعة لأمور الصرف ، مع الحكمة والتعقل ، ومراعاة حال الزوج ومقدرته المالية من الغنى والفقر ، مع ملاحظة ماتعارف عليه الناس في مجتمع زوجها عند تلبية متطلبات المعيشة ، والاهتمام بتقديم الأولويات والتفريق بين الضروريات والحاجات والكماليات .
وإلا فما الفائدة إذا كان الزوج يَشقى ويتعب في تحصيل المال للنفقة ، ثم تأتي الزوجة فتُسرع بإضاعته ، والإسراف في إنفاقه .
والزوجة في تدبير مصروفات البيت تمتثل هدي الإسلام في عملها ، وتدبيرها للمصروفات بفعل الطاعات ، والبعد عن المحرمات ، فهي تُراعي الجود والبذل وتجتنب الإسراف والبخل ، وتراقب الله عز وجل في كل تصرف ؛ حتى تكون مؤدية لهذه الأمانة العظيمة والرعاية الكبيرة ؛ ولتفوز برضا الزوج وقبل ذلك رضا مولاها عز وجل ، وتحوز عظيم الثواب والأجر .



المبحث الثاني : خدمة الزوج .

الأسرة هي قاعدة الحياة البشرية ، واجتماع الزوج والزوجة بعقد النكاح هو أصل الأسرة في الإسلام ، وعلى كل من الزوجين تحمل مسؤوليات الأسرة وواجباتها ، والقيام بتكاليفها وحقوقها ، ومن العدل أن يتم توزيع التكاليف والأعباء بين الطرفين وأن يكون التوزيع متفقاً مع الفطرة ومتماشياً مع التكوين النفسي والجسدي لكل من الرجل والمرأة ، وأن يكون فيه قصد إلى تحقيق مصالح الأمة وسعادتها .
والرجل أقدر على العمل والكسب خارج المنزل ، والمرأة أقدر على تدبير المنزل وتربية الأولاد ، فالتوزيع الطبيعي والعادل يقتضي أن يكون عمل الرجل الطبيعي خارج البيت ، وعمل المرأة في الداخل ، وبناء على ذلك فإن عمل الرجل وواجبه الأساسي هو : الانتشار في الأرض للكسب وطلب المعيشة خارج البيت ، وواجب المرأة الأساسي هو : العمل داخل البيت فعلى الرجل الخدمة الظاهرة ، وعلى المرأة الخدمة الباطنة ( ).
ومن عمل المرأة داخل البيت خدمة الزوج ، والقيام بشؤون البيت الداخلية مثل : إعداد الطعام ، والنظافة العامة ، وتدبير أمور البيت ، وتنظيم محتوياته ، ولوازم ذلك ( ).
وقد اختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزوج على قولين رئيسين : 
القول الأول : أن خدمة الزوجة لزوجها واجبة ، وبه قال طائفة من السلف والخلف ، وهو قول أبي بكر بن أبي شيبة وقول ابن حبيب من المالكية ـ ورُوي ذلك عن مالك إن كان الزوج مُعسراً ـ ، وهو قول الطبري وأبي ثور من الشافعية ، وقول أبي إسحاق الجوزجاني من الحنابلة ، وتخريج في مذهب أحمد ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم وابن باز، وهو ما أفتت 
به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( ). 
القول الثاني : المشهور عن الجمهور من الفقهاء : أن خدمة الزوجة للزوج ليست واجبة ، وفرَّق كثير منهم بين المرأة الغنية أو الشريفة ، وبين الفقيرة التي تَخدم في بيت أهلها ، فلا تجب الخدمة في الحالة الأولى ، وتجب في الثانية ( ). قال ابن حجر : وقال الشافعي والكوفيون : يفرض لها ولخادمها النفقة إذا كانت ممن يُخدم ، وقال مالك والليث ومحمد بن الحسن : يفرض لها ولخادمها إن كانت خطيرة ا.هـ، وقال ابن قدامة : وليس على المرأة خدمة زوجها في العجن والخبز والطبخ وأشباهه نص عليه أحمد ـ إلى أن قال ـ ولكن الأولى لها فعل ما جرت العادة بقيامها به ا.هـ ، وقال في موضع آخر : فإن كانت المرأة ممن لا تَخدم نفسها ؛ لكونها من ذوي 
الأقدار ، أو مريضة وجب لهاخادم ا.هـ( ).
الأدلة : أدلة القول الأول :
1- قوله تعالى في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام :(( وألفيا سيدها لدى الباب )) ( )، فقد سمى الله عزوجل الزوج سيداً في كتاب الله ( )، والسيد له حق الطاعة والخدمة . 
2- قوله تعالى : (( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ))( ).قال القرطبي في تفسيره: إذا فَرَّعنا على قول مجاهد وابن عباس ومالك وعلماء اللغة أن الحفدة : الخدم والأعوان ، فقد خرجت خدمة الولد والزوجة من القرآن بأبدع بيان ؛ قاله ابن العربي ا. هـ ( ) .
3- حديث علي رضي الله عنه : (( أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ـ وبلغها أنه جاءه رقيق ـ فلم تصادفه ، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها . فلما جاء أخبرته عائشة قال : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبنا نقوم ، فقال : على مكانكما . فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني . فقال : ألا أدلكما على خير مما سألتما ؟ إذا أخذتما مضاجعكما ـ أو أويتما إلى فراشكما ـ فسبحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم )) ( ).
فقد دل الحديث على أن السنة والأصل هو : أن الزوجة تخدم زوجها في بيته .
قال الطبري : يؤخذ منه أن كل من كانت لها طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز أو طحن أو غير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج إذا كان معروفاً أن مثلها يلي ذلك بنفسه، ووجه الأخذ: أن فاطمة لما سألت أباها صلى الله عليه وسلم الخادم لم يأمر زوجها بأن يكفيها ذلك ، إما بإخدامها خادماً ، أو باستئجار من يقوم بذلك أو يتعاطى ذلك بنفسه ، ولو كانت كفاية ذلك إلى علي لأمره به ، كما أمره أن يسوق إليها صداقها قبل الدخول ... ا.هـ( ) .
4- حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : (( تزوجني الزبير وما له في الأرض من مالٍ ولا مملوك ولا شيء غير فرسه ، قالت : فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤونته ، وأسوسه ، وأدق النوى لناضحه وأعلفه ، وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن ، ولم أكن أُحسن أخبزُ ، وكان يخبز لي جارات لي من الأنصار، وكنَّ نِسوة صِدق ، قالت : وكنت أنقل النوى من أرض الزبير ـ التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ على رأسي ، وهي على ثُلثي فرسخ قالت : فجئت يوماً والنوى على رأسي ، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار ، فدعاني ثم قال : إخ إخ ، ليحملني خلفه، فاستحييت وعرفت غيرتك،فقال:والله لحملك النوى على رأسكِ أشد من ركوبك معه ، قالت : حتى أرسل إلي أبوبكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس ، فكأنما أعتقتني )) ( ) . فقد دل الحديث على أن على المرأة القيام بجميع ما يحتاج إليه زوجها من الخدمة ( ) ؛ حيث أقر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير على ذلك ، مع عظمة منزلة أبيها أبي بكر 
الصديق رضي الله عنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو لم تكن الخدمة لازمة لما سكت أبو بكر على ذلك مع ما فيه من المشقة عليه وعليها ( ) .
5- حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : (( هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات فتزوجتُ امرأة ثيباً فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تزوجت ياجابر ؟ فقلت نعم فقال بكراً أم ثيباً ؟ فقلت: ثيباً ،فقال : فهلا جاريةً تُلاعبها وتلاعبك ، وتضاحكها وتضاحكك ؟ قال فقلت له : إن عبدالله هلك وترك بناتٍ ، وإني كرهت أن أجِيئهنَّ بمثلهن فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتُصلحهن ، فقال: بارك الله لك،أو خيراً )) ( )0
فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم جابراً رضي الله عنه على تزوجه بامرأة ثيب لأجل قيامها على أخواته ، فمن باب أولى قيام المرأة بخدمة الزوج .
6- عموم حديث ابن عمر رضي الله عنهما : (( ... والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن
رعيتها )) متفق عليه ( )، فإن رعاية المرأة هي : حسن التدبير في بيت زوجها والنصح له ، ويدخل في ذلك خدمة الزوج . 
7- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه رضي الله عنهن بخدمته ( ) ، فيقول : (( يا عائشة ارفعي عنا حصيرك )) ( ) ، (( يا عائشة حولي هذا )) ( ) ، (( يا عائشة ناوليني الثوب )) ( ) ، (( يا عائشة هلمي المدية ، اشحذيها بالحجر )) ( ) .
8- حديث : (( ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هُنَّ عوانٌ عندكم ...)) ( ) ، والعاني الأسير عليه خدمة من هو تحت يده ( ) . 
9- حديث: (( لوكنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها )) ( ) ، فقد دل الحديث على عظم حق الزوج ولزوم طاعته .
10- أن أمهات المؤمنين والصحابيات رضي الله عنهن كن يَخدمن في بيوتهن ، فعائشة رضي الله عنها كانت تغسل المني من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ( ) ، وكانت ميمونة رضي الله عنها تضع للنبي صلى الله عليه وسلم ماء الغسل ( ) ، وعائشة كانت تطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ) ، وأم سلمة رضي الله عنها دخلت على سيد المسلمين صلى الله عليه وسلم أول العشاء عروساً ، وقامت آخر الليل تطحن ( ) ، وزوجة أبي أُسيد الساعدي رضي الله عنها قامت بخدمة زوجها من أول ليلة وهي عروس، فقد (( دعا أبوأُسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه ، وكانت امرأته يومئذٍ خادمهم وهي العروس . قال سهل رضي الله عنه : تدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أنقعت له تمرات من الليل ، فلما أكل سقته إياه ))( )، وكما سبق في قصة خدمة فاطمة وأسماء وامرأة جابر لأزواجهن رضي الله عنهم أجمعين ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك ، وأقرسائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية ( ).
11- العرف ( ) ، فإن عقد الزواج من العقود المطلقة ، وهي إنما تُنـزَّل على العرف ، والعرف بين الناس قديماً وحديثاً هو : خدمة المرأة في بيت زوجها وقيامها بمصالح البيت الداخلية ( ) . 
وهكذا كان الأمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما دلت عليه أحاديث علي وأسماء وجابر رضي الله عنهم السابقة ، بل إن حديث جابر رضي الله عنه يدل على أن العرف الذي كان قائماً آنذاك هو : أن المرأة لاتخدم زوجها فقط بل تخدم من يعيلهم زوجها في بيته ؛ ولذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على جابر رضي الله عنه مقصوده من الزواج بالثيب وهو قيامها بشؤون أخواته ،كما أن حديث أسماء أيضاً يدل على شمول خدمة الزوجة لزوجها لعلف الفرس واستقاء الماء وخرز الغرب في ذلك الوقت ، خاصة عند الحاجة وقلة ذات اليد وانشغال الأزواج بالمصالح العامة ( ) .
وقد جرى العرف والعادة في الوقت الحاضر بقيام الزوجة بخدمة زوجها وبشؤون بيته الداخلية
المعتادة ، وقد تُعينها خادمة عند الحاجة إذا كان الزوج موسراً ( ) . 
12- أن خدمة الزوج من تمام حُسن المعاشرة بالمعروف ، المأمور بها كل من الزوجين ، قال تعالى : (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) ( ) ، كما أن خدمة الزوج من التعاون على القيام بواجبات الأسرة ومسؤولياتها ، وهو من مصلحة الزوجة أيضاً ؛ فإن خدمة الزوجة لا تصلح الحال إلا به ، ولا تنتظم المعيشة بدونه ( ) .
دليل القول الثاني :
أن المعقود عليه من جهة الزوجة ، وما يقتضيه عقد النكاح هو : الاستمتاع ، فلا يلزمها غيره من الاستخدام وبذل المنافع ، كسقي دوابه ، وحصاد زرعه .
وأجابوا عن الاستدلال بحديثي فاطمة مع علي ، و أسماء مع الزبير بأن ذلك من التطوع والتبرع ، ومن الإحسان ومكارم الأخلاق ، ومما جرت به العادات لا على سبيل الإيجاب ( ). 
الترجيح : من خلال عرض ما سبق من الأدلة يتبين رجحان القول بوجوب خدمة المرأة لزوجها، وأن الأصل هو : خدمة المرأة لزوجها إلا إذا كان العرف أنها تُخدم ولا تخدِم ، فعلى الزوجة أن تقوم بخدمة الزوج بالمعروف ، وخدمة البيت على ما جرى به العرف وعادة الناس من مثل الزوجة لمثل الزوج وهذا هو مُقتضى النصوص الشرعية ( ) .
أما القول بأن خدمة فاطمة وأسماء رضي الله عنهما كانت على سبيل التبرع والإحسان فيرده أن فاطمة كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة ، وكذلك أسماء ، حتى إنها قالت لمَّا أخدمها أبوها خادمة كفتها سياسة الفرس: (( فكأنما أعتقتني ))، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : 
لا خدمة على زوجتك ، وإنما هي عليك ، وكذلك لمَّا رأى النبي صلى الله عليه وسلم أسماء والعلف على رأسها لم يُنكر على الزبير رضي الله عنه، بل أقرَّه على استخدامها ، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية . 
ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة ، وفقيرة وغنية ، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تَخدم زوجها ( ) ، ولا يُسلَّم بأن مُقتضى عقد النكاح مجرد الاستمتاع، بل النكاح يقتضي أيضاً : وجوب حسن المعاشرة بين الزوجين ، وتحمل كل منهما مسؤولياته الأسرية ورعايتها ( ) . 

لكن يحسن التنبيه هنا إلى أمور :

الأول : أن خدمة الزوجة لزوجها وقيامها بشؤون البيت الداخلية هو على حسب العرف وما جرت به عادة الناس في البلد ، أما ما زاد على ذلك فلا يجب على الزوجة ، وقيامها به إنما هو من باب حسن المعاشرة ، ومكارم الأخلاق ، وهو من فضائل الأعمال التي يُرجى ثوابها لمن أخلصت فيها من الزوجات ، وذلك مثل إعانة الزوجة زوجها في طلب العلم والتعليم ونفع الناس والإحسان إليهم ، ومساعدته في أمور معاشه ، وأعماله الخاصة من زراعة أو تجارة ونحو ذلك مما لم يجر العرف بخدمة الزوجة لزوجها فيه .
الثاني : أن على الزوجة في موضوع الخدمة مراعاة حال زوجها من الغنى والفقر والفراغ والشغل ، ومنزلة زوجها وعمله ، فكما مر أن فاطمة وأسماء وزوجات الصحابة رضي الله عنهم كن عوناً لأزواجهن فيما يستطعنه من خدمة ، وإن كان فيها مشقة عليهن ؛ وذلك مراعاة لحال أزواجهن وانشغالهم في الجهاد وغيره ، وضيق ما بأيديهم عن استخدام من يقوم بتلك الأعمال ؛ ليتفرغوا لما هم فيه من نصر الإسلام ( ) .
الثالث : ينبغي على الزوج التعاون مع زوجته ، وإعانتها على القيام بأعمال البيت ، وذلك بالتخفيف عنها وعدم الإكثار عليها في الطلبات ، وبمساعدتها في بعض الأعمال لا سيما عند الحاجة ؛ فإن قيام الزوج بخدمة أهله بنفسه مشروع ، والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها ـ الصحيح ـ وقد سُئلت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت : (( يكون في مَهْنَةِ أهله ـ تعني خدمة أهله ـ فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة )) ( ) ، فللأزواج في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، وفي الحديث الآخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي )) ( ) . 
كذلك على الزوج التقدير والاحترام والشكر لما تقوم به الزوجة من الواجبات المنزلية ، مع الرفق والتشجيع لها ، والتغافل عن بعض التقصير، وعدم المحاسبة الدقيقة على كل صغيرة وكبيرة ( ) .
الرابع : على الأسرة - وخاصة الأم - العناية بإعداد بناتها وتربيتهن، ونصحهن ، وتعويدهن من الصغر على القيام بأعمال البيت المعتادة ، وعلى حسن التدبير فيها ؛ ليتهيأن للحياة العملية بعد الزواج ، حتى إذا ما انتقلت إلى بيت زوجها قامت بواجباتها المنزلية على أحسن وجه ؛ مما يكون سبباً لحسن العشرة ، والوفاق بين الزوجين .



الفصل الثاني : رعاية عرض الزوج وحقوقه المتعلقة بالبيت

المبحث الأول : القرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة بعد إذن الزوج 

تتمثل مسؤولية الزوجة ووظيفتها الأساسية في الأمومة والحضانة وتربية النشء وإعداد الجيل ، ورعاية البيت والقيام على شؤونه ، والمحافظة على الأولاد وحسن رعايتهم وطاعة الزوج وخدمته وحفظ ماله وتدبيره ، وهذا هو هدي الإسلام ، وهو أن يكون عمل الزوجة في البيت؛ ولهذا فإن الأصل هو قرار الزوجة في بيت زوجها وملازمتها له وعدم خروجها منه إلا عند الحاجة الشرعية بإذن الزوج ( ) ، وهذا حق من حقوق الزوج . قال تعالى : (( وقرنَ في بُيوتكنَّ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )) ( )، ومعنى الآية : إلزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة ( ) . 
وقد أُضيفت البيوت إلى ضمير النسوة في الآية السابقة ، وفي قوله تعالى : (( واتقوا الله ربكم
لا تُخرجوهنَّ من بُيوتهنَّ ))( )،وفي قوله تعالى:(( واذكرنَ ما يُتلى في بُيوتكنَّ )) ( )، وهي إضافة إسكان تقررت لاستمرار لزوم المرأة البيت إلا لحاجة كما قال العلماء ( ) ، كذلك يستدل
بقوله تعالى : (( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم )) ( ) ، فإن الأمر بالإسكان نهي عن الخروج والإخراج ( ) . 
وقد رخَّص الإسلام للزوجة في الخروج عند الحاجة ، مع التزام الحجاب وعند الأمن من الفتنة، كما ثبت في الحديث الصحيح : (( قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن )) متفق عليه ( ) .
ولا بد من إذن الزوج وموافقته على خروج زوجته من البيت عند الحاجة ، كما دل عليه حديث
ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا استأذنت المرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها )) متفق عليه ( ). فالحديث صريح في دلالته على ضرورة إذن الزوج لخروج الزوجة إلى المسجد ، ويُقاس عليه غيره من حالات الخروج من البيت لمصلحة شرعية ؛ ولهذا ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه للحديث بقوله : ( باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره ) ، ونقل ابن حجر عن النووي قوله : واستدل به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه ؛ لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن ا.هـ ( ) ، وأيضاً لابد من إذن الزوج ؛ لأن حقه واجب فلا يجوز تركه بما ليس بواجب ( ) .
وبهذا يتبين أن من رعاية الزوجة لبيت الزوجية : أن تقر الزوجة في بيت زوجها ، وأن لا تخرج منه إلا لحاجة شرعية بعد إذن الزوج الصريح ، أو ما يدل على إذنه . 

المبحث الثاني : حفظ عرض الزوج أن يُدنَّس .

ومما يلزم الزوجة في موضوع الرعاية : واجب الأمانة في نفسها ، والمحافظة على عرض زوجها وشرفه من الخدش والتدنيس ، وفي هذا صيانة لعرضها ، وحفظاً لدينها ولكرامتها أيضاً ، وقد مدح الله سبحانه الزوجات الحافظات لأزواجهن حال غيبته فقال تعالى:((فالصالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله)) ( )، ومعنى حافظات للغيب : حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن، في فروجهن وأموالهم ، وللواجب عليهن من حق الله في ذلك وغيره ( ) ، ويدل على هذا ما جاء في الحديث : (( خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أَمَرْتَها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالها )) ( ) ، وفي الحديث الآخر أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي النساء خير ؟ قال : (( الذي تَسره إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر ، ولا تُخالفه فما يكره في نفسها وماله )) ( ) .
وهذا من أعظم حقوق الزوج ، وواجبات الزوجة ؛ ولهذا أكدَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم في خُطبته يوم عرفة في حجة الوداع ، حيث قال صلى الله عليه وسلم في حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم مرفوعاً : (( ولكم عليهن أن لايوطئن فرشكم أحداً تكرهونه )) ، قيل المراد بذلك: أن لا يستخلين بالرجال ( ).
فينبغي على الزوجة تمثل خُلق الحياء ، ومراقبة الله عز وجل والخوف من عقابه بالالتزام بهدي الإسلام والتأدب بآدابه ، والبعد عن جميع المحرمات ، وعدم خيانة الزوج ، أو الإساءة إلى عرضه بأي شيء يكرهه وإن قَلَّ ، وذلك بأن تلتزم الزوجة بالقرار في البيت كما سبق، وبالاحتشام ولبس اللباس الشرعي والحجاب الكامل الساتر لجميع بدنها، وبغض بصرها وصيانة نفسها من النظر إليها فلا تتبرج بزينة أو تُبدي شيئاً من زينتها لغير محارم

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire